حوار مع الروائي والباحث الجامعي المغربي أحمد المديني

أحمد المديني
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

حاوره: عبد الرحيم الخصار

ـ دعنا نبدأ من كتابك الصادر حديثا “كي نفهم الرواية الجديدة”. لماذا ترى أن الروائيين العرب لم يستوعبوا جيدا مفهوم الرواية الجديدة؟

 ـــ كتابي هذا يدرس ويشرح ظاهرة(الرواية الجديدة) وهي مدرسة سردية نشأت في باريس بدءاً من مطلع الخمسينات، وعُدّ ألان روب غريي رائدها وباسمها وضع كتابه الشهير الذي حمل اسمها:”Pour un nouveau roman”(Minuit 1963) وهي دار النشر التي نجح غريي في أن يضم حولها جماعة من الروائيين منهم نتالي ساروت، كلود سيمون، مشيل بوتور، مشارب وروافد مختلفة تصب في جامع صياغة وتصور روائيَيْن يقطعان مع تراث الواقعية البلزاكية والنزعة السيكولوجية وكل إسقاط ذاتوي، والتركيز على الشيء وضعا ووجودا بإشباع وصفي تعييني ونابذ للإيحاء، لذلك لغته محزوزة بحد السكين ومشرَط جرّاح. نجد لهذه الطريقة جذورا عند فلوبير، الذي تحدث عن كتابة بيضاء ونص يكتب عن لا شيء، وبناء على التحول الروائي الفرنسي الجديد بنى رولان بارت تحليلاته للبنيوية السردية ومفهوم الدرجة الصفر للكتابة. إذن، مدرسة الرواية الجديدة ومفهومها ينتميان إلى تاريخ وسياق أدبي غربي مستقل عنا وهي مرحلة من تحولات مسترسلة في الرواية الفرنسية، وهي متراكمة وتتوارث من جيل لآخر، ولا يوجد روائي واحد يكتب سردا من وحي عبقريته قبل كل شيء، لقد تشرّب وتمثل جملة وطرائق وتخييل السلف قبل أن يصل إلى رؤية زمانه وطريقة سرد يعلن أنها جديدة، وللعلم تأتي في محيط كله منخرط في حركة تغيير فكرية وفلسفية وإيديولوجية شاملة. لذلك، لم يفهم الروائيين العرب، دعك من الاستيعاب، هذه المدرسة، فالسياق مختلف، والجديد هنا ليس هو هناك، وما بالك أن النماذج الروائية الأمهات لها غير مترجمة إلى الآن ومحققة كما ينبغي. وُجد تأثرٌ واستيحاءٌ جزئيان فقط عند روائيين محدودين، منهم صنع الله إبراهيم، وهذا بعض إشكالية الرواية العربية في علاقتها االمضطربة واللاتاريخية بالرواية الغربية، بل هي علاقة الثقافة العربية الحديثة كلها بما هو سابق عليها.  

ـ أحيانا يحسّ القارئ أن الروائي العربي الجديد صار مشغولا ببعض الألاعيب السردية على حساب الكتابة. هل يدخل هذا الأمر في سياق سوء فهم للرواية الجديدة؟

ـ  الرواية فن، والفن صنعة، والصنعة لعب، لعب جدي، أي بقواعد، لا مناص منها لكي يشترك معك آخرون فيها وتحصل المتعة المرجوة عند متفرج أو مُتلقٍّ يتابع اللعب على هَدْي قواعد. لذلك الكتابة هي أولا فن صنعة ولعب بنظام. لا شيء يمنع بعد ذلك أن تظهر مهارتك بل ينبغي حسب موهبتك، ومقدرتك التي تتأتى من الثقافة والخبرة، من معرفة الإنسان وتجربة الحياة برُمّتها، أن تُطورَ اللعبَ وتمهَر فيه لغاية إنجاح اللعب فلا يصبح غاية، هل ترى لاعبا يرقص أمام المرمى ولا يسدد بدقة ليسجل الإصابة. هذه هي ورطة من تسميه(الروائي العربي الجديد) وهي عندي تسمية لا تستقيم، هجينة، لأن المتن الذي تكوّن لديه ومنه لمّا يستقر بعد، أغلبه متنافر، وتجريبيته أقرب إلى التمارين، حذلقاتٌ وانزياحات متفرقة لا تجمعها رؤية سوسيو تاريخية وثقافية منسجمة لعصرها ومجتمعها كي تتحدد نسقاً ويمكن في تاريخ الأدب أن نقرأها بنظرية ومفاهيم من صلبه وليس بالاعتماد على أدوات ومصطلحات كلها مجلوبة من أنساق ونصوص من خارجه. إن هذا ( الروائي العربي الجديد) كما تسميه، ورغم أوهام وتنطع البعض، طريُّ العود، هشٌّ، هو في طور البحث عن أساليب وطرائق وأخيلة ولغة تناسب ما يعتبره أحاسيس مختلفة وغضبا وإرادة للتمرد على أنماط حكم وعيش. نعم، إن الطموح كبير وكوابحه أكبر، وهي تجربة مارستُها منذ مطلع السبعينات في بيئة أدبية موزعة بين المحافظة والدعوة إلى الالتزام الصارم بالواقع الاجتماعي(كذا) مساحة الحرية الفردية والإبداع الحر فيها شبه منعدمة، ورغم ذلك واصلت مع أقران قلة لفرض تجريبية خلاّقة ترُسي طرائق وتشق أنهُجاً استباقية من وحي مشاعرنا وأحلامنا ووعينا، وهي تتعلم وتتفاعل بانتباه مع أمهات النصوص المجددة في الرواية بالعالم في لغاتها الأصلية، لا مترجمة مشوّهة، وتنزع لصياغة نصوص مغايرة متنوعة بنت زمانها وثقافة عصرها وصراعات مجتمعها وإحساس كتابها، نعم ميزتُها التنوع والاختلافُ عن أساليب ورؤى سبقتها وليس ادعاء التجاوز الأرعن، فلا تجاوز في الأدب بل ثمة امتداد وتعلُم وتلقيح، هي جزر متباعدة كثير منها يسبح في مياه ضحلة، وأمامها مسافات لكي يصبح التجديد ديدنها لا صرعة فيها، وألاعيب سردية ومعميات وإنشائيات لزجة؛ أحسب أن الرواية/ الروايات الجديدة في حاجة إلى مجتمع جديد أيضا، بينما نحن نراوح مكاننا إن لم نكن حضاريا إلى نكوص، لذلك معشر الأدباء والمفكرين العرب المجددين والمستنيرين دونكيخوطيون( نسبة إلى دون كيخوطه بطل رواية ثربانتيس(1605) يحاربون على طريقتهم طواحين الهواء. إن الجديد ومنه التجديد منظومة متشابكة الأطراف متكاملة، لا يمكن عزل أطرافها والانتقاء في وجوهها، لذلك روايتنا الجديدة هجينة وغريبة وبلا جمهور تقريبا.                                         

 ـ تاريخ الرواية العربية قصير جدا قياسا مع أوروبا مثلا. هل ساهم هذا العامل في مستوى نضج الرواية العربية؟

ـ بالتأكيد، إنه قصير جدا ومحدود متنُه وأنواعُه ومساراته الفنية وتياراته وكتابه. الرواية الغربية في الحد الأدنى كجنس أدبي بخصائصه الفنية ومعاييره البانية له موجودة منذ القرن الثامن عشر، واشتد عودها وتأصلت في القرن التاسع عشر ضمن رؤية واقعية شاملة ما لبثت أن تفرعت عنها مدارس وتنوعت معالجات، وهذا ، بالطبع، ضمن التحول الكبير للمجتمعات الغربية في خضم الثورة الصناعية والحركات التجارية والتوسع الخارجي وما سبق هذا ورافقه من حركات تنويرية وثقافية وإيديولوجية، بمعنى أن الرواية لم تنهض معزولة عن التغيرات الجذرية الخطيرة لمحيطها، بل هي الجنس الأدبي الملائم لها، هي بعبارة لوكاتش ملحمة الزمن الحديث. أيّ تراث ضخم هذا الذي تملكه الرواية الآن في العالم إذا اعتمدنا القارات الأوروبية والأنجلو سكسونية والأسيوية أضف إليها الأمريكية الجنوبية التي أغنت هذا الفن بشكل مذهل وأضحت مدرسة فيه. ما روايتنا ونحن إزاء هذا التراث، والحاضر نفسه إذا كانت باريس وحدها تطرح سنويا في مطلع كل موسم أدبي خمسمائة رواية؟ ما روايتنا ونحن الذين تمحّل مؤرخو أدبنا العربي ونقاده فشرعنوا “زينب”(1913) لمحمد حسن هيكل بداية للرواية العربية هو الذي نعتها في الغلاف تحفظاً ب”مناظر وأخلاق ريفية” اقتباسا من فلوبير الذي جنس روايته”مدام بوفاري” (1857) “Mœurs de province” وهذا لا يشير إليه المصريون(!) بينما لا تعدو كونها لوحات عن الريف مع قصة غرامية ساذجة يسمونها(رومانسية) تظهر بعض الطباع والأوضاع؛ فيما الرواية المعتمدة في أدبنا ظهرت تباشيرها مع جورجي زيدان في سيره التاريخية الغرامية، وتشخصت ملامحها بجد مع نجيب محفوظ، مذ هذا التاريخ إلى يوم الناس هذا لا يزيد تاريخ الرواية العربية عن سبعة عقود، وفي أدبنا المغربي عن خمسة بأعمال مبعثرة ومتفرقة ومتفاوتة القيمة رغم أننا نحن في المغرب أيضا ركبنا هوى ريادة بلا أساس فاعتبرنا نص” الزاوية” للتهامي الوزاني في نهاية الأربعينات مؤسسا لروايتنا، بينما لا يعدو سيرة فقيه صوفي في مناكب مدينة تطوان وأحواله الشخصية. أخلص إلى القول بأن الرواية العربية، وقد غدت راهنا عديد تجارب وذات تراث نسبي ومحددات وكتاب/كاتبات تكاثروا كالفطرـ ولكن بعدد قليل من الروائيين الأعلام، أصحاب الرواية المشروع ـ ما تزال فتية، ويُعوِزها كي تنضج ثمارها مجتمع روائي، ومن لم يقتنع ليقرأ الخليط الذي تخرجه المطابع بلا حساب الفن منه براء.

ـ كيف يقرأ أحمد المديني الرواية الراهنة في العالم العربي؟ هل نحن فعلا أمام تحوّل أدبي أم أن ما نعيشه هو فقط وفرة في الكتابة؟

ـ في السياق السابق دائما، أواصل وأقول إنه من غير المناسب الحديث عن الرواية العربية بإطلاق وتسمية موحدة، لأنها روايات بين مواهب وأقطار وبيئات وأقلام رائدة وأخرى شاردة، تتوزع، ولا أقول تنتمي، إلى عديد اهتمامات وطرائق كتابية، وإذا كانت بداياتها ونصوص تطورها وتمدّدها ورؤيتها العامة هي الواقعية وفنيتُها جاءت محكومةً عموما بقواعدِ تَشكّلِ وبناءِ هذا الجنس الأدبي، فإنها وابتداءً من التسعينات اعتراها تحولٌ كيفي ورؤيوي جذري قطع مع الواقعية محدداً مركزيا ووسمَها بالاستغراق السيكولوجي وتغليب الاستيهام وتنسيب مفهوم الواقع وقلب العلائق بين الفرد ومحيطه، ونقل حمولة المضمون ونوع الدلالة من الاجتماعي والملتزم كما جسدته حيوات الطبقة الوسطى وهي شخصيات هذه الرواية بعوالمها وهمومها وجمهورها القارئ، أيضا؛ إلى بؤرة الأزمة الفردية، إلى أنا الإنسان التي ما فتئت تصارع لاختراق الجلد الخشن للممنوعات والكوابح وقوى الغلَبة، ولتتفتح بذاتيةٍ مستقلةٍ محدثةً انشقاقاً وتمرداً على مستويات طبقية وقيَمية ووجودية، ولتبدو في التمثيل الروائي وهي تكتسب كينونة حرة وفصامية في آن وتلُبِسها للواقع، أي أنها تقوم بتذويته، وبالطبع، رافق هذا التصور إعادة هيكلة وتشكيل للرواية أخذت تعصف تدريجيا بالنمط التقليدي وتنزع نحو التجريب بأشكال. أتحدث هنا عن التجارب الجدية المنتظمة لا النزوات وتمارين الإنشاء العابرة، وما بات يشبه طوفانا من نثريات تتجاور فيها الحكايات بالانثيالات العاطفية الغثة وطفحِ طفو خاطر كاتبات/كتاب مفترضين يضعونه على لسان شخصيات هلامية، أو تقارير سياسية وشعارات ورطانات إيديولوجية، ومرويات منتزعة عنوة من التاريخ وملصقة استعارة متكلفة بالحاضر ملفقة بعقد غرامية. زد عليه أشباه روايات مصنوعة صنعا على شكل متاهات باسم تجريبية مدعاة، وكثير من نصوص تريد الانتساب إلى الرواية بقوة الغلاف لا غير ولأنها لا تملك موهبة وصنعة تخلّق الجنس الروائي تزعم الانفتاح على تعدد الأجناس، بينما أنت لا تنفتح إلا إذا عرفت وسيطرت، لا جهلا بالشيء. بجوار انجراف التربة السردية هذا روايات وروائيون مؤهلون بفنهم ومشاريعهم، هم جزر صغيرة غنية بقوة الخيال وزخم التجربة وحذق السرد والتصوير الخلاق، وهي متباعدة إذ الرواية العربية اليوم شتات تشبه أحوال بلدانها وثقافتها؛ هي جزر في بحر من النصوص الدخيلة والسرود الفجة وتلفيقات لا شعر ولا نثر لا سطح ولا عمق مطبوخة بتوابل متنافرة بأداء مدفوع لمطابع ودور نشر غير معنية بما تسوّق ولا بذوق وثقافة القارئ. يؤدي هذا كله في النهاية إلى فساد المنتوج واختلاط الزائف بالسليم، واختلال المقاييس لا سيما مع وجود فئة من الزمّارين وملمّعي المغشوش، موزِّعِي الإمامة على المستضعفين، وكذلك بسبب غربة النقد والناقد الأدبي تقلص وجودهما ومساحة عملهما، والنقد الصحيح دائما عينٌ فاحصة وازنة عينها على النص لا صاحبه، والأدب لا المتأدبة، تطفل عليه دخلاء واستثمره سماسرة كما استسهله صُناع الكلام، ومن هذا كله ومن ضربه” ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذين عملوا لعلهم يرجعون”(سورة الروم 41).

ـ هل فعلا أثرت الجوائز العربية الجديدة في مضامين الرواية وساهمت بالتالي في توجيهها؟

ـ أجبت على السؤال مرات، وصرت كمن يصيح في واد، أعيد بعضه هنا. أقول: الجوائز محفِّز جيد للمبدعين والباحثين، فيها دعم مادي يحتاجون إليه وتقدير معنوي لأعمالهم، ووجودها دليل على رقيّ مجتمع واعتباره للمنتوج الرمزي. في الماضي ارتبطت بأفراد وبلاطات، واليوم ترعاها هيئات ومؤسسات، وهذا جيد. أما التأثير من عدمه في مادة التقدير فمرجعه إلى قيمة الإبداع في بلد معين، ونوع وتركيب المؤسسات التي تُسند إليها المهمة مؤهلات ٍوآليات ومعايير. هي في الوضع السليم تنتصر لتيار أو مضمون وأسلوب ينبغي أن يكون له وجود ويرهص أو يبشر بجديد ويعلو عن جدال استحقاق الأولِّي في ميدانه الأدبي لغة ًوشكلا وتعبيراً وتصوراً وتصويراً ومادة وتخييلا وطريقة أداء، وفي البحث منهجية وغزارة معرفة، وطرافة درس ونفاذ بصيرة، لينظر بعد ذلك في ما يتفرد به ويتفوق ويضيف، أما أن يخلو من هذا أو أغلبه ويجازى بقصب السبق، وهذا نرى مثله في جوائز عربية فمؤسف ومسِفٌّ ومثير ، قد يحدث الخلل مرة ومرتين، بتبرير اختلاف الأذواق والقراءات ونسبية المعايير لكن ” لا تختلف أمتي على ضلال” أي لا، وما ينبغي لها أن تتوج الهزيلَ والضحلَ وتُقصي الجيد الفحل، وفي أمر التحكيم، أمرهُ جلل ولا يقبل التفاوت والتواطؤ، اعطِ القوس باريها. هذا كلُّه يهون إن كانت الجوائز العربية، وقد حازت مقدارا من الأهلية والشفافية ونزاهة التحكيم وأصالة المحكوم له، إن استطاعت أن تسهم بقدر ما في بلورة أفكار أو تعبيرات أو موجات إبداعية يمكن في مجال الرواية، مثلا، أن يؤرِّخ بها مؤرخ الأدب ويتتبعها بوصفها ظاهرةً تبلورت وشجرةً أينعت وصارت لها أغصان وامتدت جذور، انظر مثلا، مع الفارق، إلى جائزة غونكور الفرنسية، عمرها قرن ونيف( ج الأولى سنة 1903) بإمكان الدارس والناقد الأدبي أن يتتبع تطور وخصائص الرواية الفرنسية من خلال الأعمال المتوجة، ولا يمكن أن تجد روائيا ذا بال إلا واسمه في سجلها. وإذن، هيهات وشتان. وفي الوقت، علينا أن لا نتشاءم شأن قدح البعض بأن هذه الجوائز إنما تسهم في فساد الأدب، وترويج المغشوش، و(إخصاء المواهب) التي تختفي بعد الفوز، وغالبية محكميها من غير المؤهلين أو تخضع للمحاصصة، ومثله مما شاع وذاع؛ أميل إلى التفاؤل، وأتطلع إلى المستقبل بأن تكثر الجوائز ويتنافس مانِحوها وتتعدد حقولها وتتنوع اختصاصاتها وتزدهر طردياً مع نمونا وتطورنا الحضاري ونضجنا الإبداعي. إن الإبداع والمعرفة عنوان تقدم أمة وقيمةٌ رمزية أكبر من المال، أما جائزة قيمتها الأولى في مالها فهي هبة وإكرامية، ليت الكفتين تعدلان.

ـ من يقرأ نصوص أحمد المديني سيدرك هذا الكمّ الهائل من المعرفة التي تقف خلفها. ثمة بالفعل مرجعية قرائية هائلة، وخبرة عميقة بالكتابة وبالحياة الأدبية. هل يمكن القول بأن الجيل الذي تنتمي إليه والأجيال القريبة منه كانت أكثر معرفة وأشسع ثقافة من الأجيال الروائية الجديدة؟

ـ سؤال يحرجني، وأنا ممن قال فيهم تعالى “قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا”. قُيِّض لي أني ولدت في أسرة ربها خريج جامعة القرويين، وأن آخذ العلم من شيوخ وأساتذة أجلاء في جامعات الرباط وفاس والسوربون وأن أتخرج منها وأدرّس فيها مع جهابذة، فلم يكن بدٌّ من الجد وتعلمت منهم العمق وكِبرَ العقل، وحين تفتّح في صدري نبعُ إلهام حرصت على سقي تربته بسماد ثقافي من كل الآفاق، وأنا لا أفهم إبداعا بدون ثقافة متينة، هذا سبب ثنائية عملي بين كتابة الأدب ودرسه ونقده. زد فنّ العيش وخبرة ومحبة الحياة والإيمان برسالة فيها حتى لا تذهب هدرا . لا أحب المفاضلة بين الأجيال، وأكتفي بالقول إن الحالية على عجل من أمرها، خفيفة زاد وقليلة صبر، متعطشة لشهرة عابرة، ولا أجد ختاما لحديثي الشيق معك أفضل من أبيات شهيرة للحطيئة منها قوله:” فالشعر صعب وطويل سُلّمه/ إذا ارتقى فيه الذي لا يعلمه/ زلّت به إلى الحضيض قدمه/ والشعر لا يسطيعه من يظلمه/ يريد أن يعربه فيعجمه”!

 

مقالات من نفس القسم