رواية “دنيا زاد”.. شمس الإبداع تبزغ من نار المأساة

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 28
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

يتنزّل نصّ مي التلمساني «دنيا زاد» الصادر عن دار شرقيات للنشر والتوزيع بالقاهرة في خانة ما يعرف بالرواية القصيرة باعتبارها قد امتدت على مساحة سردية ناهزت الـ58 صفحة لا غير. وهي بلا شك كجنس أدبي خالفت الحجم المتعارف عليه في تعريف الرواية القصيرة (بين 70 و100 صفحة) مقابل الرواية الطويلة التي يشترط فيها معدل طول أدنى لا يقل عن 200 صفحة لكن ذلك لا يمنع تصنيف هذا النص الذي بين أيدينا في تلك الخانة باعتبار أنه قد استجاب من الناحية التقنية لشروط ذلك الصنف من الإبداع بصرف النظر عن عدد الصفحات أو الكلمات، حيث اعتمدت فيه المؤلفة مي التلمساني أسلوبا إيحائيا تنتشر في أرجائه روحا شعرية خفاقة، كما اقتصرت على حيز زمني قصير وفضاءات مكانية قليلة، علاوة على تمحور الأحداث حول شخصية مركزية ما انفكت تدور بقية الشخصيات في فلكها.

وتمثل الرواية في مجملها ورغم واقعيتها -حيث تؤلف نسيجا اجتماعيا حيا من شخصيات وأحداث وحوارات ومناجاة وفضاء زماني ومكاني حقيقي- بُعدا رمزيا نبهت إليه المؤلفة في ورقة هامشية بالكتاب جاء فيها: «دنيا زاد في هذا النص تحمل قدر اسمها في ألف ليلة وليلة، تموت دنيا زاد على مذبح العشق فتتحرك أختها شهرزاد لتفتدي الحياة بحكاياتها. أما في هذه الرواية تموت دنيا زاد في رحم الرواية فتدفعها لأن تحكي. هنا تعود للكتابة إحدى وظائفها الأولى: توليد الحياة من ظلمة الفقد».

الحدث الرئيسي في هذه الرواية هو ميلاد بنت جديدة إلا أنه وفي الآن نفسه يتعلق بقضية الموت. فقد أعقبت الاستعدادات الطويلة لاستقبال مولودة جديدة الارتطام بصدمة وفاتها. كان يمكن أن تموت الأم لكن وفاة المولودة شبّهته الكاتبة بتضحية تلك المولودة بحياتها بمأساة دنيا زاد في كتاب ألف ليلة وليلة التي لم تفلح في البقاء حية لقصور في خيالها لكن استطاعت أختها شهرزاد أن تعيش بفضل ملكة الحكي لديها، والطريق نفسه سلكته المؤلفة هنا من خلال نسْجها لخيوط هذا النص كي تواصل سبيلها في هذا الوجود، مكافحة ألم الفقد، وهي ظاهرة أدبية متفشية كان يتم قديما التعبير عنها شعريا لكن في عصرنا الحديث صارت تجد تعبيرة جديدة لها ممثلة كما هو معلوم في فن الرواية مثلما طالعناه مؤخرا وعلى سبيل المثال في رواية الأستاذ معز نعيجة «قصة عشق في الزمن الضائع» التي تحوّل من خلالها ألم الفراق إلى أمل الإبداع. وكأن الكتابة مصاصة وجع أو أنها «مولد النسيان» على حد عبارة محمود المسعدي. وهذا تماما ما عبرت عنه صراحة مي التلمساني وهي تقول: “أكتب دنيا زاد وأستعين على حروفها بالنسيان”.

ولا شك في أن بطلة هذه الرواية سيدة مثقفة غير أنها لم تستطع أن تفيق من صدمة الولادة/الموت، وتمخّضت تأملاتها الوجودية في هذا الغرض عن فكرة محورية ما انفكت تكرّرها في عناوين فرعية بهذه الرواية وببعض الفقرات المتفرقة هي فكرة التحوّل… فكل كائن ومن منظور كاتبة هذه الرواية متحوّل وجوديا… ويرتبط التحول بدوامة لا منتهى لقرارها كما لا تدرك معانيه. وهو ما نستخلصه في نهاية الرواية من خلال التداعي الحر التالي:«تعلق وجهها المستدير وعينيها المسدلتين فوق رأسي. وتبدأ في الدوران في فلك معلوم. يمنحها الخسوف توهجا بين الحين والحين. وأعود معها طفلة بلا ضفائر. تدور فترسم حدودا لما قبلها وما بعدها وما عداها أفلاك تتخبط فيها وجوه أخرى قبل أن تنتظم في دورانها المرسوم. لحظة حداد أخيرة. لكل هؤلاء الذين سقطوا في بئر التحول وماتوا”.

 

عودة إلى الملف

 

مقالات من نفس القسم