رسالة البحر

موقع الكتابة الثقافي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

ندى خالد

أستطيع أن أخبرك الآن كم أنا مجهدة، وكم أنا محتارة، وكم ينبض  قلبي بشدة تنبئ عن خوفٍ، وتوتر،

 

كلما هممتُ لكي أكتب، أعلم أني على مشارف حزنٍ ما يدفعني للكتابة، أو دافعٍ مغلف بالحيرة، والضياع، يهمس في أذني بما عليّ قوله، يخبرني بما ليس باستطاعتي البوح به، بينما يعطيني قلمي صلاحية البوح، لأنه ببساطة ليس كل ما نكتبهُ يعبر عنّا، ربما الخيال اهتاج فقرر تخيل ما لم يحدث يومًا، أو ربما مرّ حدث عابر، صنع الخيال منه فيلمًا، وأغنيةً، وحكاية..

أتعلم؟ صرتُ أشعر أن كل التجارب التي مررنا بها، هي أجهزة تبديل، تُبدّل كل شيء، لا أعني القلب فقط.. بل أيضًا القالب، حتى الملامح تتبدل، ربما تصبح أجمل، أو أقبح، أو تتبدل لتصبح ملامح أشخاصًا آخرين، غيرنا، لم ينتموا لنا، ولم ننتم لهم يومًا..

لا أدري متى أصبحت الكتابة مجهدة إلى هذا الحد، أشعر أن أنفاسي تتسارع كلما أمسكت الحاسوب، وضغطت على زر..

مؤخرًا صرتُ أشتكي كثيرًا، لأني لا أشعر بشيء، لا أي شيء.. لا مشاعر حب، أو غيرة، أو انتماء، لا اشتياق، ولا رغبة في الحديث لأحدهم، لا نجوم لامعة في سمائي، أو أشياء ثمينة لكي أخشى فقدانها، لا شيء أسوأ من الشعورِ بالغربة.. كل هذه الأشياء غربة.

أتفقد هاتفي المحمول مع كل صباح، أبحث عن أي شيء يجذب انتباهي، أبحث عن أي دهشة، وأدعو الله كل يوم، اللهم لا تجعلني أفقد قدرتي على الاندهاش، قدرتي على تحسس الجمال في كل شيءٍ عابر، قدرتي على الحب، والسلام.. والمغفرة.

وبينما أتمشى على شاطئ البحر الأحمر، أرسل الله لي دهشة، تحديدًا بينما كنتُ أفكر في ما ينتظرني على الجانب الآخر من البحر، الجانب الآخر من الحياة، في ما ينتظرني على شواطئ المستقبل، وبحار الغيب، وميناء القدر..

رأيتُ في عينيّ الضيقة، الشرق آسياوية كما يزعمون، والتي لا يتبين أحدٌ منها شيئًا، رأيتُ بها بريقًا لامعًا، لم أره من قبل.. بريقًا أفقدني قدرتي على التنفس، حبستُ أنفاسي وأغلقتُ عينيّ، في محاولة لحفظ كل شيء في الذاكرة، لا أريدُ أن أنسى.. لا أريد أن أفقد قدرتي على تذكر المرّة الأولى التي أندهش فيها من أعماق قلبي، سَرت في قلبي رعشة رقيقة، وزينت وجهي بسمة.. فتحتُ كلتا ذراعيّ لكي أستنشق كل الهواء المحاط حولي، رغبة شديدة في جعل كل الهواء يصبح داخلي، لي أنا وحدي.. أن أتخيل أن كل هذا العالم لي أنا.. ولا أحد غيري يحيا فيه.

على الإنسان أن يندهش مرّة واحدة على الأقل في حياته، وأنا كنتُ كلما اتسعت عيني، تجاه مشهد ما.. أشعر بأن هناك ما هو أفضل منه.. أن هناك ما سيمسّني بشكلٍ أفضل، ما سيرسل إلى جسدي قشعريرة أقوى، ما سيخدّر قلبي إلى الحد الذي لا أعلم كنهه.. كنتُ كلما فكرت، أعلم أني عدتُ إلى عقلانيتي، ولا شيء مبهر.. تلك المرّة الأولى التي أتخلى عن كل شيء، عن التفكير والحيرة والتردد.. أن أستطع مدّ يدي لكي أتحسس ما إن كان كل هذا حقيقيًا.. ما إن كنتُ بالفعل أحلق في سماء الحياة التي صارت كلها زرقاء بلون البحر فجأة!

أن أشعر وللمرة الأولى أن هناك ما أنتمي له وإن كان انتماءً عابرًا، وسريعًا.

أخبرتك في البداية أن كل التجارب التي نمر بها، هي أجهزة تبديل، والآن إحداهم.. قد بدلتني تمامًا.

تلك الدهشة التي قررتُ الاحتفاظ بها لي وحدي، قد بدلتني تمامًا، جعلتني أكثر نضجًا، أكثر اتساعًا، وهدوءًا، وقدرة، تلك اللحظة الزائلة التي تمنيتُ من كل قلبي لو أن باستطاعتي الإمساك بها أبدًا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

كاتبة مصرية 

مقالات من نفس القسم