حكاية المرأة التى تكره السمك

موقع الكتابة الثقافي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

هاني عبد المريد                       

أكياس بلاستيكية.. ورق جرائد، بقايا أطعمة.. علبة سمن نباتى فارغة، تستعمل ككوب للشراب، أشياء أخرى كثيرة مبعثرة.. أسراب ذباب.. زواحف...

خانقة كانت الرائحة عند السور الخلفى لمصنع الألومونيوم، الذى تجلس بجانبه، منكوشة الشعر الملبد.. ترتدى جلبابًا ممزقًا، و معطفًا ثقيلاً تتحمله صيف شتاء، ويتحمل حاجتها التى تقضيها فيه دوما.

 لا أحد يطيق الاقتراب منها، أولاد الحلال يضعون الطعام فى كيس، يلقونه تجاهها.. يفرون.. لم تكن تأكل الطعام، ولم يشاهدها أحد أصلاً وهى تأكل.. الجدات الكبيرات يؤكدن أنها تتغذى فقط على السمك.. تتسلل ليلاً، تأخذ نصيبها، تأكله، تدعو لرب البيت بالستر، وترحل.. الجدات لا ينسين أبدًا ترك سمكة أو سمكتين بالمطبخ فى انتظارها، يقسمن أنها لا تدخل من باب، ولا من شباك، جسدها يتسلل بكل خفة مع الهواء..

عندما يجد صاحب المصنع متسعًا من الوقت، يأمر أحد أفراد الأمن بتوصيل خرطوم الحريق.. يفتح المياه على أشدها، يسلطها عليها، تطيح بالقاذورات من حولها، تغرقها وتذيب عوالق جسدها.

أيام وتعود كما كانت بنفس الرائحة التى لا يتحملها أحد..

أمر من أمامها يوميًّا.. فكرت كثيرًا فى أمرها، لم أحاول قط الاقتراب منها.

أشاهدها أثناء حمومها، التصاق الجلباب بجسدها العجوز، تبادل الشتائم مع الواقفين، الذين يضحكون عندما يركز الصبى الماء المندفع بشدة على أماكن بعينها.. كانت تشتم.. وكنت ألمح فى عينيها الرضا..

تأتينى دومًا فى نفس اليوم، عارية تمامًا، جسدها يتقدمها، تغدو شيئًا أثيريًّا ثابتًا فى مكانه، بينما جسدها يأتينى متلهفًا، أعضاؤها العارية تبدو كأشكال هندسية ملونة، أقبلها.. أضمها بقوة.. تتفكك بين يدىّ، تستحيل كومة عالية من الأشكال الهندسية المتنوعة، أجلس على الأرض، تحفنى المتعة وأنا أحاول تجميعها من جديد..

عندما تستوى كما كانت، تجلس بين يدى، تحاول أن تدارى دموعها، تعترف لى فى لحظة صدق حقيقية، أنها أبدًا لم تحب السمك.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*من مجموعة “أساطير الأولين” الفائزة بجائزة ساويرس 2013

 

 

خاص الكتابة

مقالات من نفس القسم