” حين تزحف الرمال على المدينة تصبح المدينة امتدادا للصحراء “
هكذا يردد والد علي على الدوام :
” الصحراء كالزمن تعبث بالوجوه و تلوي الأعناق “
لمّت والدته الملابس من السطح. يسمع وقع أقدامها العجلى و يتابع أولى شطحات رؤوس النخيل تعلن بداية العناق. أدخلتِ الدجاجات إلى القن و تبادلت على عجل كلمات مع جاراتها اللائي يقمن بالشيء نفسه. قلن لها : هو ابن الصحراء و لا خوف عليه، يأتيك محمّلا سالما إن شاء الرحيم. غير أن الريح الآتية من عمقها جاءتها بالحدس الذي لا يخطئ.. برائحة الموت.
شاهد آخر الأحياء يهرعون إلى منازلهم عبر الأبواب القصديرية المصطفة على امتداد الزقاق المترامي و المرتعدة محدثة الصدى العنيف الذي غدا طقسا معتادا من عرس الرمال، و بضعَ دجاجات تائهة تنحشر بين أكوام الخردة المتراكمة منذ سنين.. ثم تابع الرمال تُزِيل عن المدينة صفو سماءها.
امتدت يد عائشة الصنهاجي من خلف، أمسكت بعنقه الصحراوي اللون و القد، طرحته على الحصير، و بسرعة البرق فتحت النافذة و أحكمت إغلاق السجائف ثم أوصدت الزجاج.
ـ قلت ألف مرة أغلق السجائف عند كل عاصفة.
صلّت عائشة كثيرا لعودة القافلة وحلم عليّ بركوب موج الريح و السفر مع العاصفة، بزيارة بلدان الأرض، بلدا بلدا، غير أن أحلام الريح و البلدان انتهت مع ضياع أيام المدينة في لياليها…
بحثوا فلم يجدوها، نظروا إلى عيون بعضهم البعض : هل أخطئوا الطريق التي قطعوا مئات المرات..؟.
وخز أيمن السجلماسي جمله فمشى به نصف ميل ثم توقف.
أدرك أيمن أنه يقف فوق بيته، أن المدينة قد قُبِرَتْ تحت رمال الصحراء.
مساء يوم 24/10/2009
ـــــــــــــــــــــــــــــ
* قاص من المغرب
خاص الكتابة