زياراتي لفنان الشعب

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 14
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

 صلاح بيصار

أدعي معرفتي بالفنان حجازي منذ الستينات فقد كانت تجذبني رسومه في مجلة سمير، فكانت دائماً تدعوني في كل مرة إلى حفلة من البهجة والسعادة والمرح والمشاكسة والذكاء وحب مصر. رغم أنني كنتُ في الثانية عشر من عمري.

 

كانت مجلة سمير في ذلك الوقت ذائعة الشهرة ومجلة كل أطفال مصر، فهى أول مجلة مصرية تصدر بلا توقف وتستمر، فقد صدرت عام 1956م وأطاحت بمجلة سندباد ومجلات أخرى رغم أن سندباد كانت حديث أطفال مصر عام 1952م، فقد كان المشرف الفني والرسام الأول فيها المبدع بيكار وقد  توقفت عام 1959م. لقد أطاحتها سمير بالاستربس ( القصص المصورة ). كان كل كتاب ورسامي الستينات

يشاركون في سمير، وعلى رأسهم العظيم حجازي الذي كتب مسلسل  ” تنابلة الصبيان” ورسمه، وقد يتصور البعض أنه ” تنابلة السلطان”. وفى الحقيقة عندما كتبها حجازي كانت كذلك لكن زميله الفنان رسام الأطفال مصطفى رمزي اقترح عليه استبدال كلمة السلطان بالصبيان لأنه للأولاد واستحسن حجازي الفكرة.

بعد انتهاء نشر المسلسل المصور بدأت تصدر ” تنابلة الصبيان ” على هيئة كتاب في روايات الهلال للأولاد والبنات وكانت رئيس تحريرها في ذلك الوقت الأستاذة نتيلة رشاد ( ماما لبنى ) . عندما صدر نفد في اليوم الأول من توزيعه، لقد تم بيع مائة ألف نسخة منها. وأكملتُ متابعتي للفنان حجازي بحب وتقدير كبير في مجلة صباح الخير فيما بعد عندما كبرتُ، خاصة كانت تعجبني رسومه التعبيرية التي كانت تصاحب أشعار فؤاد حداد  وفؤاد قاعود. فهى في غاية الذكاء والمتعة البصرية شديدة المصرية. تعلقتُ برسومه فرغبتُ بشدة بالاتصال به تليفونياً في الثمنينات.

ورغم ذهابي لصباح الخير كثيراً وأنا طالب في الفنون الجميلة إلا إنني لم أصادف حجازي فقد كان ذلك في غاية الصعوبة لأن حجازي كان أول رسام يدخل مؤسسة روزا اليوسف وأول رسام يخرج منها. كان يذهب في السادسة صباحاً ليفطر على عربة الفول ليرى وجوه المصريين زاده وزواده وحبه الحقيقي، ما جعل رسومه أكثر مصرية. يحضر لعم إبراهيم سندوتشاً هو الآخر( عم إبراهيم الحارس للبوابة) ثم يبدأ الرسم وعندما ينتهي يترك رسومه على مكتب رئيس التحرير ثم يرحل.

 

الزيارة الأولى

بدأت علاقتي به عندما عرضت الكاتبة فاطمة المعدول وكانت رئيسة المركز القومي لثقافة الطفل آنذاك أن أكتب عن أبرز رسامي الأطفال في مصر. وبالفعل اتصلت بالفنان حجازي في أواخر التسعينات وقابلته بشقته في المنيل، وكان اللقاء الأول. ومن العجيب أن حجازي يسكن في الجهة اليمنى من شارع الذي يسكن الفنان الكبير بهجت عثمان الجهة اليسرى منه. من الوهلة الأولى رأيت في وجه حجازي وملامحه وشخصيته العظيم بيرم التونسي، ومنذ هذه اللحظة أطلقتُ عليه ” فنان الشعب ” بيني وبين نفسي مثلما كانوا يطلقون على بيرم التونسي ” شاعر الشعب “. لقد كان حجازي عصير حياة الشعب المصري. وإذا كنا نقول بالمعنى الدارج مع الفارق ( سر شويبس وخلطة أسبيسي ) فإن حجازي مفتاح الشخصية المصرية وخاتم أسرارها. أصبحنا منذ تلك اللحظة أصدقاء. ذكرتُ له فكرة الكتاب وأنه سوف يكون حديث اعترافي للفنان يعتمد على حكى الفنان نفسه وسوف يكون مزوداً بالرسوم.

فجأني حجازي ساعتها بقوله أنه لا يحتفظ بأى رسوم له.لكن كان لديه نسخة من العمل الذي أرسله لمجلة ماجد وهو يحتفظ به حتى تؤكد المجلة وصول الأصول بالبريد ثم يتخلص منه. لكنه كان من المفترض سيتخلص منه اليوم لذلك كنتُ محظوظاً لأخذ تلك النسخ. واعتمدت في الكتاب على ما حصلت عليه من أعداد تنابلة الصبيان وبعض رسومه في سمير وماجد. لن أنسى تلك المقابلة الأولى التي أحسستُ بالتآلف معه كأني أعرفه منذ زمن طويل. ذلك أن حجازي من القلة القليلة التي تتطابق شخصيته الفنية مع الإنسانية. لقد لاحظتُ على حائطه لوحتين لوحة للفنانة شلبية إبراهيم بأسلوبها الفطري الذي يعكس عذرية الحياة، ولوحة من التراث الشعبي لأبو زيد الهلالي لفنان عربي.

 

هدية حجازي بالزيارة الثانية

صدر كتاب ” 9 فنانين كبار.. في دنيا الأطفال”، فذهبتُ لحجازي في شقته بالمنيل لإعطائه نسخة من الكتاب. لكنه أهداني رسمة أصلية للفنان حسن فؤاد من رواية الأرض للكاتب عبد الرحمن الشرقاوي. حجم عطاء وكرم ومحبة حجازي لا يقارن.

كان حجازي لا يقف حائلاً أمام أي عمل يتصل بالفن أو بالناس أو بسعادة الآخر. ولا ينسى من وقفوا بجانبه هو الآخر فقد كان أول شخص تبناه هو رائد الإخراج الصحفي حسن فؤاد الذي اكتشف كل الفنانين مع عبد الغني أبو العنين واللمسة الثانية بعد الأستاذ عبد السلام الشريف. 

 

العنزة تلد بقرة

كانت تربطني بالفنان مجدي نجيب صديقنا المشترك صلة كبيرة وذلك بحكم أنه المدير الفني لمجلة المصور، وهو كاتب الأطفال الصديق لحجازي. كان يدفع بالنصوص لحجازي لرسمها بعد اعتزال حجازي للكاريكاتير بدون اتفاق مع ناشرين

في السنوات الأخيرة. وقد كان كتابنا الأول ” العنزة تلد بقرة ” فعندما قرأته ورأيت رسوم الفنان حجازي أعجبني جداً واقترحتُ على مجدي نجيب أن أقوم بالإخراج الفني للكتاب رغم أن الناشر كان في علم الغيب. بعد الانتهاء من الكتاب تدخل الفنان محمد حجي واتصل بالدار المصرية اللبنانية التي رحبت بالكتاب، فكانت بداية الإصدارات التي تحمل رسوم حجازي بالدار وهى ست كتب للأطفال منها ” إنفلونزا يا فايزة ” للينا الكيلاني وعلماء العرب وعلماء الغرب” لعبد التواب يوسف.

تمثل آخر لمسة من لمسات حجازي في كتب الأطفال في السنوات الأخيرة من حياته.

                               

حلاوة السيد البدوي

رشحني محمد رشاد أن أكون المستشار الفني لكتب الأطفال بالدار المصرية، وكان الفنان حجازي الورقة الرابحة التي أتباهى بها هناك. بدأت زيارتي للفنان حجازي تعود مرة أخرى لكن ليس بشقته في المنيل لكن بشقته في طنطا، فلقد ترك القاهرة وعاد لبلدته تاركاً كل شيء خلفه. تكررت زيارتى مع مجدي نجيب وفاطمة المعدول

فكانت النتيجة أن رسوم حجازي دائماً تصدرت غلاف مجلة ” تاتا تاتا ” لأطفال ما قبل المدرسة الصادرة عن المركز القومي لثقافة الطفل،  وكنا نشتاق إليه كثيراً.

دائماً كان كريماً في استقباله لا يتركنا إلا بعد أن نأكل معه، بل لا نذهب من عنده إلا وكل منا معه علبة حلاوة السيد البدوي الذي يرسل في إحضارها لنا. لقد سمح لي أن أتصرف في بعض رسومه بإخراج بعض الأغلفة لكتب ليست للأطفال بعدما يرفض

رسم أغلفة لها مبرراً ذلك بأنه ترك الرسم للكبار ولم يعد راغباً إلا في الرسم للأطفال. ومن تلك الكتب كتاب لعمر عبد السميع وكتاب لجمال الشاعر.

ولن أنسى عندما كنتُ في عزاء الكاتب سعد كامل كان بجواري الفنان حلمي التوني

وجاء د. نبيل شعث وسأل عن حجازي فقال الفنان حلمي التوني إنه يرسم في كل جرائد المعارضة في مصر. لكنني أضفتُ أن حجازي اعتزل الكاريكاتير منذ وقت كبير وحالياً يعيش في طنطا. لقد التبس هذا على التوني وذلك أن رسوم حجازي تمثل تشخيصاً لما تعيشه مصر في كل لحظة. والعجيب أن حجازي قد تنبأ بثورة 25 يناير في حكاية تنبول الأول يأتي ذلك كما دار في الحوار بين تنمبول وعساكر الداخلية.

هكذا كان حجازي سابق لعصره وأحداثه بمدرك بفنه الواقع والمستقبل. رحمة الله عليه.

 عودة إلى الملف

مقالات من نفس القسم