رائحة نعناع لا تزول

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 13
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

هاني عبد المريد

نتحدث دومًا عن تأثير الكبار على الأجيال التالية، نذكر نجيب محفوظ توفيق الحكيم يوسف إدريس، لكن لو دققنا النظر، لو أردنا الحقيقة، نحن نتأثر بأعمال لا بكتّاب، وأظن أن في نهاية التسعينات تقريبًا ظهرت ثلاث روايات لثلاثة كتاب كان لهم عظيم الأثر بالنسبة لي، وأظن أن أثرهم ظل ممتدًا وباقيًا، في زمن لم يكن به سوشيال ميديا ولا ترشيحات عبر الجروبات.

أحدثكم عن رواية “فوق الحياة قليلًا” لسيد الوكيل، ورواية “دكة خشبية تسع اثنين بالكاد” لشحاتة العريان، ورواية “رائحة النعناع” لحسين عبد العليم، الذي يرتبط اسمه لدي برائحة النعناع، روايته التي فتحت لي الطريق لعالمه.

وجدته يفتتح قصته القصيرة “الرجل الذي حاول جمع شتات نفسه” -والتي كانت ضمن  مجموعة قصصية تحمل ذات الاسم- بجملة لناظم حكمت يقول فيها:

“… قيل إن شجرة الدلب الكائنة على الطريق المضاء.. تبلغ مائة وخمسين عامًا من العمر..

وماذا عن الديدان التي لا تعيش إلا يومًا واحدًا”

أتخيل التساؤل الأخير يصلح ليكون مفتتحًا لكل أعماله، الرجل الذي لم يهتم بالطريق المضاء، لم يهتم بشجرة معمرة تلفت الأنظار، بل لفت اهتمامه الديدان قصيرة العمر، لفت اهتمامه من يعيش في الظل.

صدرت رائحة النعناع تحديدًا في شهر إبريل  سنة 2000 عن سلسلة أصوات أدبية بالهيئة العامة لقصور الثقافة، لم أكن أعرف وقتها ما الذي جذبني لقراءتها مرتين متتاليتين، ما الذي جعلني وأصدقائي نتبادلها ونتحدث عنها وعن كونها رواية مختلفة، ربما وقتها لم نكن ندرك تمامًا ما تمثله هذه الرواية من نقلة حقيقية في السرد، على الأقل السرد المتاح لنا في ذلك الوقت، حكاية حب بسيطة بين السارد وفتاته “صافي”، يحكي عنها ويحكي لها، وينتقل برشاقة من حبه لصافي لتفاصيل حياته الشخصية، عائلته، فترة الجامعة وأصدقائه، يمزج ببساطة بين التفاصيل الخاصة وبين القضايا التي يمر عليها سريعًا، الولد الذي تدروش وصار ينام على الأرض بلا فراش امتثالا لقول “اخشوشنوا”، الزيارة الأولى لبيت السويس بعد حرب أكتوبر، صاحبة البيت وهي تملس على النخيل بيديها، تجلس على أرجوحتها وتحدث نفسها يااااه.. ست سنين غياب، سفره للخليج، ومشاكله مع صاحب العمل…

ربما يكون قد مر على قراءتي الأخيرة للرواية الكثير، لكنني ما زلت أذكر ولعلني سأظل أذكر هذه الفقرة بالرواية:

“في مآتم الأغنياء ألحظ نساءهم أكثر جمالًا وطبيعية، لون الملابس الأسود يبرز بياضهن، منابت الشعر في السيقان والرُكب تكون أكثر وضوحًا، أشكال عيونهن المتعبة وشفاههن غير المصبوغة تُذكر بالقيام توًا من السرير عقب الارتواء”

كتابة جميلة أعلنت في وقتها ـ بالنسبة لجيلنا الذي كان ما زال يتلمس طريقه طريقه ـ عن سارد مختلف، له لغته، وتأملاته، وزاوية رؤيته، مثل هؤلاء لا يموتون بل يبقون في ذاكراتنا، حتى ولو بفقرة جميلة كالتي سبقت.

عودة إلى الملف

 

مقالات من نفس القسم