د. نجوى غنيم
النفق
أخيرًا تمكنت من حفر نفق بيديها يمكّنها من العبور، واصلت الليل بالنهار، لم تعرف كم يومًا استغرقها هذا العمل، بذلت جهودًا كثيرة حتى وصلت إلى نهايته أو ربما ظنّت ذلك…
صوت خافت يأتي من بعيد، يخترقها ويشلّ تفكيرها، أخرجت رأسها وتفحّصت المكان بحذر، لون رماديّ باهت ينتشر أمامها، لم تلمحه في البداية لكنّها وجدته هناك ينتظرها، بوجه مقطّب وسحنة عابسة، أخذت تجري، ارتطم جسم صلب بكتفها، أحست بسائل حار يسيل منه، ورغم ذلك تابعت الجري باحثة في الظلام عن منفذ يكون فيه خلاصها…
الظلام يتبدّد، الأضواء تغمر كلّ مكان، سارعت عائدة إلى نفقها، تدقّ ثانية في اتجاه آخر…
الخزانة
جوفها يغلي بالغضب، وبين الضلوع مرارة، ونيران من حولها تتدفّق كالسيل، ونار تستعر في الجوانح، أجُنت؟ لماذا أشعلت النار في الخزانة؟
لم تكن الحكاية خزانة… بل قلوب ملآنة…
جلّ ما طلبته كان خزانة بمرآة؟ لكنّه لم يحضر سوى خزانة بائسة مثلها، أليست عروسًا وسترتدي ثوبها الأبيض؟ ألم يقبض مهرها؟ ألا يكفي أنّه حرمها ألفاظ الحبّ والحنان، ألا يكفي أنّه كان يغيب أسابيع طوال بحجة العمل ويأتي خالي الوفاض؟ ألا يكفي أنّه يعاملها هي وأمها كخادمتين؟
ستذيقه الحسرة والألم، ومن بين اللهب تراءت لها أمها… وتركتهما النار هشيمًا ورمادًا.
بعد أيام باع الأرض وجلس يعدّ النقود ويحلم ببيت وزوجة وأبناء.
عطل مفاجئ
أخيرًا لن تكون أيامه كحبات المسبحة، تخلّص من همومه، أحس براحة عجيبة، أصبح غير مسؤول عن شيء، سيجلس مع نفسه ويسبح ببصره في الفراغ وسيتمتّع بحرية السرحان.
فجأة انقلب القطار وخرج عن شريطه الحديديّ تاركًا خلفه صمت رهيب وجبين مرتفع بحاجبين مرفوعين كأنّما يرسمان دهشة خفية من الدنيا.
الهاربة
تسلّلت إلى القاعة ككلّ شهر، جلست في آخر مقعد كعادتها تحكم وضع كمامتها، تستمع إلى قصائده، وقبل أن تدقّ الساعة العاشرة شرعت تحثّ الخطى، فالطريق طويل، وهي لا تمتلك مركبة سحريّة كسندريلا…عبرت الشارع مسرعة، تستعيد لحظات اختزنتها في ذاكرتها. قذفتها سيارة وتركتها على الثرى امرأة متشحة بالسواد.
الحقيقة
الله… كلمة ينقشها بلون فضيّ على لوحة مسنودة إلى الجدار.
الله…يده المنسجمة في ملكوتها تزخرف حروفها.
الله…ارتعش، اضطرب صدره، شهق شهقة خفيفة واستكان.
هدوء وحقيقة أبديّة.
…………………
*كاتبة من فلسطين