د. مصطفى الضبع
دون وضع تصور ذهني للعبارة ودون الوقوف على حدود معناها ومقومات تفعيلها يردد الكثيرون مقولة “الجامعة قاطرة التنمية”، وبعيدا عن التصنيف العالمي الذي ابتعدت عنه جامعاتنا ودخولا في حالة سديمية للتطوير تقف جامعاتنا معزولة عن مقومات التقدم خطوة واحدة في سبيل الإنجاز العصري، لذا تظل الجامعة حلقة لا تختلف كثيرا عن حلقة التعليم قبل الجامعي حيث التلقين والحفظ سيدا الموقف، ولا تتيح ظروف العملية التعليمية فرصة لاكتشاف المواهب وتنميتها (يوما كنت رئيسا لقسم البلاغة والنقد وكنا في مجلس الكلية نناقش تعيين معيدين، كنت أحاول إقرار مبدأ يتأسس على أهمية حب المعيد لتخصصه، ذلك الحب النابع من موهبته في مجال التخصص وهو ما يؤهله للتطوير، يومها جادلنى العميد بقوله: الجامعة لا تبحث عن الموهوبين ولا تنشغل بهم).
تنص المادة 131 من الباب الثالث من قانون تنظيم الجامعات على: “يعين في الكليات والمعاهد التابعة للجامعة معيدون ومدرسون مساعدون ويكونون نواة أعضاء هيئة التدريس فيما بعد، ويقومون بالدراسات والبحوث العلمية اللازمة للحصول على الدرجات العلمية العليا وبما يعهد به إليهم القسم المختص من التمرينات والدروس العلمية من الأعمال تحت إشراف أعضاء هيئة التدريس وبالأعمال الأخرى التي يكلفهم بها العميد ومجلس القسم المختص “وتتبعها مواد تشترط حسن السير والسلوك وتحصر أسس المفاضلة بين المعيدين عند التعيين فى الدرجات الأعلى وتنص المادة (137) على: “يجوز أن يعين المعيدون عن طريق التكليف من بين خريجي الكلية في العامين الأخيرين……” وفي ظروف أشبه بالسرية بات الجائز فرضا، واعتمدت معظم الأقسام العلمية نظام التكليف الذى لم يحقق سوى مزيد من الضعف في مستوى عضو هيئة التدريس فإذا ما تكشف لنا مستوى المراحل التعليمية السابقة وما افتقده الطالب خلالها يفوق ما حصله أدركنا الصورة التى يتخرج عليها طالب قانونه التلقين والحفظ مما يجعله غير مؤهل للبحث العلمي وحيث تفوقه جاء وفق نظام لا يخدم البحث العلمي وإنما يمثل حلقة مغلقة أفضت إلى إغلاق عقله عن متطلبات البحث، وهنا الحلقة الأضعف التى ينبني عليها تعيين معيد يكون نواة لعضو هيئة تدريس وأستاذ فيما بعد، ومالم نقر أولا بأن متفوق الأمس ليس كمتفوق اليوم، وأن الزمن قد تجاوز قوانين لم تعد صالحة للحظة تاريخية راهنة، مالم يحدث ذلك سنظل نعاني من مستوى الخريج أولا ومن قدرات المعيد ثانيا ومن أداء عضو هيئة التدريس ثالثا.
وإذا ماقبلنا – اضطرار إلى حين – نظام تكليف المعيدين فالأقسام العلمية لا تضع من البرامج مايؤهل المعيد لأن يكون باحثا قبل أن يكون موظفا (تقليديا)، ففي مرحلة أولى تحول الأقسام العلمية والكليات المعيدين إلى مجرد موظفين (تحدد لهم أيام حضور لا يفعلون فيها سوى التوقيع في دفتر الحضور والإنصراف وما بينهما ينفذون برنامجا معتادا للموظف المصري التقليدي، وفي مرحلة تالية تحول الأقسام العلمية معظم معيديها إلى تابعين لأساتذة لاهم لهم سوى غرس مقومات التبعية ( لا أقصد التبعية العلمية بالطبع وحتى هذه لا أقبلها ولا يقبلها منطق بناء عقلية وتكوين شخصية علمية ومعرفية )، وفي مرحلة تالية يكون على المعيد وضع رسالته للماجستير وهو لا يمتلك مقومات الباحث ولا طموح العالم وبالطبع النتيجة معروفة يكتشفها كل متابع لوضع راهن لم يعد من المنطقي القبول به أو تقبل نتائجه، ويستمر الوضع على ماهو عليه فلا المعيد يطمح لتطوير ذاته ولا الأقسام العلمية تنبهت لمواطن القصور ولا الكليات والجامعات كاشفت لوائحها واكتشفت مواضع سعيا للإصلاح.
إنها الصورة التى تكاد تمثل قانونا عتيدا في الأقسام العلمية بالكليات النظرية خاصة ويبقى الوضع على ماهو عليه وعلى المتضرر اللجوء لله سبحانه وتعالى.
وللحديث بقايا