حمَّامات السُّوق الإسلامية.. العمارة والتكوين

عادل زيادة
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

عادل زيادة

بعد ان اقتبس المسلمون فكرة بناء حمَّامات السوق من الرومان كثر إنشاؤها في المدن الإسلامية وكان السبب الرئيسي لذلك ارتباطها بدعوة الإسلام للنظافة والتطهر وأصبح يقصدها كل الناس من كل  طبقات المجتمع بشكل دائم وفي مناسبات كثيرة، وانتشرت في كل المدن الإسلامية منذ السنوات الأولى للفتح الإسلامي ووصلت من الكثرة في أعدادها ما جعلني أظن أن المؤرخين قد بالغوا كثيراً في ذكر أعدادها. ولكن من المؤكد أن المسلمين طوروا في عمارتها وغيروا معالمها الرومانية المستوردة بما يتوافق مع عاداتهم وتقاليدهم. وتدخلت سلطات المدن في تنظيم إنشائها وتزويدها بالمياه وقنوات الصرف، وأشرفت على نظافتها ومحاسبة العاملين بها وحتى طريقة دخولها.

ولم يقتصر دور الحمَّامات في المدن الإسلامية على وظيفتها الأساسية وحدها بل تعداها إلى أبعد من ذلك بكثير على الأصعدة الدينية والاجتماعية والأدبية وحتى الخرافية.

أما فيما يخص شكل الحمَّام وبنائه والذي يجهله فئات كثيرة من المجتمع القاهري تحديداً بسبب انقراض ماتبقى من الحمَّامات الأثرية أو توقف العمل في العدد القليل المتبقي منها فنقول أن حمام السوق منذ بدابة العصر الإسلامي ظل يحمل فكرة الحمَّام الروماني من حيث وجود القاعات الثلاث المتتالية: قاعة الاستقبال، والقاعة الدافئة ثم القاعة الساخنة وإن كانت تعاليم الدين الإسلامي قد غيَّرت إلى حد كبير في كثير من التفاصيل المعمارية، وعُرفت هذه القاعات بأسماء مختلفة باختلاف البلاد والمدن الإسلامية فقد أطلق عليها المصريون اسم المَسْلَخ وبيت أوَّل ثم بيت الحرارة وأخيراً بيت النار وهو المستوقد، بينما عُرفت في بلاد الشام باسم البَرَّاني يليه الوَسْطَاني ثم الجُوَّاني.

        وقد قُسِّم بناء الحمَّام إلى قسميْن متلاصقيْن لكل منهما مدخله الخاص، يمثل أحدهما الحمَّام نفسه بقاعاته الثلاث وملحقاتها وهو المكان المخصص للاستحمام، والقسم الثاني للخدمات التقنية والتشغيل وهو يضم الموقد وحلل التسخين، كما يشتمل على خزَّانات المياه الباردة التي تغذي الحمَّام بالمياه عن طريق أنابيب فخارية أو رخامية تجري تحت الأرض أو في الجدران. ويفصل بين القسميْن جدار حاجز قليل السُمْك تتخلله فتحة تسمح بمرور البخار من حلل التسخين إلى قاعة الاستحمام، بينما نجد سُمْك باقي الجدران بالحمَّام يبلغ متريْن أحياناً ليساعد على حفظ الحرارة، وكان تسخين الماء يتم بإيقاد الحطب والزبل في أفران مقامة على أرضية أقل انخفاضاً من مستوى أرضية الحمَّام لتمكين الدخان والبخار من المرور تحت أرضية الحمَّام من خلال أنابيب فخارية واستغلاله في زيادة تدفئة الحمام.

تشابهت الحمَّامات في كل المدن الإسلامية في شكلها العام وبعض تفاصيلها ففي الغالب اشتمل كل حمَّام على مدخل صغير ليُسْهِم في الحفاظ على خصوصية المكان، يليه ممر ضيق منكسر على هيئة حرف L يفضي إلى القسم الأول من الحمَّام والذي يُعرف باسم المسلخ أو البراني وهو قاعة غير مدفَّأة يتوسط أرضيتها فسقية بها فوارة يندفع منها الماء لتوفير الاعتبارات النفسية المرتبطة بالمقومات الجمالية للحمَّام، كما تضم القاعة مجلس خاص للمشرف على الحمَّام، وعلى جوانبها مصاطب رخامية أو حجرية مزوَّدة بالمساند ومفروشة بالسجاد يًصعد إليها بدرجات  سلم، وتشتمل القاعة فوق المصاطب على مواضع لخلع الملابس مزوَّدة بخزائن وطاقات بالجدران لحفظ الملابس ولوازم المستحمين، ويغطيها قبة ضخمة بها نوافذ مستطيلة ويتوسط قطبها فانوس زجاجي، وتتصل بالقاعة التي تليها بواسطة دهليز أوممر متعرج طويل نسبياً للفصل بين درجات الحرارة بين المسلخ والقاعة التالية المعروفة ببيت أول أو الوسطاني وهي قاعة دافئة تُستغل لخلع الملابس شتاءاً وتشتمل على مصاطب لجلوس المستحمين لحين تَعَوُّد أجسادهم على حرارة الحمَّام قبل دخول القسم الثالث، أو لحين انتقاص حرارة الجسم قبل الخروج إلى المسلخ، وقد زُوِّدَت هذه القاعة بأحواض للماء الدافئ أو الساخن إلى جانب الهواء الساخن المار عَبْر الأنابيب الفخارية الكائنة بجدران القاعة والآتية من جهة المستوقد، وتأتي بعد ذلك القاعة الثالثة والتي تُعتبر المكان الحقيقي للإستحمام ويُعرف ببيت الحرارة أو القاعة الساخنة أو الجواني، يتوسطها مصطبة مستديرة مكسوة في الغالب بالرخام مخصصة للتدليك، وتضم هذه القاعة مغاطس مملوءة بالماء الساخن، إلى جانب بعض الخلوات والمقصورات، ويغطي الجزء الأوسط منها قبة بها قمريات صغيرة مستديرة مغطاة بالزجاج الملون.

        يلي بيت الحرارة أو الجواني، بيت النار او ما يُعرف بالمستوقد ويضم فرن يتم عن طريقه تسخين الماء في قدور كبيرة من النحاس أو الرصاص يندفع منها الماء الساخن وأيضاً الهواء الساخن عبْر أنابيب فخارية أو من الرصاص إلى وحدات الحمَّام المختلفة، وغالباً ما يكون للمستوقد باب خلفي لتزويده بالوقود اللازم.

        وفُرشت أرضيات القاعات بمعظم الحمَّامات بنوع من الحجر المصقول الملون أو الرخام، كان الغرض منه سهولة التنظيف إلى جانب ما يضفيه من ناحية جمالية، كما سُقِّفَت هذه القاعات بقباب بها فتحات تغشيها قطع من الزجاج الملون توفر الإضاءة الطبيعية دون السماح بمرور الهواء ، وغالباً ما يُستخدم في بناء الحمَّامات الطوب الأحمر والحجر والرخام والدقشوم ، كما أن التخطيط كان متناسباً مع مواد البناء في أداء وظيفة الحمَّام التي تعتمد على وجود الماء بها.

 

       

 

 

مقالات من نفس القسم