سرقة الإمام

سرقة الإمام
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

محمد فايز حجازي      

هل تظنونني رجلًا فاضلًا وإنسانًا صالحًا بحق! أسمعكم تذكرون ذلك دائمًا بكل حسم وتأكيد، هل هذا لمجرد أن لي مؤلفات دينية شهيرة، وبرامج تلفزيونية ناجحة أجيب فيها عن تساؤلاتكم في الشأن الديني، وأنبري للفتوى وحديث الفقه! أرجوكم لا تحسنوا الظن بي إلى هذا الحد، فعلى الرغم من كل ما تعرفون عني من سمات التقوى وما تصفونني به من حسن الخصال، فإن لي العديد من الآثام التي تعتصر قلبي وتؤرقني، نعم فقد اقترفت آثامًا كثيرة، صغيرة وكبيرة، ولقد سرقت أيضًا، نعم سرقت، ولم أسرق فحسب ولكنني سرقت أمام بيت من بيوت الله! أمام المسجد! لا يفصلني عن مدخله سوى ثلاث خطوات! أتصدقون أي مسجد كان هذا الذي أتحدث عنه!

 إنه مسجد السيدة نفيسة، نفسية العلوم رضي الله عنها!

أتدرون متي كان ذلك!

كان ذلك -وياللخزي- في شهر رمضان المبارك وقبل الإفطار بساعتين تقريبًا

وكنت -بطبيعة الحال- صائمًا.

     الآن وبعد تلك الواقعة بنحو خمسٍة وثلاثين عامًا، وأنا بين جدران نفس المسجد وقد انتهيت لتوي من الصلاة، أخطو إلى خارج المسجد، إلى نفس مكان الواقعة، أشعر بشيء في صدري، كخنجر بين ضلوعي لا أكاد أقوي على التنفس بسببه.

     أعترف بذلك الآن كما لو كنت أتحدث عن شخص آخر غيري، غير الذي تعرفونه وتتوسمون فيه كل الخير والصلاح.

     أتعرفون! عندما سرقت بيدي هذه، لم تكن كتلك اليد الكبيرة التي ترونها الآن، كانت صغيرة ورقيقة وبيضاء أيضًا، وإن كان هذا لن يغير من الحقيقة في شيء، فهي على أية حال نفس اليد لذات الشخص الذي يُحدثكم. فالإنسان من مهده إلى لحده هو ذاته لا يتغير، له نفس الروح ونفس الضمير، والحقيقة المشينة، الحقيقة…. أنني سرقت!

     عندما فعلت فعلتي هذه -لن أستخدم كلمة السرقة مرة أخرى فإن

نطقي لها يزيد قلبي حسرةً وألمًا وحلقي مرارةً وضيقًا- كنت حينها قد تجاوزت الثالثة عشر من عمري بقليل، وفي ذلك اليوم الذي أذكر تفاصيله بكل دقة ووضوح، بل وأذكر أيضًا إيماءات الأشخاص ونظراتهم، كل الأشخاص، أصدقائي في المدرسة، أمي وأبي وجيراننا، و…..

     ومصطفى أيضًا.. مصطفى ذلك الشاب الأسمر الذي.. الذي أخذت منه ما أخذت، خلسة، في غفلة منه ومن الجميع أمام المسجد كما أخبرتكم.

     في ذلك العام، كنا في يوم شديد الحرارة من أيام شهر رمضان، وبعد يوم دراسي مرهق، لعبنا فيه أنا وأصدقائي الكرة، في فناء مدرستنا الإعدادية، لعبنا كثيرًا جدًا حتي ابتلت ملابسنا من غزارة العرق، وتشققت شفاهنا من فرط العطش، في النهاية اتجهنا كعادتنا صوب صنابير الماء في آخر الفناء، لنغسل أيدينا ووجوهنا، نجر أقدامنا جرًا، وقد لجأ مُعظمنا في ذلك اليوم -مُدعيًا الوضوء- إلى حيلة طفولية بابتلاع بعض قطرات من الماء عمدًا حتي يُبرَد جوفه من لظى المجهود، وكان كل واحد منّا يتهم الآخر  بالإفطار وخسارة الدين وأنه لابد أن هناك كلبة سوداء سوف تلتهم أمعاءه بسبب فعلته هذه.

 وكان كل واحد منّا أيضًا يقسم بأغلظ الأيمان بأنه لم يفعل عمدًا ما يُبطل صيامه.

     غير  أنني في ذلك اليوم -كغيره من أيام شهر  رمضان- كنت على أعلى درجة من درجات الحرص ألا تشوب صيامي شائبة، فلم أشك لحظة في قطرة ماء قد تسللت إلى حنجرتي بعمد مني أو حتى بغير عمد، ومع ذلك…

     مع ذلك فقد أخذت أشياء -كما قلت لكم- لا أستحقها، دون أن يعلم صاحبها أو يأذن لي.

كان لزامًا عليَّ كيما أصل إلى البيت أن أسلك شارعًا طويلًا، هو شارع الخليفة، بعد أن أخرج من مدرستي، مدرسة سبيل أم عباس بالقلعة، أمر على مسجد السيدة سكينة، ثم بعده مسجد السيدة رقية ثم ضريح محمد بن سيرين مُفسر الأحلام، ثم ضريح شجرة الدر، وفي الأخير مسجد السيدة نفيسة، الذي حدثت أمامه تلك الواقعة المؤسفة.

     في طريقي للمنزل وبرغم التعب الشديد إلا أنني كنت منتشيًا للغاية،

كما كان حالي دائمًا في أيام رمضان، فقد كانت المناظر خلابة في أحيائنا القديمة، الزينة والفوانيس تحجب السماء بين البيوت القديمة، ورائحة الطعام المصري الأصيل، المُتسللة من الأبواب والنوافذ إلى الشوارع والحارات، مُختلطًة بمسك المساجد العتيقة، يرسلاني طائرًا إلى عالم آخر من الشوق اللذيذ، واللهفة المُحببة لصوت مدفع الإفطار.

     في هذا الجو الروحاني الفريد، الذي يوحي بقرب نزول الملائكة من السماء، لتصحبني في طريقي إلى البيت، وأنا على أرقى درجة من درجات النقاء والتهيج السامي، فقد سيطرت عليَّ إرادة شيطانية، دفعتني دفعًا لفعل الشر، وبيدي الآثمة تلك… فعلت ما فعلت.

     في ذلك اليوم خرجت من المدرسة كعادتي مع صديقي عماد، الذي تركني إلى بيته في منتصف الطريق، وأذكر تمامًا أنه قبل أن يغادرني، كان قد دخل محلًا لبيع العصائر، مُدعيًا أن أمه قد طلبت منه شراء أكياس العرقسوس والسوبيا والتمر هندي في طريق عودته للبيت، توارى عماد في ركن داخل المحل، ليشرب خلسة كوبًا كبيرًا من العرقسوس جرعةً  واحدةً،

رأيته بوضوح ولكنني تظاهرت بأني لم أره، حتي أعفيه من حرج الموقف. غير أن ما فعله عماد لم يكن ليُقارن بما اقترفته أنا بعدها بدقائق.

     بعد أن مضيت في طريقي وحيدًا صوب البيت، وأمام مسجد السيدة نفيسة، كان الإرهاق قد بلغ مني كل مبلغ، وقفت ألتقط أنفاسي وأُريح أقدامي وأنا أشاهد صفوف الكتب الدينية القليلة، التي رصها مصطفى ذلك الشاب الطيب، على صناديق كرتونية قديمة، بجوار أعواد البخور والمسك والعطور والمسابح التي يبيعها لمرتادي المسجد.

     كان مصطفى في أوائل الثلاثينات أسمر البشرة معتدل الطول، واسع العينين، غليظ الشفتين، له لحية خفيفة وجميلة، يرتدي جلبابًا رماديًا معظم أيام السنة وإن كان نظيفًا على الدوام، ترى أثر الوضوء على وجهه ورأسه بمجرد سماعك للآذان.

     يعول أمه وأخواته بعد وفاة أبيه، فهو الولد الوحيد لأبويه مع ثلاث بنات جميعهن يصغرنه، يقتات من عمله أمام المسجد ما يقيم به أود الأسرة، عزيز النفس، لم يُرْ  يومًا متسولًا أو سائلًا الناس إلحافا، وكان بجانب عمله، يمسح السيارات أمام المسجد إذا طلب منه ذلك.

     كنت أتردد عليه كثيرًا أثناء ذهابي وإيابي من المدرسة، بمفردي  أحيانًا وبصحبة والدي أحيانًا أخرى، فأصبح كل منا وجهًا مألوفًا تمامًا لصاحبه، وكم من مرة ألقيت عليه التحية، فأجاب تحيتي بخير منها وبنبرة حب صادقة، فكنت أحبه كثيرًا، ومع ذلك..

     ويالعاري، فقد بدر  مني تجاهه ما بدر!

     في ذلك اليوم الذي أحدثكم عنه، وعندما وقفت متعبًا قبالة الكتب المُصطفة أقرأ عناوينها، إذ وقعت عيناي على ثلاثة كتب من تفسيرات الإمام الشعراوي، كانت الكتب من القطع المتوسط، احتواهم بعناية كيس بلاستيكي شفاف ونظيف، وبداخل الكيس أيضًا زجاجة مسك صغيرة ومسبحة (33 حباية)، شفافة بها مسحة لبنية بلون السماء.

     وقد كنت نهمًا للقراءة وأعشق الإمام الشعراوي أيما عشق، فلا يحلو يوم من أيام الشهر الفضيل أو يوم من أيام الجُمْعْ إلَّا بصوته الحبيب لأذنيَّ

      أنا لا أبرر لكم موقفي الآن، ولكنني لم أكن في كامل وعيي، وأنا أضع

كيس الكتب في حقيبة مدرستي مُستغلًا انشغال مصطفى الذي كان قد أعطاني ظهره.

     ظهره الذي طعنته فيه بلا ريب شر  طعنة، فلم أجدني إلا مُنسلًا مُتواريًا عن الأنظار.

     مشيت بخطوات مُسرعة التفت خلفي ثم ركضت بعيدًا عن المسجد، وهناك في آخر الشارع وقفت ألهث، تتسارع دقات قلبي، حينها عدت إلى رشدي، وأفقت.

     أفقت على حقيقة أنني أمتلك كتب الإمام الشعراوي الجديدة، وأنني سأحتفظ بها وأنا أشاهد برنامجه قبل مدفع الإفطار، غمرتني سعادة حارة، ثم واصلت الركض نحو البيت.

     في البيت أخرجت كتب الإمام  من الكيس الشفاف، جعلت أتحسس غلافها وورقها بتوتر، بذلت جهدًا كبيرًا حتى أحافظ على إيقاع أنفاسي منتظمًا، أخرجت المسبحة بيد مرتعشة، استنشقت زجاجة المسك من الخارج دون أن أفتحها، وعلى مقربة مني، كان أبي جالسًا أمام التلفاز كعادته قبل الإفطار  يستمع إلى الإمام الشعراوي، مُنسجمًا للغاية ومُبديًا

استحسانًا عظيمًا بحديث الإمام بين الحين والآخر.

      كانت تلك هي المرة الأولى، التي لم  أنصت فيها للإمام مع أبي كعادتي معه دائمًا، في البداية لم أثر عند أبي أي فضول ولكن بعد انتهاء حديث الإمام، وبينما كانت أمي تضع الأطباق على الطبلية الخشبية استعدادًا لتناول طعام الإفطار، لاحظت أن أبي ينظر إلى الكتب والمسبحة وزجاجة المسك في يديَّ، لم ينطق بكلمة… فقط كان ينظر.

     كان إحساسًا رهيبًا، فقد كانت نظراته كأنها الرصاصات تخترق قلبي، انكمشت في جلستي، أحنيت رأسي وأخفيت كتب الإمام وسط كتبي الدراسية، وجلست بجوار الطبلية مُنتظرًا سماع مدفع الإفطار، تناولت الطعام مُختبًأ في طبقي، ومُتجنبًا النظر تجاه أبي، الذي لم يتحدث معي  كما كان يفعل كل يوم.

     بعد أن انتهينا من طعام الإفطار، أخذني أبي للصلاة في المسجد،

     الآن ساءت حالتي كثيرًا، فقد اكتشفت أي ذنب عظيم قد اقترفته، انتهينا من الصلاة وقد قررت أنني سأعيد ما أخذت في اليوم التالي مباشرةً، فأنا

في كل الأحوال أمر على نفس المكان أمام مسجد السيدة نفيسة مرتين يوميًا.

     كان القرار سهلًا ولكن تنفيذه كان مُستحيلًا!

    في اليوم التالي وبمجرد اقترابي من المسجد، ركضت إلى الجانب الآخر، واستكملت الركض بعيدًا، ومنذ ذلك الحين، لم أجرؤ على عبور ميدان السيدة نفيسة أو حتى الاقتراب منه.

     كنتُ مُتأكدًا بأن مصطفى أضحى يعرف بأنني اللص ولا أحد سواي، هو فقط ينتظرني حتى يوقع بي في المصيدة، ما الذي يمكنني أن أقوله لأبرر به فعلتي!

     كنت أتخفى كل يوم في الشوارع الجانبية والطرق الملتوية، تسآءلت كثيرًا هل كان مصطفى يعرف أبي! هل يتذكر شكله! فقد كنا -أنا وأبي- نمر معًا من أمام المسجد، لو تذكر  أبي فسيخبره -لا محالة- عما فعلت!

     سألت الله أيامًا كثيرة ألا يقع المحظور.

     فلأمت قبل هذا، وسيغفر الله لي زلتي، وأكون -بكل تأكيد- في حال أفضل مما أنا عليه الآن. 

      فكرت في خطة أخرى، أن أدخر ثمن الكتب والمسبحة وزجاجة المسك

ثم أُلقي بالمال خلسة في المكان الذي يقف عنده مصطفى، وشرعت في التنفيذ.

     كنت أدخر القروش التي يمنحني إياها أبي كل يوم بعد الإفطار، توقفت عن شراء الحلوى والبسكويت مع أصدقائي.

     ثلاثة أسابيع مضت قبل أن أوفر كامل المبلغ، وقررت أنه ربما يكون أول أيام عيد الفطر توقيتًا مناسبًا، وبعد أن أقمنا صلاة العيد في مسجد مُتاخم للبيت، توجهت بمفردي لمسجد السيدة نفيسة لأضع المال خلسة، على كتاب من الكتب التي يبيعها مصطفى ثم أغادر المكان فورًا، وهناك عند المسجد لم أستطع وركضت عائدًا إلى البيت مرة أخرى.

     خطرت لي أيضًا فكرة أن أعطي المال لأحد أصدقائي لتوصيله لمصطفى، غير أنني أستحيت أن أبوح بقصتي المُخزية لأي أحد.

       في الأخير  وزعت المال على الشحاذين طوال أيام العيد على مراحل.   

     بعد العيد وقبل العودة للدراسة، فقدت الكيس الشفاف الذي يحوي الكتب والمسبحة وزجاجة المسك، كنت أضعه في شنطة المدرسة، لا

أعرف بالتحديد متى كانت آخر مرة أخرجته فيها من الشنطة، بحثت عنه كثيرًا في البيت، ربما وضعته أمي في مكان ما وهي تنظف البيت قبل العيد! لا أعرف.

     ربما أخذه أحد ليقرأ الكتب، أحد أقاربنا أو أصدقاء أبي الذين أتوا لزيارتنا في أيام العيد! أو ربما أخذه أبي! لا أعرف.

     وبطبيعة الحال لم أجرؤ على سؤال أحد!

     عشت الرعب في أبشع صوره، لم يكن رعبًا صارخًا كما نشاهده في الأفلام، بل كان ناعمًا وخفيضًا وخبيثًا أيضًا.

     كنت أرى الجميع في البيت والمدرسة وفي الطرقات يتربص بي، يراقبني، وكأن الكل قد تحالف ضدي، كل شرطي قد أُخبر عن جريمتي، هو فقط يُبقي الأمر سرًا، وينتظر إشارة ما أو صفيرًا حادًا ليفتك بي، أو  يوثقني ويلقي بي في أحد السجون، أو  يضعني في مكان ما، مكان قبيح وسيئ بلا ريب.

     كم كنت ارتجف عندما كان خيال شخص -أي شخص- يمر بجواري. وقد كان هذا التحالف السري ضدي يضم كل من هم في لباس موحد، كرجال المرور،  والجنود وسُعاة البريد ورجال المطافيء. 

     كنت انتظر  الانفجار الكبير  والفرقعة، الفرقعة التي في غمارها سوف ينهار كل شيء. عند كل قرع للجرس أو مع كل فتح للباب، كان قلبي يخفق بشدة، كنت أركض إلي أبعد غرفة في البيت حتي لا يجدوني. وفي المساء كنت أرفع غطاء النوم علي أذني حتي لا أسمعهم عندما يقتربون، حينها كانت كل ذرة من ذرات جسدي تصفر من الرعب.

     في أحد الأيام، لم توقظني أمي للذهاب إلى المدرسة، لم يكن لدي مشكلة، لم تكن رأسي تؤلمني ولا كانت حنجرتي مُلتهبة، عندما استيقظت بعد موعد

المدرسة، أخبرتني أمي بأنني لن أذهب إلى المدرسة اليوم، ولم تزد حرفًا، توهمت كل ما هو سيء، ولكنني لم أجرؤ على السؤال، لماذا تحتجزني أمي بالمنزل!

قبل الظهيرة عاد أبي من عمله مُبكرًا على غير عادته، تباحثت معه أمي في الغرفة المجاورة، أخذاني وذهبنا إلى مستشفى الطلبة، أجلسني الطبيب على كرسي بجواره، وبابتسامة عريضة جذب جفني لأسفل، وذكر شيئًا عن العصبية وفقر الدم، ثم داعب وجهي بيده وربت براحتيه علي ركبتيَّ قائلًا، إن هذا كله سوف ينتهي، بمجرد أن أنتظم في تناول العسل صباح كل

يوم، وزيت كبد الحوت في النهار. ثم خَطّ في ورقة اسم دواء ذكر أنه فاتح للشهية.

     أراد الطبيب أن يعالجني من واقعة الكتب المُشينة بالعسل، وزيت كبد الحوت وفاتح الشهية!

     راودتني أحلام سيئة في أوقات كثيرة، وكنت أشعر بوخز حول قلبي كلما اقتربت من مكان الواقعة المشؤومة،

     بهتت ذكرى مصطفى وكُتُب الإمام رويدًا رويدًا، بعد ذلك هجرت منطقتنا ونسيت الأمر تمامًا.

      الآن، بعد ما يقرب من خمسة وثلاثين عامًا، وفي يومي هذا.

     ذلك اليوم الشتوي المُلبد بالغيوم، وأنا أخطو خارج المسجد، إلى نفس مكان الواقعة الذي أصبح مُهملًا، فلا كتب معروضة ولا سبح ولا زجاجات مسك.

 ظهر رجل عجوز مُرهق، بلحية بيضاء طويلة…

    مصطفي، بدينًا ومُتسخًا، مُهملًا وحزينًا، يُحدق إلي وجهي بعينيه الكبيرتين.

      كما لو كان يقول لي في هدوء، أهو أنت!

       أما عني فقد تراجعت إلى الوراء كالذي رأى شبحًا، فكرت أن أركض كما كنت أفعل صغيرًا، فالجرح مازال مُؤلمًا بعد مرور كل هذا الوقت.

       مازال مؤلمًا سريع التهيج.

      مهما أفعل… فسوف يصدر ضجة وضوضاء… ضجة في القلب…وضوضاء في الروح

      و…..ويؤلمني.

……………….

*من مجموعة قصصية بنفسم الاسم، صدرت أخيراً بالقاهرة.

 

مقالات من نفس القسم