جاسم محمد : الشعر السويدي لا يحتاج إلى مكبرات صوت.

موقع الكتابة الثقافي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

حاوره: رشيد منسوم *

" انه لتحد كبير للشعر السويدي أن يلتقي باللغة العربية. و جلي، بالنسبة لمن لم يقترب من تلك اللغة الفريدة إلا مسافة تشممها، إنها مرآة عميقة جدا لكنها صافية أيضا. قد يحدث أن تدير القصيدة السويدية ظهرها رعبا حين ترى صورتها في طيات المرآة. لكن الأرجح أن تلك القصيدة سيكون بإمكانها حقا أن ترى نفسها، على ضوء جديد، من جهة جديدة و عندها تتعلم شيئا ما مهما. و ربما يمكن للقصيدة العربية أن تخرج بشيء ما من ذلك اللقاء(...) بلمحة، كتلك التي من سنونوة تطير عابرة بالطرف، من شيء غريب لكنه معروف مع ذلك. كظلك في ليلية مقمرة. كدقات قلب حبيبتك النائمة لصقك في السرير حين تفيق أنت من حلم و لا يمكنك النوم ثانية. كالنور في عين الغريب. هو ذاته، و لكنه مع ذلك شيء آخر. غريب و مع ذلك أنت" بهذه الكلمات الهادئة و الجارحة في آن لماغنوس ويليم أحد أهم النقاد والشعراء السويديين الجدد يمكننا توصيف اللقاء الشعري السويدي المغربي الذي استضافته مدينة مراكش والذي أشرفت عليه المديرية الجهوية لوزارة الثقافة وقام بالتنسيق له الشاعر ياسين عدنان. وقد عرف اللقاء مشاركة خمسة شعراء من أهم الأصوات الدالة على ابرز معطيات المشهد الشعري السويدي  وهم أوسا ماري كرافت وآن يَدَرلوند، إضافة إلى الشاعر الكبير آرنة يونسون صاحب ديوان (قريبا تخضر الأشجار كلها)، وماغنوس وليام أولسون والشاعر السويدي من أصل عراقي جاسم محمد. وتولى قراءة قصائد الشعراء السويديين مترجمة إلى العربية كل من عدنان ياسين،مصطفى غلمان، إلهام زويريق، ورشيد منسوم ، هذا وقد تخلل هذا اللقاء الشعري وصلات موسيقية مع عازفة الكمان الشابة ياسمين بنعبد الرازق والفنان عزيز أبالا في عزف على العود.كما تم تقديم أنتولوجيا الشعر السويدي  بالعربية الصادرة عن دار المدى بدمشق تحت عنوان (إطلالة من حواف النهائي)، وهي الأنتولوجيا التي ترجمها كل من جاسم محمد وإبراهيم عبد الملك. و قدم لها الشاعر والروائي الكردي المقيم بالسويد سليم بركات سليم بعنوان إيحائي باذخ " أكتاف مسندة إلى جذوع القيقب" ، على هامش هذا  اللقاء، التقينا بالشاعر و المترجم جاسم محمد وكان هذا الحوار عن الانتلوجيا والترجمة والاغتراب و الشعر.

 

ـ  غالبا ما تنطوي الانتلوجيات على مخاطرة لكونها ترتبط أساسا بالجمالية الذاتية و الذوق الشخصي للمترجم وهو ما يفسر الانتقادات و الزوابع التي تتركها خلفها (خصوصا في العالم العربي).في اعتقادك، كيف نجت انتلوجيا الشعر السويدي  ( إطلالة من حواف النهائي من سبعينات القرن الماضي حتى العقد الأول من الألفية الثالثة) من هذه المغامرة ؟  

 

ـ الانطلوجية هي ترجمة لأشعار مختارة من الشعر السويدي المعاصر، و بالتحديد لشعراء احياء من سبعينات القرن الماضي حتى الآن و هي تتناول واحدا وعشرين شاعرا تمثل تجاربهم علامات مائزة في المشهد الشعري السودي في العقود الاربعة الأخيرة والذين تميزوا بحضورهم اللافت في الحياة الشعرية السويدية؛ و بانشغالهم على اجتراح رؤيتهم الخاصة للغة و للعالم . فكل الشعراء منحوا جوائز ادبية عدة في السويد  بالإضافة إلى أنهم يمثلون الأساليب السائدة في كتابات هذا الجيل. فقد يصعب عليك أن تجد في هذه الانتلوجيا شاعرين يتشابهان فكرة و أسلوبا. فمنهم من يمثل الحساسية الكلاسكية ومنهم الحداثيون وهناك أيضا شعراء ما بعد الحداثة.. لاشك أنها كلها معايير أساسية شكلت الخلفية الفلسفية و الجمالية  لهذا الكتاب .  بالطبع،  لا يمكننا أن ننكر أن هناك في السويد شعراء آخرون بالمئات، لكن هذه الانتلوجيا لا يمكنها أن تتسع للجميع.أملي أن تعطى هذه الانتلوجيا صورة اقرب إلى الوضوح ليس عن المشهد الشعري فحسب و لكن ايضا صورة عن حياة المجتمع السويدي.

 

ـ الترجمة حب خطير خصوصا إذا تعلق الأمر بترجمة جمالية الشعر السويدي إلى اللغة العربية. كيف بدا لك السفر بين  الشعرية السويدية و الشعرية العربية ؟

 

ـ عندما كنت صغيرا. كنت أعيش في قرية صغيرة جنوب العراق و كان تصوري عن العالم ينتهي بعد عشر كيلومترات. و بعدما اجتزت العشر كيلومترات اتضح لي ان العالم أوسع مما كنت أتصور. بعدما ارتحلت كثيرا في بقاع الأرض اكتشفت للأسف أن جغرافية العالم محدودة.لكن لحسن الحظ ، تجربة السفر بين الشعريتين السويدية و العربية  منحني فرح اللانهائي  و انتهيت إلى أن الترجمة توسيع للعالم أمام كاتب أو قارئ ربما لا يعلم بأن الانسان أعمق و أكبر من الأرض ومن الجغرافية.

 

ـ الشعرية السويدية شعرية تنتصر للهدوء الجارح و القلق. تنحاز لعزلة الكائن أمام الوجود. وأنت تنصت لشعراء على” حافة الشمال النهائي” يجتاحك إحساس بأن هناك طلقات من مسدس كاتم الصوت و  ارتماء بخفة من علو شاهق في البياض . ما سر هذا الحضور اللافت للموت الذي  يزحف بخطى الذئب القطبي و يخترق الشعرية السويدية من أقصاها الى أقصاها؟

 

ـ  الشعر في كل العالم هو ذاته سواء كتب في مراكش أو في ستوكهولم فهو يمنح الصورة المعقدة عن الانسان و الحياة وهو في ذات الآن اللغة في اقصى قدرتها على العطاء. قد تختلف الأساليب و الأصوات وهذا نابع من طبيعة اللغة ايضا. لكن الشعر هو الشعر هو الشعر. خصوصية الشعر السويدي تتجلى ربما في كونه شعر هادئ. صرخة صامتة فهو ليس بحاجة إلى مكبرات صوت  كي يعبر عن قلقه الوجودي و توتره الداخلي وهذا راجع ربما الى تأثر الشعر بالبيئة. فالبيئة السويدية ثلج وظلام و الانسان السويدي انسان منظم إلى حد الموت ، فهو يخطط للمستقبل بشكل رهيب و يخطط حتى لشراء مكان لقبره. الموت حاضر بقوة في الكتابة ربما لغياب الموت في الحياة.

 

ـ الشاعر يكتب ليبدد غربته أمام الموت و لكن أيضا يكتب لينتصر لإرادة و قوة الحياة و ينتشل الوجود من النسيان. أنت كشاعر عراقي مقيم في السويد، درست العلوم السياسية و الصحافة في يوغسلافيا  و تشتغل في الصحافة الأدبية السويدية و  تدير مقهى بغداد للشعر  و الموسيقى في السويد.    كيف يمكنك توصيف علاقتك بالغربة و بالكتابة.

 

ـ الاغتراب من الموضوعات الأساسية للقلق الإنساني و غربتي كغربة اي انسان. ذلك الطفل الذي يتجول في الشارع ليبع علب السجائر ليقاوم الموت في حين أن الأطفال في المدارس هو ليس أقل غربة مني. الظلم في العالم و المجتمعات التي تدمر و البشر الذي يسقط لعبة لأنظمة عالمية ليس فيها أي اعتبار للإنسان كلها أشياء تقوي من إحساسنا بالغربة. والشعور بالغربة يخفت لما تجد نفسك فاعلا في الحدث الإنساني و في حياتك الشخصية. تشعر و أن حياتك في يدك و بأنك قادرا على العطاء و مد يد المساعدة. قد نتوهم أننا لسنا بغرباء و لكن العكس هو الصحيح. كلنا غرباء و الحياة شارع الغربة الطويل.اللحظات الأخيرة للإنسان تختصر في جملة قصيرة” الآن انا ذاهب الى أهلي”. الكتابة هي ماء الغربة، تعمق من غربتنا في هذا العالم حينا و حينا تعطي للوجود معنى…لا أريد أن أجعل من غربتي شيئا مميزا…غربتي هي موطني الآن.

 

 

 ـ هل من أمل في العودة إلى العراق؟

 

ـ شخصيا، لا أعرف شاعرا عاد إلى العراق. الحرية التي تتمتع بها في الدول الغربية تجعل من العودة أمرا مستحيلا. هناك الثقافة الإنسانية في متناول اليد. هنا تقريبا كل شيء محرم. كيف يمكن لك أن تعيش و لسانك مقيد؟ أنا لا أرى من أفق مشترك بين شاعر يتحدث عن عشقه للحياة،  للأدب للموسيقى و للسينما و شخص آخر يتحدث عن عذاب القبر.

 

ـ هل الشعر في خطر؟

 

ـ الشعر لا خوف عليه. منذ دهشة البدايات و هو رفيق الإنسان و لازال. و لو قل عدد قراء الشعر اليوم بالمقارنة مع الرواية فهذا لا يعني أن الشعر غير حاضر. الشعر حاضر في لقطة السينما وفي الحوار المسرحي و في الرواية. الشعر أوسع من الدواوين فهو يتغلغل في كل مناحي الحياة. هناك أيضا شعر شفهي في القرى والبوادي لا تستطيع الحضارة الوصول إليه. هناك في السويد شباب يكتبون قصيدة الراب و هي نفسها في العالم. لذلك فرغم الرواج التي تشهده الرواية اليوم استطيع أن ازعم أن الشعر سيظل هو الشاهد الحي عن حياة الناس.

 

ـ ما هو تقييمك للمشهد الشعري المغربي؟

 

ـ أظن أن الشعر المغربي سيصبح حامل لواء الشعر العربي مستقبلا. هنا الشعراء يتمتعون بحرية أوسع ، و يستلهمون في صياغة جمالياتهم الشعرية من الآداب والفنون الأخرى؛ إلا أنه مع الأسف تطور الحركة الشعرية لا يواكبها تطور في حركة النشر التي تبقى متخلفة جدا. فما معنى أن يجبر شاعر على دفع ثمن طباعة ديوانه الشعري و يسهر على توزيعه و الترويج له؟ إنها معركة طروادية خاسرة تنتهي بضياع الشعر بين لعاب الشمس.

 

 

ـ الشعر؟

ـ ضرورة إنسانية.

 

ـ الحياة؟

ـ كل ما هو خطأ.

 

ـ السويد؟

ـ أصدقاء

 

ـ العراق؟

ـ الحلم الجميل

 

ـ الشاعر؟ (جاسم يتأمل غيوم سيجارته)

ـ ظل الانسانية.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* شاعر مغربي

 

 

خاص الكتابة

 

 

 

اقرأ أيضا

مقتطفات من أنطولوجيا الشعر السويدي

مقالات من نفس القسم