سألوّح لك من النافذة يوم الخميس

تشكيل
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

البهاء حسين

وأنا صغير

كنت أفرح مرتين بيوم الخميس

مرة لأن أمي ستشترى نصف كيلو من اللحم لخمسة أفواه

ستعطيني منابها، فأنا تذكارها الأخير من أبى

ومرة لأنني لن أذهب غداً إلى المدرسة

سأترك العلم يرفرف وحده

في طابور الصباح

:

وصرت أعامله، لما تزوجت

على أنه “يوم لا يعقبه غد “

لكن جيهان تركتني، و”إيمان” تجترني وأجترها، في الهاتف

دون عرق

:

الهاتف لا يمكنك من ارتجال حضن

الصوت ليس خيطاً يلضم شقين بإبرة

رغم ذلك

ما من سبب يدعو الهاتف للرنين

سوى إن كان من حبيبتك أو أمك

:

في كل اتصال

أرتب لـ “إيمان” قلبها

لا بدّ أن يرتب المرء بيته

أن يفتح النوافذ، ليسمع خفقان الستائر

،،

من قال إن النافذة ليست كالأم

أو إن الشيش المفتوح ليس كالذراعين

كالحضن

،،

يا الله

أنا وإيمان نناديك بلسان واحد، لكن البعد يجعلنا اثنين

،،

منذ الطفولة وأنا أحدّس أن حبيبتي ستشبه أمي

غير أن إيمان تملأ فمي بالقبلات

بدلاً من اللحم

تمارس معي الحنان، وحين تلسعني الوحدة تصبح مثلي بلا فم

على كل

“الفم البعيد لا يطفئ الشوق “

فم العاشق حصالة للتنهيد

:

يا إلهى

كيف يمكنني الوصول إليك  

،،

كل ما يقوله صوتك هو الحقيقة يا إيمان

غير أن الأجساد تقتات على الحب

لا تجيد الانتظار

:

الجسد جرار يا حبيبتى والروح عربة

وأنا وأنت قضبان القطار

:

كانت جيهان نافذتى

أسأل عنها البيت ولا يردّ

يسألنى عنها، فأطرق برأسى كأننى أرملة الحب

أو ليل بلا نهار

،،

الألم يجوب العالم الآن

أصبح فرداً ي كل بيت

لا شيء يجعله مرئياً سوى صاحبه

انظر إلى جارك ستعرف من عينيه

إن كان قد فقد حبيبته أو سقط يوم الخميس من تقويمه

ستعرف من الطريقة التى يمشى بها إن كان قد فقد خطواته أو فقد الطريق

انظر إلى جارتك.. ستعرف من أصابعها، أنها لم تعد تقرص خدودها لتبدو بلون الورد، لأنها فقدت أصابعها

انظر إلى نفسك فى المرآة

سترى واحداً غيرك.. شخصا عجوزاً فقد هيبته 

وراح يبحث عنها فى بير السلم بين الكراكيب القديمة

انظر إلى الشوارع ستعرف أن الألم لا يحتاج إلى اسم كى تراه

،،

يا الله

إذا كان الألم هو الطريق الوحيد إليك

فاجعلنى باراً بآلامى

،،

يا أمى

لا شيء يملأ قلبى مثل جيهان

فهاتيها إلى البيت مثلما كنت تفعلين فى الماضى

عندما كانت أيام الأسبوع تصعد وراءها السلم بلهفة كأنها أردافها

وكنت أستلف من المارة ليلتهم

لتطول فرحتى بـ “جيهان “

:

أنا وحيد يا أمى، غير أنى أكتم عنك وحدتى

وكلما دعوتِ لى الله أن يرزقنى بواحدة غيرها

نفضتُ الهاتف بسرعة، ليسقط منه الدعاء

،،

اصرف عنى نفسى يا الله

كى لا أصبو إليها

،،

تتغذى الأشياء على بعضها

الحياة على الموت

الحب على الكراهية

أصبحت ذاكرتى ملاذى هذه الأيام  

أتذكر صوت أمى كثيراً

لكننى أصبحت أنظر إلى ما اندثر منى وسط الطريق

دون شعور بالرثاء

:

لا شيء يستحق الدموع سوى موت أمك

هاتفها حين يكفّ عن النداء.

مقالات من نفس القسم

خالد السنديوني
يتبعهم الغاوون
خالد السنديوني

Project