“ثلاثة فخاخ لذئب أعور” لمحمد سرور .. عندما نتوحد مع الحكايات

ثلاثة فخاخ
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

سما سـالم 

أجمل ما يمكن أن يحدث لقارئ نص أن يتوحد معه ويرى انعكاس لبعض ملامحه بين السطور، لو أنني فقد استطيع النهوض من على مقعدي هذا وأتحول لبائع وقت أحقق به أمنية من يخاف من لدغات عقارب الساعة ليستطيع السباحة وحتى قضاء أجازات طويلة خارج عالمه، لدي الكثير والفائض عن حاجتي للوقت، لو أنني فقط أتحول لبائع وقت!

ينتصر “محمد سرور” في مجموعته “ثلاث فخاخ لذئب أعور” للحكاية فيندمج القارئ مع كتابته وسرده السهل الممتنع، البسيط كلحن أغنية تستحوذ على الانتباه.

لو أنني فقط أتحول لبائع وقت فينتهي وقتي وأسترجع أحلامي من الجبل الذي يثقل ظهر فاطمة فيتسنى لي أن أقابلها في عالمها الآخر!

لطالما شعرت أني ولدتً بظهر محني فجاءت أسطورة “فاطمة” أو التفسيرات المحتملة لإنحناءها، جاء الغصب ل “فاطمة” فذابت كالوردة حتى اختفت تماماً وليتني أبدل ملامحي بملامحها فأبذل تماماً!

أو أبدل أو أن أبدل نهايتى مع نهاية البنت التي برائحة الحزن التي وجدت توأمها بعد نبذها عن الناس سنوات طويلة، لو أمكنني فقط أن أبدل ملامحب بملامحها حتى أعفى تماماً من سنوات لا طائل منها وأضع نهاية سعيدة لقصتي كنهايتها وإن لم أتمكن من ذلك أعطي كل وقتي لبطل الوقت الضائع يحقق أمنيته بالسباحة ولربما يمل من وقت فارغ مثلي ويشعر بالحنين لروتينه ووقته المسروق.

ثلاث فخاخ وضعها القدر بحياتي أو وقعت فيها بغباء قرار أحمق مني فأصبح لا مفر من أن أدفع الثمن ، ثلاث فخاخ كان وراءها بالتأكيد ذئب مشيت وراء خطواته فرجعت بحكاية وحياة مبتورة ، أجلس هنا فى الفراغ وأتعلق بأبطال الحكايات لأكمل حكايتي والآن أتعلق بالحكاية أتماهى معها فأصبح بائع الوقت أو فاطمة أو الفتاة ذات رائحة الحزن التي تتمنى يوماً أن تجد الحب!

هل تعرف الكاتب؟!

ربما لا أعرفه والآن عرفته من تفاصيل الحكايات.

هل تعرف نفسك؟!

أعرفها ..ولأني أعرفها أدرك الآن أنني مثل بطل “العرض الأخير” لا يملك خيار غير المسار الذي يتحدد له من خلال القيد الذي يقيد حركته ، ويقف غالباً خلف المسرح وحيداً لا يتسنى له أن يعيش الدور الحقيقي، الشعور الحقيقي الذي ينبع من داخله.

يعتمد “محمد سرور” فى قصصه على ورطة البطل ، البطل الذي يبحث بجد عن وقت مستقطع فى دوامة الحياة للبحث عن “لقمة العيش” لأن ابنته تستقبله وتقول

“انا جائعة، لا يوجد طعام وأنا جائعة!”

فيدور البطل فى مسار محدد كالذي يدور فيه بطل “العرض الأخير” لتوفير الأساسيات فى الحياة ولا يملك ساعة واحدة من الوقت ليسبح وهو حلم بسيط لا يجد الوقت ولا الراحة لتحقيقه فيظل يبحث في يأس عن “بائع الوقت” ويفشل فى النهاية فى أن يلحق بالوقت الذي اشتراه من البائع نتيجة لضيق الوقت وعوائق الطريق.

بينما نرى بطل “العرض الأخير” يتمرد على مساره الإجباري ويحاول قطع الخيط والقيد الذي يربطه بالمسرح وهو الدور المقيد بتمثيله وهو فى الحقيقة يكرهه.

وتنجح بطلة “رائحة الحب” أو بالأحرى ينصرها القدر بعد سنوات من النبذ والوحدة من الجميع حتى الأهل، وبحث أمها اليائس عن عريس مناسب يتحمل رائحة الحزن والتي بالضرورة ترتبط برائحة الحب التي تتميز بها البنت فيحبها الجميع لكن ينفر من وجودها لعدم احتمالهم لرائحة الحزن!

ثم عرف طريقها ببساطة نصفها الآخر يحمل نفس الرائحة ويتشاركان نفس الحالة والظروف ويقعان فى الحب وتنتهي حياتها مع من تحب وتنجح وتنتهى حياتها نهاية سعيدة لا نجدها غالباً في الواقع لكنها نهاية جميلة لقصة ذات فانتازيا حالمة ولطيفة.

عكس بطلة “أحلام قابلة للطيران” حيث تتجمع أحلام القرية كلها كالجبل على ظهر “فاطمة” وتفشل في قطع قيودها أو التغلب على نتوء ظهرها وعجزها فتقبل “الغصب” وتتزوج ممن لا تحب وكأنها هنا فقط قد أحنت ظهرها لعجزها ومن ثم لم تحتمل حتى ماتت وماتت معها كل أحلام القرية!

الوحـدة كلـب أسـود” فكـر “جاسر”، ورددهـا في نفسـه، كلـب يراقبــك مــن بعيــد، وينتظــر سقوطك يا “جاسر” ردد وهو ينوي في المساء أن يفتـت خيـوط تلـك الوحـدة، التـي قاربـت عـلى خنقـه، أن يفتتهـا بلوحـة لفتـاة متثـل لـه روح العـامل، فتـاة تأخـذ بيــده، وترشــده إلى روحــه التائهــة”.

تدهشني قدرة “محمد سرور” في الحكي وببساطة ، هو يذهب بعيداً بالقلم ، أنا أجلس هنا أفكر في وحدتي وأقرأ حكاياته ، أسرح بخيالي وأتمنى لو أسلمه سيناريو حياتي ليذهب بعيداً عن المعتاد لي أو أن أذه معه إلى “روح” التي اضطر لحبسها “جاسر” لشدة تعلقه بها.

أنتهي من القراءة لكني أتفقد صفحتي البيضاء كما “لوحة جاسر” وأحاول أن أرسم وحدي أي ملامح “لروح العالم”.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كاتبة مصرية،
المجموعة صادرة عن دار خطوط وظلال، حاصلة على جائزة ساويرس الأدبية في القصة القصيرة

 

 

مقالات من نفس القسم