رحلة

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 18
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

إسلام عشري

  اسمحوا لي أن أصحبكم برحلة داخل عقلي. خذوا حذركم تماما، ما ستجدونه سيبدو مخيفا للبعض، يعبر فيل الآن، لا يهم. ليس خطيرا، سيجارة حشيش ترقص الآن لوحدها في الهواء.

أتوبيس الرحلة ينتظركم، يخيفكم الدم العالق على جوانبه من الخارج، أليس كذلك؟ لا تخافوا، أنتم من الآن ضيوفي. نعم في غاية البساطة بمجرد أن تستيقظوا من عقلي ستكونون آسفين للمغادرة.

جنيه معدني يطير في الهواء، لقد نسيت أن أخبركم “لا معادن. أي أدوات حادة غير مسموح بها في الرحلة، بمحض المغادرة أنتم في صحبتي”

هذه المضيفة التي ترونها، سترونها كثيرا “جنا” حبيبتي السابقة، أفلتت المكابح وهيا لننطلق.

يوجد بيت كبير طائر في الهواء. أول مرة أراه من الخارج من بعيد. لندخل جميعا معا. هذا بيت جدتي، امسحوا أرجلكم قبل الدخول، فهي سيدة منظمة للغاية. الأولاد يركضون بكل ناحية. أنا هذا الصغير الذي أمسكه بيدي.

انظروا كم كنت جميلا، قبل أن يغيرني الزمن. تمساح يخترق السقف، يسبح في فراغ الغرفة، لا تمضوا إلى الخارج، حيث الباب الأمامي. لا تخافوا. أنا معكم. الآن يزحف على الشباك. هناك فتاة ما تلوح من أمامه لي. لا غير جنا. لم يكن لها أي دور بطفولتي.

وجدت لعبة لم أكن ألعب غيرها، مكعب بازل، غريبة كان تراب يحوط كل حوافها الحادة. عند كل ركن. أمسكت اللعبة لكنها ما لبثت أن حلت نفسها.

الآن لنخرج بالترتيب، كم مرة أخبرت ذلك التمساح ألا يدلف هكذا؟ لا أرتاح له. لندخل غرفة غرفة. هنالك نمر في حمام جدتي. آسف. نمر كبير يقرأ الجريدة على القاعدة، أسف لو قطعنا خلوته. نزع الشطافة بعنف ليدع الماء يدفق قبالتنا. هذه ليست قصتي. لا بدَّ أن نغادر كلنا قبلما نعلق بالذكرى مثل مثلث بارامودا.

هذا ليس حذائي الذي تركته أمام العتبة، هذا حذاء أصغر، لا بدَّ أن ألتزم بالقصة، هذه ليست قصة سنووايت والأقزام السبعة.

أنا مسجون بهذه القصة، ولا أدري لها مخرجا. ليس لي أي دخل كذلك. لا أعرف ما جلبني لهنا. أنا بعيد جدا عما أريد أن أخرجه. في الأخير يدخل الأولاد غرفتي ويطفئون سجائرهم بجسدي. هنالك أوزة تستنكر ذلك التنمر وتفح.

هنالك خنزير يخور عند باب البيت، ركلته حتى الأتوبيس، لن أتركه هنا. سأنقذه، من حتفه المحقق. يمكنكم مسح كتل العرق المتصببة فوق جباهكم.

الآن سننتقل إلى جزء آخر من عقلي، لن أضمن لكم أنه سيكون أهدأ، لا أدري. الجزء المظلم الذي يبدو لائحا من هناك، لا أتذكره، ربما بسبب الكحول. أم الجزء أيضا الذي كنت أتخانق فيه مع سائق فأرديته قتيلا بطلقة في دماغه، لا أعلم. لا، لن أغامر وأنا معكم.

لن أمضي بكم هكذا دون هدف. هذه ليست رفاهية مني لكم. لست أسفا غير على هذه الدموع التي تسح مني.

أبدو كباستر كيتون، باستر كيتون في الأدغال، باستر كيتون وسط عديد من الأولاد يضربونه. سيجارة الحشيش عادت لتعلق في الدماغ، أبتلع حبة جديدة تسيح في الأوعية الحاوية، ربما لترونها الآن وأنا أقودكم.

“جنا” بين فتيان كبار. هذا أنا بمرحلة أخرى، ورجل آخر لا أتذكره جيدا. قطعت جنا لنصفين بمنشار كهربائي، وقتئذ يخبرني. أننا على وفاق. هو وأنا.

لنتابع طريقنا. هذا ليس من عادتي، ألا أترك شيئا لحاله، وكذلك مواربا، لنمض مطولا. آه هذه ليست عادتي من الاستطراد.كلامي مني قليل. يسقى بالمعلقة.

كم عدد المرات التي وجب ألا أخبر الناس بكل عاداتي السيئة مرة واحدة، سيتغير الناس وتتفرق من حولي. ربما يمكنني أن أصحبكم لتلك الحفلة الدائرة هناك.

حفلة عيد ميلادي في العاشرة، أنا بثوب جديد، أزيح حادثة سيئة بيدي، أسبح داخل عقلي، أسرق دمية كلب معلقة بمحل، ولست آسفا لذلك، لم يجلب لي يومها أي هدايا. ولو عاد الزمن إلى الوراء لكررت فعلتي.

باستر كيتون يعاود الظهور بزي مغاير، يصفع شرطيا على قفاه، وينحني، باستر كيتون يركله بين أليتيه ويلتفت الضابط، بينما بستر يرمق الأرض، ويمسحها بقدمه. الشرطي لا يلبث أن يقع على مؤخرته، متأوها بعد ركلة بين خصيتيه.

يشبه عن قرب أحدا أعرفه. إنه أحد الذين ركلوني بمظاهرة ما، كنا نحتج على شيء ما أيضاـ لا أتذكره- الذاكرة اللعينة تخونني أمامكم.

المذيع بعقلي يشغل أغنية ليقطع مشاهدتي للشرطي، أغمى عليه على أغنية لفايزة أحمد “أسمر يا أسمراني. مين قساك عليا”

 لا أتذكر بقية الأغنية، لا بدَّ أني أزحت هذا الجزء لأضع شيئا به. أركل كلبا نبح بوجهي، ما كل هذه الحيوانات التي أعرفها بحياتي. يجب أن أعود لقصتي وإلا بدوت مبتذلا للغاية، أندغ سيجارة بشق فمي، لو البحر انتهى مما به من أسماك، لن أتوقف عن سجائري. أنا سعيد الآن. تخلصت من كل شيء أعرفه. لم يبق غيركم بنهاية الرحلة. أردت أن أخبركم شيئا واحدا، منذ كنتم بالرحلة، بيني وبينكم، وعدوني ألا تضجوا بالضحك، ألا تضحكوا، هذا ما أردت أن أخبركم بهذه الحقيقة منذ البداية، وربما لم تلاحظوا. أنا وحيد..وحيد.

……………….

*من مجموعة  “هلاوس من الطابق الثالث” الصادرة أخيراً عن دار كتبوبيا بالقاهرة 

مقالات من نفس القسم