حجازي والحجرة المدهشة.. حوار مع جورج البهجوري

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 14
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

عبير عبد العزيز

اشترك الفنان جورج البهجوري مع الفنان حجازي في بعض الأمور المدهشة، فجورج الذي ترك قريته "بهجورة" في جنوب مصر، والذي يحكي عنها: "أول ما فتحت عيني عليه هو خضرة حقل قصب السكر وارتفاع نخله ورفرفة حمامه الأبيض".

 

أما حجازي الذي ترك قريته “كفر العجيزي” بطنطا، ويحكي عنها: “صور الطبيعة هناك من الأشجار الضخمة مثل الجميز إلى الرقيقة الوارفة مثل التوت والصفصاف وكنت أتصور في طفولتي أن النخيل يكاد يلامس السحاب لفرط طوله خاصة وقت الشبورة الصباحية.. وأتابع سيقان القصب الحمراء وعيدان الذرة الخضراء”.

وجورج عندما يحكي عن القطار: “لي ذكريات كثيرة عن القطار، أبويا كان واخد بيت بيطل على السكة الحديد.. يعني بنشوف القطار وهو داخل المحطة وهو خارج منها.. لكنى ماكنتش بحب القطار وبخاف منه.. بيدخن دخان أسود.. هو كمان لونه أسود..”، لكن للقطار عند حجازي شكلاً آخراً فيقول: “رأيتُ مصر كلها.. بحري والصعيد.. الريف والحضر.. الكفور والنجوع من نافذة القطار.. كان والدي يعمل سائقاَ لقطارات السكة الحديد.. يعبر بنا النيل وفروعه من فوق الكباري أو يتوارى معه فيطل بنا على مشاهد ومناظر تتدفق من الليل إلى النهار من الشروق وقوة الشمس إلي بداية انطفائها بكل تفصيلها..”.

قرر جورج بعد سلسلة من الاعتقالات لأصحابه والنكسة قراراً حاداً بضرورة الرحيل عن مصر والسكن والدراسة في باريس.. فقد رحل حجازي أيضاً رحلات

مفاجئة وأقواها عندما عاد لطنطا وترك الكاريكاتير بلا رجعة عندما أثقل بالهموم العامة.. لذلك تخيلتُ لو كان حجازي الطفل رأى جورج الطفل من نافذة القطار وأقنعه بترك نافذة بيته والصعود معه ربما أحب جورج القطار.. وربما رأى حجازي في القطار شيئاً جديدا بعين جورج، لكن الواقع كان أقوى في قطار آخر كان الأثنان بعربة واحدة لمدة ثمانية أعوام، في حجرة الرسامين بمبنى روز اليوسف فكان لابد لنا من الحوار مع الفنان جورج البهجوري ليتذكر معنا رحلة حجازي في تلك الحجرة..

 

كيف اقتربتَ من عالم روزاليوسف ؟

مع بداية الخمسينات كنتُ طالباً في كلية الفنون الجميلة وأخذتُ في اجتذاب زملائي البعيدين عني ووجدتها فرصة أن أتقرب منهم، فبدأت في رسم الأساتذة على جدران مرسم الكلية، واكتشفتُ أسلوباً يخصني في ذلك. وحين رسمت بيكار وكان أحد أساتذتي، احتفظ زملائي برسمي لبيكار حتى يراه، وعندما رأى بيكار الرسم أبدى إعجابه. ومن هذه الحادثة نشأت علاقة بيني وبين بيكار بل وطلب مني أن أذهب إليه في الأخبار، حيث عرفني على “صاروخان” الذي  بدوره قدمني لعبد الغني أبو العينين وهو أهم تشكيلي آنذاك، وقد اختارني للعمل معه في روزاليوسف، وقد كنتُ منفرداً هناك بعدما ترك عبد السميع المجلة وذهب لأخبار اليوم.

 

ما الذي تتذكره عن لقائكَ الأول مع حجازي؟

جاء بهجت عثمان وقمنا بعمل صفحة كاملة لنقد الأعمال الفنية. كنتُ أرسم على طاولة رسم قديمة يجلس بجانبي جمال كامل رئيس القسم الفني، كانت روزاليوسف تتألق مع تألق الثورة، فالثورة كانت نجاح، وظهور جمال عبد الناصر كان نجاح. كلنا مشحونون بالنجاح والحب للبلد وذلك انعكس على الفنون والعلوم والآداب وكل شيء.

كان أمامي طاولة رسم فارغة يمكن أن يجلس عليها أى شخص سواء رسام أو من زملائنا الكتاب، يجلس عليها ليكتب.

في يوم وجدتُ شخصاً لا أعرفه يجلس على الطاولة، وعندما اقتربتُ منه وجدته يرسم رسوماً جميلة جداً، تحمل خطوطاً جديدة وتميل للزخرفة لكنها قوية جداً، فقال لي: “أنا اسمي أحمد حجازي وأرسم من وأنا صغير. لم أتعلم الرسم، نصحني أحد الأشخاص بأن أجرب حظي في روزاليوسف فجئت لتشاهدوا رسومي، وأنا جئتُ لأرى الرسام جورج أيضا”ً.

عرفته بنفسي وقلتُ له إنه صاحب ريشة جميلة جداً، وأخبرته بضرورة رؤية كل من أبو العينين وإحسان عبد القدوس لرسومه. وبالفعل نُشر له بعض من هذه الرسوم. وبدأ يتكرر حضوره كل يوم وجلوسه أمامي لنتحدث قليلاً، ويتفرج على رسمي وأتفرج على رسمه حتى أصبحنا أصدقاء.

هكذا جاء حجازي من طنطا وكان شاباً خجولاً لا يتحدث إلى أحد، ويظل في مرسمه 12 ساعة في اليوم حتى سُمى رسام الشعب.

 

ما الدور الذي لعبه فن الكاريكاتير مع حجازي بتلك الفترة ؟

في هذه الأثناء بدأ الكتاب يكتبون والرسامون يرسمون أشياء معارضة، تحمل الكثير من النقد اللاذع للحياة الاجتماعية والسياسية وأيضاً للضباط الأحرار. 

وابتدأ حجازي يتحرر هو أيضاً ويرسم نكتاً لاذعة وناقدة للسياسة والمجتمع. فكنتُ أدخل حجرة الرسامين أجد احسان عبد القدوس وأحمد بهاء الدين ملتفين حوله وحول رسومه، وأنا بقيت موضة قديمة شوية فلقد شبعوا من رسومي فأصبحتُ شيئاً مفروغاً منه. فكأنهم كانوا يحتفلون بالرسام الجديد حجازي. ونفس الشيء فعلوه مع صلاح جاهين عند بداية صباح الخير. وأصبحنا أسرة في المجلة وحجازي أصبح واحد مننا. ننزل كل يوم من المجلة نمشي في وسط البلد لغاية م نروح لبيوتنا. حجازي كان محبوبا في تلك العائلة وكان له مكانة خاصة عندي، يستريح له قلبي فهو هادئ قليل الكلام، يرسم أكثر مما يتكلم. وإذا تحدث لا يُغضب أحدا.مخلصا لرسومه، وأصبح رد فعل الناس وخاصة الذين في المجلة يتوقفون عنده ليشاهدوا نكاته.

أنا كنتُ لامعاً في فن البورتيريه وعندما بدأ حجازي يرسم البورتيريه أخذ مني بعض التفصيلات لكنه وضعها في أسلوبه الخاص الذي يميل إلى الدندشة وفن المنمنمات، فكان له طابع فريد ووحيد.

 

من هو أقرب فنان لحجازي في فترة صباح الخير ؟

عندما بدأت صباح الخير كان من أهم الرسامين الذين يرسمون أغلفة صباح الخير التي كانت عن الإنسان البسيط وعن الفلاح ونكاتها الداخلية حتى بعد وجود صلاح جاهين وبهجت عثمان. كان الفنان جودة خليفة من أقرب الأصدقاء لحجازي، فهو رسام يحب الحياة مخلص لمن حوله، يميل للتسكع حتى وقت متأخر. كنتُ أتركه وأعود في وقت مبكر لبيتي لأني كنتُ في تلك الفترة حديث العهد بالزواج. لكن حجازي كان يسهر كثيراً مع جودة، بل انضم لسهرات مجموعة الشيخ أمام وأحمد فؤاد نجم في حوش آدم, لكنني لم أكن مواظباً على تلك السهرات بعكسه هو والرسام جودة. كان حجازي يستمع للشعراء والغناء والنكات والسياسة.

 

ما الذي تتذكره عن حجازي وحجرة الرسامين ؟

حجازي احتضنه الناس من خلال رسومه، فالمعجبون يأتون للمجلة كى يقابلوه في حجرة الرسامين، تلك الحجرة المدهشة التي شهدت لقاءات وزيارات وأحداثا هامة، تلك الحجرة التي دخلها فنانون عظاما مثل عبد الحليم ونادية لطفي وسعاد حسني وغيرهم، غير أنها مكان أنتج أجمل رسامي مصر وأقدر كتابها. لن أنسى عندما دخل علينا فتحي غانم رئيس تحرير صباح الخير الحجرة قائلاً: “‘ن حجازي قنبلة في الرسم، لذلك أنا أعزمكم اليوم على حفلة على شرفه”.

لن أنسى أننا أحياناً كنا نقرأ كتاباً واحدً مثل كتاب “معذبو الأرض” لفرانز فانون، هذا الكتاب الذي يشرح علاقة استغلال الإنسان الأوربي للإنسان الأفريقي. لقد قرأه كل من صلاح جاهين ورجائي ونيس وحجازي وصلاح الليثي وجمال كامل وعبد الغني أبو العينين وأنا، هو من الكتب التي أثرت في كثير من الرسامين. كما لا أنسى أن تلك الحجرة ضمت تحالفات واتحاداً بيننا نحن الرسامون والكتاب في المواقف والآراء والمساعدات، فأتذكر غضب محرري المجلة للعمل بالقطعة وطلبهم بتعيين من يرغب مجلس  إدارة روزاليوسف بتعيينه ويصرف الباقين. وقد قوى موقف المحررين إعلان تضامن الرسامين معهم بداية بصلاح جاهين ورجائي وأنا وحجازي.حيث قررنا عدم الرسم إلا بعد اجتماع مجلس الإدارة وتقرير من سيتم تعيينه. لقد كنتُ مع حجازي 8 سنوات في صباح الخير وهذا أسعدني كثيراً. ومن  حبي للمكان رسمتُ لوحة تضم معظم رسامي وكتاب ومحرري تلك المؤسسة العريقة، فلقد كانت بالفعل مدرسة روزا اليوسف.منهم إيهاب، رجائي، جاهين، عبد السميع، الفريد فرج، إحسان عبد القدوس، فاطمة اليوسف، صاروخان، بهجت، الليثي والجميل حجازي. وأنا أعتز بها وأعلقها على حائط مرسمي.

 

كيف كانت علاقة حجازي بالرسامين خارج المجلة ؟

علاقة جيدة وجميلة وممتعة، لقد كان يحب استقبال الناس في بيته والسهر معهم مثلما يسهر معهم في تجمعات أخرى، لقد خصص يوماً في الأسبوع وهو يوم الأحد لاستقبال ضيوفه . لقد حضرت كثيرا من سهراته والتجمعات في بيته. كانت جلسات مبهجة مليئة بالأحاديث الظريفة والنكات والكلام حول الرسوم وكل ما يحدث.

كان حجازي مضيفاً كريماً ممتعاً تشعر أنكً في بيتك، تخرج مستمتعاً بتلك الجلسة المليئة بالبهجة والتقارب وكأننا لم نترك طاولات رسم الكاريكاتير ومازالت أقلامنا وريشتنا معنا طوال الليل، مزيدأ من الضحكات والقفشات والحركات. لقد كان ممن جمعنا وقربنا وأعطى محبة وفهم للجميع.

 عودة إلى الملف

مقالات من نفس القسم