ثلاث قصائد

محمد العزوزي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

محمد العزوزي

وشوشة في أذن ديوجين

هلا منحتني مصباحك أيها المتهتك
اللعين
لأبحث عن كلب
تعودت على نباحه
لكنه لم يعد ينبح
بعد أن خفت الليل
وتلكأ النهار
في الغروب

هلا منحتني مصباحك أيها المتهتك
اللعين
لأبحث عن هذا الكلب
لا تخف لا أحد سيحجب عنك الشمس
إن أخذت المصباح منك‎
الإسكندر الذي لا تريد أن يحجب عنك الشمس
غرق في التاريخ
ولن يعود إلى آثينا مرة أخرى
ليقف أمامك
في عجرفة
فتتضايق منه

هلا منحتني مصباحك أيها المتهتك
اللعين
ودعك من الكسل التأملي
وقم حتى أنت معي
لنبحث أنا وأنت معا عنه ‏
ربما يكون الكلب الذي أبحث عنه أنا ‏
هو الإنسان الذي تبحث عنه
فأضعت من أجله كل وقودك الفلسفي
وأحرقت كل سفن أسئلتك
من أجله
ولم تجده

هلا منحتني مصباحك أيها المتهتك
اللعين
تشجع وانهض
لنبحث معا عنه
ربما يكون قد أصابته حالة داروينية جديدة غير معروفة
بعد أن عجز أن يكون إنسانا‎
فكر أن يجرب حالة تطورية أخرى
على النقيض
عوض أن يعود إلى حالته الأولى كقرد
أخطأ وأصبح كلب

هلا منحتني مصباحك أيها المتهتك
اللعين ‏
لأتأكد ‏
قد يكون مانبحث عنه
أنا وأنت ‏
كلبا في الحقيقة
وليس إنسانا ‏
كلبا استهوته ديموقراطية أثينا
فأسس حزبا
ووضع ربطة عنق طويلة
حول عنقه
كأولئك الكلاب المهمين‎
واستبدل النباح
بالإديولوجيا
والذهاب إلى المزبلة
بالتجول في الأغورا
على عادة الفلاسفة المشائين ‏‎
أو ربما قد يكون تيسا من التيوس
قد جاء للتومن القرون الوسطى
ودخل بلا وضوء فلسفي لليوتيوب
ليفتي تحت طلب كلب
من الكلاب

هلا منحتني مصباحك أيها المتهتك
اللعين
لأفتش في كل مكان
قد يكون في الميديا
ربما قد يكون صار مؤثرا
في غفلة من الجميع
ينازع سقراط في مكانته ‏‎
وصارت تعول عليه الحكومة
ليرقص ببطنه
ويفتي ‏
ويرغي ويزبد ‏‎
ويحلل بلا علم في السياسة الدولية
على اليوتيوب
والتيك توك
ويحكي للشعب نكاته السمجة
عن الدين والدنيا والآخرة
وتفاهات أخرى
وتبان ضائع على الطريق لفنانة شهيرة
لم تحل بعد لغزه
قناة شوف تيفي

هلا منحتني مصباحك أيها المتهتك
اللعين
لأبحث عن هذا الكلب
حتما سأجده
فما أكثر الكلاب بين البشر
وما أندر الحجارة
وإذا لم أجده
سأرمي الجميع بالحجر
الكلاب
والبشر
فحتما سيخرج لي من زاوية ما
كلب
ليعض
أوينبح
على غير عادة الكلاب
******

أفكار عارية تدخل الحداثة حافية في قصيدة النثر

‏1 –
ليس من الجيد
أن تحاول أن تربط
ناقة إلى وتد في قصيدة
كما كان يفعل إمرؤ القيس
لأنه ليس من الجيد القيام بذلك
لأن ناقة امرئ القيس
عقرها في وادي العذارى
فلم يعد للناقة ضرورة للوجود في الشعر
ولأن القصيدة تحررت
من كل الأوتاد التي وضعها الفراهيدي
فطارت بها رياح النثر
بعيدا في سماء اللغة
فصارت أكثر حرية مما كانت عليه في السابق
فلم يعد هناك من داع لتبحث لنفسها
عن قبيلة للانتماء إليها
لأن زمن القبائل والعشائر والأحزاب والأغراض والأعطاب انتهى.
‏2 –
القصيدة ابنة أفقها وكل قصيدة بلا أفق للكتابة وجب أن يدعس عليها بقوة.
‏3 –
القصيدة بنية وكل زاوية فيها بعد جمالي لهندسة اللغة لتمارس شرطها الوجودي في الإدهاش
وتشظية الأعطاب وإبعادها بعيدا في الأفق لتتلاشي كي لا تضبب وجه مرآة اللغة
‏4 –
في القصيدة ليس من الجيد أن نتصرف كمنعشين شعريين
بأن نبني أقفاصا عروضية وخيم ومآوي
أو عسس لحراسة تلك الحدود المتوهمة للقصيدة
لنأسر لغة مجبولة على الحرية في حيز ضيق
‏5 –
في الشعر يجب أن نكون شعراء فقط
وندع جانبا كل تلك الأعطاب والتهيؤات والأفكار المسبقة والمعرفة…
التي نعول للاتكاء عليها لنكتب…
يجب أن نلغي كل شيء
لحظة الخشوع الشعري
‏6 –
القصيدة ليس بالضرورة أن تدفع كشاحنة إلى الاصطدام بجدار النثر حتى تكون أكثر حداثة وشعرية
أو تعلق على جدار وزني مترهل تتدلى فيه الأوتاد والفواصل والتفعيلات بشكل مترهل لا يغري أحد.
بل يجب أن تنساب كلغة متدفقة صافية وحية مع الاحتفاظ بتلك الشاعرية التي يكون عليها النهر برأس الجبل قبل أن يفقده جريانه وحيويته السهل.
‏7 –
القصيدة بنت اللحظة الوجودية والحياتية التي تؤسس أفقها الوجودي على ضرورة القبض على المنفلت الذي يجب أن يعطى أجنحة لغوية ليطير بكل إبداعية وشعرية إلى المستقبل والفن…
‏8 –
في القصيدة لا يجب أن نقيم ونضرب الخيام بل أن نكون عابرين ولكن أن نترك أثرا قويا لمرورنا في الحياة والشعر والحياة والأحلام…
فالجميل في الشعر هو مايترك أثرا عندما يمر
‏9 – ‏
الإقامة في الشعر لا تعني الموت فالقصيدة بنت الترحال ورقصة أرجوانية في الأفق لإغراء اللاأفق للذهاب بعيدا في الإصغاء إلى شاعرية الليل الذي يتوقد بشاعرية في سماء اللغة لتكون متلألئة كنجمة دوما مهما استبد الليل.
‏10 –
القصيدة هي أن تقول كل الأشياء من اللاشيء وأن تصير اللاشيء وجودا شعريا في الشيء ودون أن لا تسقط في مطب أن تكون شيئا فقط.
‏11 –
القصيدة جرح اللغة الذي يعمقه الشاعر ليكون للتراجيديا ذاك المفعول السحري في تطهير الإنسان من اللاإنساني…
ليكون الإنسان إنسانيا أكثر
في اللغة والحياة.
‏12 –
القصيدة هي تلك الصورة الجميلة التي تشكلها بكل جميل فيك وتمنحها الحياة كنص وتظهرها متلألئة في وجه الماء والحياة.
ليس لتزهو بنفسك بنرجسية عبر اللغة بل لتجعل كل من ينظر للقصيدة يرى نفسه عاريا في اللغة فيأخذ الطريق معك إلى اللغة وإلى نفسه
‏13 –
الشعرية ليس أن نتقفى حافر ناقة تائهة
في براري التصحر الإبداعي
بحثا عن شاعر مات وترك
قصيدته معلقة معرضة لكل أصناف التحرش…
الشعرية هي أن تتيه في نفسك ووجودك…
وأن لا تجد نفسك إلا في اللغة.
لأن الوجود الإنساني لا يتحقق إلا بالوجود في اللغة.
‏14 –
القصيدة احتفال جمالي بوردة وتمديد شعري لفصل الربيع ليكون لغتها الوحيدة وليس إحياء لقبائل لا تعرف إلا سبي كل ما هو جميل في الحياة

****

عتاب إلى تشي غيفارا

هل كان ضروريا أيها الرفيق
الثوري جدا
والحالم جدا
أن تزعج أغنام الراعي الهندي
لتعلن الثورة
والقطيع الذي خرجت
من أجله
يستلذ قيلولته الطبقية
ويجتر في هدوء أعشاب القناعة
تحت أشجار
لها أسماء كثيرة

هل كان ضروريا أيها الرفيق
الثوري جدا
والحالم جدا
أن تتسلق جبال الأنديز
من أجل فكرة طوباوية
لتحرر
هنديا أحمر
أقصى ما يمكن أن يحلم به
أن يأخذ قيلولته
هوونعاجه
ويجتر أفكارا
عن القناعة
والحياة الأبدية
التي نسجتها كلمات
كاهن في جلسة تخدير

هل كان ضروريا أيها الرفيق
الحالم جدا
والثوري جدا
أن تترجل عن غرانما
وتجري كصورة أيقونية
في خيال هواة ثوريين
كل ما يجمعهم بك
صورتك
التي يعلقوها على جدرانهم الفسبوكية
ليتبرأوا من بورجوازتهم
التي أدمنوها
كما أدمنوا
القروض
والريع
والأحلام الطوباوية
في انتظار
مخلص مهزوم بمطرقة
ومنجل
وأفكار صدئة

مقالات من نفس القسم

علي مجيد البديري
يتبعهم الغاوون
موقع الكتابة

الآثم