ثلاثة فساتين لسهرة واحدة: سيرة ذاتية للحب، وأطوار المحبين!

موقع الكتابة الثقافي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

 

 

 

فارق ضئيل بين الحب الذي يتمناه المحبون، ذلك الذي تزين مفرقه الورود، ويلمع من عينيه الضياء، وتتراقص في محرابه الفراشات الملونة ويضوع بعطره الكون.. ذلك الحب الذي تمتليء به روايات المحبين ويغرم به المراهقون، وتتنهد فيه الحالمات متمنيات محباً مثل البطل، وتحترق فيه قلوب الرجال بالتضحية والإيثار ونار البدايات التي لا تخمد أبداً..

 

ذلك الحب الخيالي الجميل الذي يصدره لنا بعض الكتاب على أنه العالم الحقيقي.. وبين ذلك الحب هناك.. في سطور “أحمد مدحت”. ذلك الوجه الحقيقي، المتغير، المكافح وسط أمواج الحياة وبين جنبات لطماتها، ذلك الذي يحكي مع كل تغير لقسماته، ومع كل فرشاة زمن تلون ملامحه، عذاب وتعقل المحبين، ألوان الواقع وسرمدية العبث فيه.. ذلك الذي يرسم بكل تجعيدة في وجهه يوماً جديداً من أيام عمرك التي تتغير كما الزمن، ومعها يتغير إيقاع قلبك، ونبض عقلك.. وأطوارهما!

ربما كان أي نقد للرواية لا يفي بحقها الكامل في الإشادة، لكننا لن نغفل بكل تأكيد الإشارة لأسلوب السرد المميز، والتقطيع البارع إلى مقاطع صغيرة تنبهك/ وتلدغك أو توقظك للحظات قبل أن تسلمك لمقاطع أكثر إطالة وتفصيلاً. بأسلوبه المميز، ساحباً إياك خلفه بلا ملل ولا كلل، يصف المشاعر ويطرق أبواب الحب من زاوية المنجذب المنبهر بسحر البداية وجنون إطلاق العنان للتلقائية، وكذلك زاوية المحب الذي خبر الحفرة قبل الوقوع فيها.. معاً.. ويجمع في ذلك بالكثير مما يخطر ببالك ولا تفكر يوماً في صوغه لكلمات. كثير من المعاني التي تجول في بال المحبين، وربما لا تخرج من صدورهم، من انكسار الروح وغزوات القلب وجنونى العشق، من لذة التجريب ومرارة الذكرى وندم الخطوة الناقصة.. يصوغها “مدحت” دون أن يلمسها، بعبارت وتشبيهات ومعانٍ تدور حولها لتشير إليها، تلمس ذاكرتك فتبتسم في مرارة وحكمة، أو تهز رأسك موافقاً دون أن تدري.

برع المؤلف في خلق ثلاثة قصص لثلاثة معشوقات أجاد فيها لعبة الكشف والإخفاء، وتنقل في سلاسة بين الحاضر إلى الماضي، زارعاً لمحات الماضي في توقيتات مناسبة، وبجرعات مناسبة دون تطويل، وحتى يشدك للماضي دون أن تدري في لعبة سرد طويلة، بلعبة الذكريات.. كما ظهرت براعة الكشف والإخفاء، في مواطن عدة أهمها هو أننا لم نعرف بظروف “آدم” الأسرية إلا بعد انقضاء حوالي ثلث الرواية، برغم ذلك لم نفتقد للمعلومة قبلها، وبرغم ذلك أيضاً، فإننا مع كل صفحة ومع كل معلومة كنا نفهم الصورة العامة المزركشة البهيجة أكثر، فقد أجاد المؤلف رسمها في دماثة، وبراعة وجمال محسوسين!

الرواية سيرة ذاتية للحب، منتزعة اتنتزاعاً من صدور المحبين العاديين، المحبين المعذبين الأبرياء، والمذنبين والجناة في آن واحد.. يسرد مدحت تلك السيرة الذاتية مضفرة في أطوار المحبين في براعة.. عبر عشرين عاماً من العشق والحيرة والندم والرضا.. كيف انتقل حب “أدم”.. عبر مراحل عمره من حب البراءة في شخص “مها رشدي”، إلى البحث عن البراءة بعد أن أضاعها من يده، فيمن تحمل اسمها هي أيضاً “مها العزيزي”، التي تحمل عوضاً عن البراءة جمالاً وحشياً ينضح بالإغراء الشهواني الساحق، ثم تسأم نفس إفراط يمنة أو يسرة.. في “نيكول” التي يربطه بها رباط براءة “مها رشدي” والجمال الساحق لـ”مها العزيزي”

“آدم” ينتقل من السمراء للخمرية للبيضاء، من البريئة، للجريئة، للمعتدلة في التعبيرعن حبها. ثلاثة وجوه من الحب تجمعها سحر البدايات وشجن الحب المغلف بالحيرة والغيرة، والمبطن بالخوف من الفقد والرغبة في الامتلاك: وجه الغيرة والبراءة، ثم وجه الخبرة بالنكد والخوف من شظايا خيبات الأمل وبينهما وجه الحب المغلف بالتصميم العقلاني على النجاح، فما بالك يا “آدم” تحكي قصتنا جميعاً؟ ومابالك لا تغرقنا في معسول الكلام و”محن” المحبين.. بل تقودنا في ثتايا قصتك الشيقة، التي لم تصف لنا بقدر ما شففت عن نفسك، ونفوسنا؟

يظل الوصف هو نجم السرد الأول، وقيثارة الرواية التي ناسبت جوها، وبراعة الأمر تجلت في وصف الحب وإعادة سيرته عشرات المراتن فلا تمل، كمن يستلذ بشراب حلو المذاق، فلا يكتفي!

الرواية على قدر رقتها واضطرام صدرها بالمشاعر وأمواج العواطف فيها، تقوم رويداً رويداً بتجسيد الحب وطرحه كأنه كائن حي.. ثم تعمد لتشريحه على مهل، فيطرح مدحت في سبيل ذلك عدة أسئلة.. هل الحب للحبيب الأولِ؟ هل الحب الحقيقي هو حب لروح فقط؟ هل حب الروح طريق لحب الجمال، والافتتان بالجسد، كشفاه مكتنزة أو عيون زرقاء، أم العكس.. هل الحب ذنب؟ ههل يتغير فهمنا للحب مع خوضنا في مياهه العميقة، وبعد أن تلطمنا أمواجه فتوشك على أن تغرقنا؟ أم أننا نحن الذين نتغير، والعيب فينا، وليس فيه؟

 

“ثلاثة فساتين لسهرة واحدة”، رواية عميقة في بساطة طرحها لمكنونات صدور المحبلين، بسيطة في عرضها للسيرة الذاتية للحب، ذكية في عرض أطوار المحبين.. دون تجميل، وهي ما احتاجت ذلك التجميل، فالجمال لا ينقص حروفها ولا صفحاتها.. أبداً!

مقالات من نفس القسم