ترى الكون بأكمله في عماك

ترى الكون بأكمله في عماك
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

 وديع سعادة

مِثْل ظنون

ظَنَّ الترابَ غيماً

سقطَ ويبسَ

محتفظاً من الفضاء بلهاثِ ناسٍ كانوا يعبرون

في صحارى حارقة.

ظنَّ الشجرَ أياديَ دُفنت تحت التراب

في حروب قديمة

والعشبَ كلماتٍ كان القتلى يريدون قولها وهم يحتضرون.

ظنَّ العصافير نظراتِ موتى

تبحث عن عيونها

والأحجارَ رؤوساً

تبحث عن أجسادها

 

وظنَّ

ما يظنُّه

ظنوناً.

 

مَزارعُ أخرى

قال ستمطر، ستمطر كثيراً

ومذ قال وهو جالسٌ ينتظر المطر

عينٌ على الفضاء

وعينٌ على التراب

حتَّى انفصلتْ عيناه

واحدةٌ في الأرض وأخرى في السماء ولم يعد يرى

لا غيماً ولا فضاءً

ولا تراباً.

قال سأزرع نباتاً جديداً

لا يحتاج إلى تراب ولا إلى ماء

دَخَلَ في خياله وزرعَ ظِلاًّ

ومذ ذاك وهو ينام

في ظِلّ خيال.

 

قال… أيضاً

مرَّةً أخرى قال

سأعيد تركيب حياتي

خَلَعَ يداً ووضع مكانها زهرة

خلع عيناً ووضع مكانها ثمرة

خلع قدماً ووضع مكانها شجرة

خلع فماً، أُذُناً، قلباً، رئة…

ومشى في حديقته الجديدة

يبحث عن نفسه

ولا يجدها.

 

في التراب

في الحديقة شيء مثل خيال

يمشي

يبحث عن شيء مثل خيال

سقطَ منه في التراب وهو يزرع بذوراً

وضاع.

في التراب خيال

ضاعَ من مُزارعٍ خيال

في ترابٍ

خيال.

 

يريد النمل أن يعبر

ضَعْهُ هنا على الحجر الذي كان رأساً

هذا الرأس كي يصير حجراً أيضاً،

وَضَعِ العينَ في ثقب الإبرة الذي كان أصلاً محجرَها

وخرجتْ منه لتحيك خيوطاً وتضعَ الكونَ في بيت عنكبوت،

ولا تأبهْ لليد بل ارمِها

في القمامة هناك

مع اليد الأولى التي جبلتْ تراباً،

وأخرجْ أذنيك من سَمَعِِهما

إلى الفضاء الأصمّ

وقدميك من الطريق،

يريد النملُ أن يعبر

ويغنّي

ولا يريد أن يسمعه

أو يراه

أو يلمسه

أحد.

 

أقفلِ الباب أيضاً

أَقفلِ الباب أيضاً

قد تخرج أعضاءٌ منكَ وتضيع

تغافلك وتخرج إلى الشارع

وتصير أعضاءً لعابر مجهول،

فالأعضاء تلزمها أَقفالٌ

كي تبقى لصاحبها.

 

أَقفلِ الباب

وإلاّ تصير المجهولَ الذي

عَبَرَ على غفلةٍ أمام بيتك

واختفى.

 

… واغلقِِ الرموش

ولا تأخذِ العينَ في نزهة

فهي تضيع أيضاً ولا تعود تراك

تتبع عابرين مسرعين أو

تدخل في حدقة أعمى

تنبش ذكريات رؤاه التي

أنتَ لستَ فيها

فلا تكون في الحضور ولا في الغياب.

 

دعْ عينك في مكانها

واغلقِ الرموش

قد ترى عابرين كثيرين على جفنك

وكوناً بأكمله

في عماك.

 

الطريق

امحُ كذلك الظلَّ الذي رسمه عبورُك،

ظننتَ الطريقَ رسماً لدروب

والمشيَ خطواً على رسوم،

لكنَّ الطريق لم تكن خطوات

كانت الظلَّ

الممحوّ.

 

نوم المجرّات

مالَ على بالٍ، ونام

غَمَرَ أراضي بعيدة

في كواكب بعيدة

بزغتْ على وسادته وغنًّى لها

كي تغفو

غطَّى بلحافه مجرَّات باردة

مجرَّات جائعة تبكي على سريره

بحثَ لها عن نار

بحثَ لها عن طعام

في بهو مطبخ عتيق كان ذاكرتَه،

وما زال إلى الآن يهزُّ لمجرّاتٍ على زنده

علَّها تصمت

وتنام.

 

جَمْعُ نثار كلمة

أطلقَ كلماتٍ في الهواء وراح يلعب بها، مثل بالونات

يشدُّها ويرخيها… حتى انفجرتْ

واختلطتْ أحرفٌ بأحرف وضاعت أحرفٌ وما عاد يعرف

كيف يجمع الأحرفَ ولا كيف

ينطق بكلمة.

 

الكلامُ جَمْعُ نثارٍ، قال في قلبه

لَحْمُ أعضاءٍ لمجهولين ضائعين،

ومذ ذاك وهو يحاول

رتْقَ بالونات

ممزَّقة

في الهواء.

 

 

 

 

مقالات من نفس القسم

علي مجيد البديري
يتبعهم الغاوون
موقع الكتابة

الآثم