زياد

فاطمة الزهراء زيتون
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

فاطمة الزهراء زيتون

جلس زياد بجوار محل العم سمير بانتظار مخبوزات الصباح، ليحمل إفطاره إلى موقع العمل، وأثناء انتظاره، انتبه لبقعة بيضاء على بنطاله، وأخرى خضراء، ابتسم في خجل طفل يصغره بعشر سنوات، ملامح وجهه، وهو ينظر للأرض بين قدميه ليكتشف ما جد على حذائه الملطخ بكل الألوان كانت كفيلة بإضحاك أي طفل في السابعة عشر من عمره، نظر للسماء لا يوجد من يبادله الضحك لذلك اكتفى بالهمهمة، وعادت ملامحه بلا مرآة، ولا مرشد لطبيعتها الساكنة، “لا حول ولا قوة إلا بالله” نطق بها زياد وهو ينتبه إلى أن الساعة أصبحت الثامنة صباحاً والعم سمير لم يصل بالإفطار،  الشارع ساكن، وزياد يؤنس الرصيف.

مل السماء والحذاء والانتظار، والعم سمير أيضًا، لم يفتقد ضحكات العم سمير البلهاء، وإن كانت تؤنسه أكثر من الرصيف، معلنة عن أبدية البلاهة التي تطمئن قلبا مرهقا من تغيرات الألوان من اختيار مهندس ديكور أبله، تذكر زياد وهو يهم بالرحيل رغم غياب العم سمير، تذكر عندما ذهب أول يوم للعمل، ورأى مهندس الديكور هذا بصحبة فتاة تستحق مخطوطة بمتحف في مدينة ساحلية، كل ما فكر فيه حينها آخر لوحاته المنسية تنتظر الانتظار لتراها الفتاة أو المهندس، في الحقيقة عجز لأول مرة عن تحديد وجهته، التفت زياد وهو بالكاد يرى الأشياء كما هي للعم سمير، وهو يمسكه من ذراعه اليسرى ليعطيه في اليمنى شطيرة ساخنة بالسمسم.

قال بصوت رقيق وغريب أيضًا، “لابد أنك كدت تبكي من الجوع”

“ههه”

“تعلم يا زياد أبنائي ظنوني مت”، حاول زياد استجماع تركيزه لابد أن يبدي للعم سمير بعض المشاعر الحقيقية، كان الأمر صعبا لكنه نجح في النهاية، أن ينطق بكلمة تشبه كلمتين “تعيش يا عم سمير”.

 استغرب سمير من جفاف زياد أو شروده، ولم يخبره بأن القرصة صارت بثلاثة دراهم، بعد أن كانت باثنتين، ولم يلتفت زياد أنه أخذ ما انتظره بلا مقابل ورحل في صحبة شروده، يحاول أن يفهم فائدة القطة السوداء التي تنظر في عينيه بعمق عند مدخل الشارع كل يوم، كاد يحسب الخطوات إلى أن وصل إلى مدخل الحضانة (روضة الأطفال) ليجد بعض التصميمات لميكي ماوس وسيمبا وبعض الصور لبطوط، كانت الألوان تستفزه كالعادة، تمنى لو اختار المهندس سيمبا كبداية تليق بحديقة الروضة المقنعة بمساحتها التي لا توصف بالمتميزة بل هي حقًا فريدة، ومتفردة، ونادرة.

 تذكر آخر شقة اضطر لأن يرسم بها جاكي شان، ومحمد على كلاي، متقابلين بجوار عجلة وجراية، في شارع مزدحم بنفسه، ورضى بما قسم الله له، وتناول الفرشة بسذاجة مصطنعة، وهو يتذكر ثمن شطيرة سمير أم سمسم ..

 

 

مقالات من نفس القسم