بسرعةٍ أطلقتُ النارَ على حاء الحنين
فأصبتُ منها مَقْتَلاً،
لأنني لا أملكُ ما أحنُّ إليه:
الفرات وقد تجاهلني،
ودجلة لم تتعرّفْ عليّ،
وكلكامش لم أجده في المتحف
كما كانَ الوعد.
3.
آ…
كلكامش الذي ماتَ بالنوبةِ القلبيّة
بعدما أُصيبَ عرشُه العظيم
بصاروخٍ عظيم،
كما قالَ لي الصحفيون.
كلكامش الذي أُصيبَ بداء الداء
بعد أنْ سرقت الأفعى منه سرَّ الخلود،
كما قالَ لي المؤرّخون.
كلكامش الذي تعبَ من وقوفه العبثيّ
ببابِ المتحفِ العراقيّ
ينظرُ إلى آلافِ الدراهم الممسوحة
وهي تصرخُ وتهرّجُ ليلَ نهار،
كما قالَ لي الحشّاشون.
4.
ثُمَّ انتبهتُ إلى حاء الحرب،
كانتْ مُدمّاة من السرّةِ حتّى العنق
في حروبِ الطاغيةِ التي طاردتْني
بنجاحٍ عظيم
مِن يومٍ إلى آخر،
ومِن سنةٍ إلى أخرى،
ومِن دهرٍ إلى آخر.
ولم تتركني إلّا خشبة طافية
يتلاعبُ بها الموجُ على شاطئ المُحيط.
5.
ما أكثرَ حروبكَ يا حرفي!
6.
ثُمَّ خرجتُ أبحثُ عن حاء نوح،
عن أكثر الحاءاتِ سرّاً:
نوح الجسدِ وهو السفينة،
نوح القلبِ وهو نوح نفْسه.
7.
ما مِن غصنِ زيتون
لارتباكِ سفينةِ الجسد
وهي تمشي في موجٍ كالجبال.
ولذا فإنّ القلبَ لا يكفُّ عن البكاءِ أبداً،
لا يكفُّ عن البكاءِ والدمدمةِ أبداً.
8.
أيُّ قلبٍ لا يكفُّ عن البكاءِ والدمدمة:
قلبكَ أم قلب نوح؟
9.
قلبكَ أم قلب غرابِ نوح؟
10.
قلبكَ أم قلب حمامةِ نوح؟
11.
قلبكَ أم قلب سفينةِ نوح؟
12.
قلبكَ أم قلب بحرِ نوح؟
13.
في بحثي المجنونِ عن حاء نوح
وحاء الحرمان
وحاء الحرب
وحاء الحنين،
نسيتُ أنْ أبحثَ عن حاء الحُبّ.
14.
حاءُ الحُبّ أكثرُ الحاءاتِ شَعْوذةً،
هكذا قالَ لي الصحفيون.
15.
حاءُ الحُبّ أكثرُ الحاءاتِ التباساً
وغموضاً وهرطقةً،
هكذا قالَ لي المؤرّخون.
17.
حاءُ الحُبّ أكثرُ الحاءاتِ مَبْعثاً
للضحكِ والفكاهةِ والسخرية،
هكذا قالَ لي الحشّاشون.
18.
لكنّ قلبي قال:
حاءُ الحُبّ أكثرُ الحاءاتِ مَبْعثاً للجنون.
19.
ولذا جمعتُ قصاصات قصيدتي،
وصنعتُ منها وسادةً صغيرة،
ووضعتُها تحتَ رأسي،
ونمتُ.
نمتُ سعيداً،
وأنا أحلمُ بحاء الحلم،
أحلمُ كأيّ طفلٍ ينتظرُ صباحَ العيد،
العيد الذي سحقتْ رأسَه حاءُ الحرب،
وحاءُ الحرمان،
وحاءُ الجحيم!