ساعات مغشوشة

غادة أحمد
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

غادة أحمد

أريد أن تتمدد الساعة لتلتهم كتابًا من الحجم الكبير، أو كتابين من الحجم الصغير، وأن تتمتع أيضًا بهضم جيد، ومزاج ينتشي بفعل القراءة، وأن تُخصص دقائقها الخمس الأخيرة لتدون لنا الأفكار التي استخلصتها، أو الخواطر التي انطبعت في وجدانها.

أريد أيضًا أن تتقلص المسؤوليات إلى أقل من الثلث، حتى يتسنى للساعات التهام أكبر عدد من الكتب، شرط أن يكون التوسع عموديًّا وأفقيًّا. فمثلًا إن انصب اهتمامي فجأة وبمحض الصدفة على الأدب الإسباني، فلأتوسع في قراءة أهم أعماله، لكن في الوقت ذاته لا أهمل القوائم التي تقف بصبر نافد وبإلحاح مبطن، كي أنجزها، فحينما أضطر لقراءة ثلاث قوائم في الآن ذاته، فلأجد فائضًا من الساعات المتمددة لاستيعابها.

إن الساعات المغشوشة صارت من أهم سمات هذا العصر، وهذا يصيبني بالجنون، خاصة في ظل تسارع المعرفة الرهيب، قطارات مملوءة بالكتب والأفلام الوثائقية والمحاضرات والدورات التدريبية في كل المجالات تقريبًا، وكلما لحقت بقطار أخرجت البقية ألسنتها لتغيظك.

إن الشغف الناري الذي يقود هذه الرغبات، متأثرًا باللهاث المعرفي، قد يدفعك أحيانًا لمراكمة الكتب الإلكترونية والورقية على حد سواء، مراكمة تبدو معها مهمة قراءتها مستحيلة. إذ تشعر بأن مجرد مراكمتها هكذا حقق لك بعض الإشباع الوقتي الوهمي. لقد أصابت الاستهلاكية سوق الكتب أيضًا وامتدت يدها لتتضافر مع شغف القارئ النهم، وساهمت نوادي القراء بصورة أو بأخرى بتغذية هذه النزعة. إذ تؤدي دورًا إيجابيًّا وآخر سلبيًّا مفاده التشتيت أحيانًا وتسليط الضوء على أعمال لا تستحق القراءة أحيانًا أخرى. هذا الدور المزدوج لنوادي القراء وإن كان يسهم في ثراء المشهد العام الثقافي، يجب أن نتعامل معه بوعي وتمييز كبير، ويجب أن نولي عملية اختيار كتاب للقراءة اهتمامًا بالغًا.

أريد أن تتمدد الساعة بصورة كافية لاستيعاب النهم المتأجج للمعرفة، للمعرفة كسبيل بحث محموم عن حقيقة متوارية طوال الوقت.

 

مقالات من نفس القسم