دكان شحاتة : شحاتة سياسية في ميلودراما صعيدية

موقع الكتابة الثقافي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

رامي عبد الرازق*

تجعلك تجارب خالد يوسف تتمنى لو ينصلح حال البلد وتزول كثير من أسباب الفساد ليتوقف عن تقديم منشورات اتحاد الطلبة داخل أفلامه فخالد لا تتعبه حنجرته من الصراخ ولكن الفنان عقله ووجدانه هو الذي يصرخ طلبا للتغيير او رغبة في التحذير أما خالد حنجرته هي التي تصرخ وبالتالي يصيبنا صراخه هذا بصداع مؤقت ولا يترك فينا الاثر العميق الذي يتركه صراخ العقول لا الحناجر ورغم أن دكان شحاته أقل صراخا من أفلامه السابقة إلا أنك تشعر أن به نوعا من(شحاتة)الجدية السياسية أو الرمزية السياسية حتى أنك لو افرغت الفيلم من نشرات الاخبار التي تملاء شريط الصوت في الفصل الاول

ومن يافطات الانتخابات الرئاسية ومشهد اعتصام القضاة واحتجاج اهالي قتلى بني سويف سوف تجد أمامك مسلسل او فيلم صعيدي ميلودرامي لطيف يصلح للمتابعة من قبل شرائح كثيرة ولن تجد نفسك مضطرا لربط أي من نماذج التجربة وشخوصها بأي حدث سياسي او اجتماعي لسبب بسيط هو ان السيناريو نفسه لم يفلح في الربط بين صور مجلة الحائط التي قدمها في شكل مشاهد وبين الواقع الأسري والاجتماعي لأسرة حجاج والد شحاتة في حين ان السيناريو في حد ذاته يحتوي على اسقاطات معقولة وغير مباشرة كان من الممكن ان تجعله نص بدون ضجيج مفتعل أنظر إلى شحاتة وهو يمسك صورة عبد الناصر ويقول( الله يرحمك يا أبا ) لان والده كان يحب عبد الناصر او ربما لان والده هو رمز لناصر الذي ادت التفرقة في المعاملة بين ابنائه إلى كرههم لاخيهم (تيمة يوسف واخوته) وانظر إلى احتفاظ شحاتة بمفاتيح الدكان الذي بيعت ارضه والجنينة بعد ان كان مجتمع “قسمة العدل” قد تحقق عقب حصول الأب على قطعة الأرض والدكان من الدكتور ذو الميول اليسارية الذي كان حجاج يرعى حديقته ثم بيعت الفيلا والدكان والجنينة(كرمز للبلد)لاحد السفارات الاجنبية وكناية عن الاحتلال المقنن او بيع ارض الوطن لمن يدفع اكثر..صحيح ان شراء دولة اجنبية لفيلا كسفارة ليس احتلالا كما اصر السيناريو على ايهامنا لكنها من الممكن ان”تعدي” ثم يأتي تقاتل الابناء وتلفيقهم قضية مفبركة وركيكة دراميا لاخيهم كي يلقوه في غياهب جب البوكس ثم إلى السجن ليخرج(الابن الضال)بعدها يبحث عن اخوته لا لينتقم ولكن ليصمم في ملائكية غير مبررة وبطيبة فوق بشرية على أن يلقي بنفسه في احضانهم حتى بعد ان عرف ان اخاه تزوج حبيبته..إذن بدون شحاتة سياسية يوجد مجال للأسقاط والتاويل رغم ثقل الميلودراما لان الأسقاطات المباشرة التي يصر عليها الفيلم تجعلك مثلا تفكر في الاعراب الدرامي الرمزي لشخصية حبيبة البطل فهل هي معادل اخر للوطن المغتصب خاصة عندما تتمرغ على فراش التخيل في شهوانية لتتلامس وفارسها السجين وترى ماذا كان سيحدث لو ان شحاته مثل اي شخص طبيعي غير رمزي قد حدث فيه ما حدث من اخوته! نكرر ان هذه التجربة كان من الممكن ان تصبح عملا جيدا لو انها لم تعمد للمباشرة في الاسقاطات وتخلصت من ثقل الميلودراما التليفزيوينة وهيفاء وهبي التي اثارت ضحك المتفرجين في الصالة بطريقتها المغناجة في الكلام(لو تذكرون شريهان/حليمة)واصرارها على نبرة الأطفال التي كانت تبوس بها الواوا وهي جزء من مشكلة خالد يوسف الاخراجية فعندما تريد ان تتعرف على قوة مخرج انظر إلى قدرته على التعامل مع الممثل قليل الموهبة وليس الممثل ذو الموهبة القوية التي تفرض نفسها وخالد وقع في فخ هيفاء على مستوى لكنتها الركيكة ولغتها الجسدية وملابسها الاستعراضية التي تشبه ملابس كليباتها فهي دوما تكشف عن ساقيها او صدرها وهو استغلال تجاري انكره خالد في البداية ثم ظهر في الفيلم بشكل علني ومستفز.اما الألعاب المونتاجية التي احترفتها المونتيرة غادة عز الدين فكانت موظفة بشكل اكثر درامية في خيانة مشروعة عندما كان الفلاش باك/الماضي يحل في الحاضر لقوة تأثيره ولكن هنا بدت مجرد حليات بصرية على سبيل كسر الملل ولم توظف دراميا بشكل جيد ويحسب لناصر النسيج العائلي رغم ميلودراميته والحوار الصعيدي الشيق الذي يستلهم نفوس الشخصيات في حديثها إلى جانب ما يعرف بمخيلة اللغة فلكل لغة أو لهجة مخيلة خاصة تكون نابعة اولا من روح تلك اللغة او اللهجة وثانيا من طبيعة الشخصيات والنص فغنظروا مثلا إلى كرم غباوة و هو يقول لشحاتة ( اخواتك رموك في البلاعة و أنا قفلت عليك) هذا تشبيه يعي فكرة ان تيمة الفيلم مأخوذة من قصة يوسف وربما كان هذا ما يقودنا أيضا للحديث عن شخصية كرم(عمرو عبد الجليل)الذي تفوق ادائيا وإن ظلت شخصيته في حين ميسرة اكثر خصوبة وقوة فهناك فارق شاسع بين المهمش العاجز جنسيا واجتماعيا عن أي فعل ذو تأثير ملموس وبين بلطجي يحمل دينات مهجنة من اللمبي موديل 2009 رغم الافيهات اللفظية المستوحاة من عملية تبديل شطرة مثل شعبي بشطرة أخرى مما يخلق مثل أخر ربما له معنى مختلف لكنه طريف وحقيقي. أما عمرو سعد فرغم إمساكه بعناصر الشخصية في الفصلين الاول والثاني من الفيلم ومحاولته أن يكون ادائه متوازنا بين الطيبة القسرية ورد الفعل الطبيعي لشخص عادي يتعرض لضغوط رهيبة من أقرب الناس إليه إلا أنه في الفصل الأخير تصور أن الشنب الذي استعاره من شخصية “منتصر”سوف تقف عليه صقور أحمد زكي المحلقة في فيلم الهروب لكن للأسف هذا لم يحدث لا من قريب ولا من بعيد.

ونعود لخالد الذي يبدو في حالة عادية جدا من حالات التصوير او النقل بالكاميرا فلا نكاد نلاحظ ايقاع حركي مبتكر ولا زوايا ذات دلالة او تكوين له إشارة لنفوس الشخصيات ودوافعها وافكارها وباستثناء الكاست الجيد– ماعدا هيفا-وتصميم المناظر لقلنا أنه أقل أفلامه حرفية وتكنيكا خاصة انه تعامل مع المشاكل المتوقعة في مصر بأسلوب الصورة الصحفية او لقطات الكاميرا الفوتغرافية وهو اسلوب مفتعل ومقحم على خطة الفيلم البصرية التي جاءت ابسط من الازم ولم يكن هناك سرد لوني يذكر ونفذت مشاهد الجرافيك بشكل متقدم تقنيا وإن لم يصل بعد للدرجة التي تجعلنا نعتمد عليه بشكل كبير ولكنها خطوة تحسب لصناع التجربة على ايه حال.

أما بخصوص النبوءة التي اطلقها خالد وناصر في نهاية الفيلم وهي انهيار المجتمع تماما فنحن لسنا ضدها فهي متوقعة في ظل ظروفنا الحالية ولكن ربطها بموت شحاتة(الشخصية الطيبة)هو ذاته ما يمنعنا من اخذها على محمل الجد لأن الرمز كما قال احد نقادنا الكبار يفقد قيمته لو لم يكن قابلا للأسقاط على الواقع بمنطقية تامة تقنعنا بتطابق الشخصية في مستواها الرمزي مع مستواها الوقعي بلا انفصال..ومن ناحية أخرى كما هو معروف فإن احد اسرار التراجيديات اليونانية وسر خلودها هو استطاعتها التوفيق بين المأساة العائلية التي هي سطحها البارز وبين عمق الحياة والمجتمع واصطراع الأفكار والاهواء التي هي في داخلها وهو ما لم يتحقق لا بداخل الدكان ولا خارجه .

 

 

تأليف : ناصر عبد الرحمن

إخراج : خالد يوسف

بطولة : عمرو سعد – هيفاء وهبي

إنتاج : مصر للسينما

مدة الفيلم : 140 دقيقة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* ناقد سينمائي مصري

مقالات من نفس القسم