كتب أسامة حداد
في ديوانه الثاني “كارمينا بورانا في إذاعة مترو القاهرة” يعمق إسلام نوار تجربته والتي تحمل سمة واضحة في الجمع بين ثنائيات عديدة يصنع من خلالها المفارقة حيث الانتقال بين اللهجة المصرية الدارجة واللغة العربية والجمع بين شاعرية الانتهاك حيث خلخلة ما هو ثابت ومواجهة القيم الراسخة، وشاعرية الهذيان ويَبرز التناقض بين االواقع بامتهانه وقسوته حيث تلقى الألبان في البحر وتهدم البيوت وتأتي الصرخات من السجون والأحلام الباحثة عن عالم أفضل عبر المزج بين الموسيقى والثورة كعلامتين داخل النص.
وينطلق النص من خلال تقنيتي السرد الحكائي والمونولوج الداخلي والثنائية بين مستويين من اللغة فالنظام البنائي للنص الذي جاء دون عناوين داخلية يعتمد على آليات واضحة من خلال البدء بمقطع مكتوب باللغة الدارجة يحمل قسوة الواقع وامتهان البشر وتسليعهم وينتقل إلى قصيدة النثر بخطاب جمالي يواجه المسوخ وشبكة التعقيدات التي تحاصر الذات الشاعرة، أحيانا بتوظيف كتلة سردية وتارة في البناء المعماري المعتاد للشعر الحر ويعتمد على المقاطع ما يمنح حرية غير محدودة في الكتابة، وهو بهذا يؤكد أن قصيدة النثر نص تقدمي مفتوح قابل لتقديم اقتراحات لا نهائية في الكتابة، ويمتلك القدرة على توظيف مستويات متعددة للغة والكشف عن طاقاتها الكامنة.
وإذا كانت الموجة الأخيرة في قصيدة النثر والتي بدأت مع جيل الألفية الجديدة والذي ينتمي الشاعر إلى فئته العمرية فهذا الجيل أكثر فردانية وأقل اهتماما بالعالم ويقدم تجارب شعرية تمثل فيها الذات المنعزلة مركزا للعالم وتعيش ازمتها داخل قوقعة، إن التاريخ لا يعني غير سيرته والجغرافيا لا تبارح ظله، ومن هنا فالنص الذي أمامنا يحمل خطابا شعريا مختلفا، إنه يطرح أسئلة عديدة بداية من عتبة النص التي تمثل صراعا بين ثقافتين بما يشكله ذلك من حالة ديالتيكية تمتد داخل النص، حيث الذات متعددة تعيش في صراعات متواصلة مع مسوخ العالم ومع أحلامها وتشكل الموسيقى علامة سيميائية داخل النص الذي يجمع بين شعرية الانتهاك وشعرية الهذيان حتى ولو كانت الذات مدركة للقلق الذهاني المسيطر عليها وهو ما يكشف عنه داخل النص:
” الجحيم داخلي يخترع أي شيء كي أظل لا أكترث هل جننت أم لا ؟” ص 54 ” روحي التي تكرر ضياعها حتى بدت كوميدية أكثر من اللازم” ص 46 ” الشارع وَلَدَ انغرست قدمي في بطنه المفتوحة خطوت نحو عدم ولادتي قلتُ: أنا لن أولد” ص 20 ه
هذا الموقف من العالم والذي يجمع بين شعرية الانتهاك وشعرية الهذيان في مواجهة واضحة لمسوخ العالم وقسوته وثقافة الاستهلاك وشراستها يمثل في جوهره محتوى النص حيث التناقضات الحادة بين عالمين يفجر كثافة رمزية ويكشف عن مساحات الصمت وفراغات النص من خلال صراع متجدد بين الواقع بقسوته والأحلام التي تمثلها الموسيقى والثورة ويتجلى ذلك في صراع الذات مع العالم إنها ليست ذات منسحقة ومنعزلة منكفئة على نفسها ومتقوقعة إنها ذات تقاوم هزائمها من خلال تمسكها بما هو جمالي حيث الموسيقى تمثل علامة مركزية داخل النص بداية من عتبته وهي جزء من جسده لا ينفصل عنه ويمثل العنوان كذلك مفتاحا للقراءة ويكشف عن مفارقة نصية ولفظية في آن والمفارقة ليست لعبة من ألعاب اللغة بقدر ما هي فلسفة ورؤية حيث الجمع بين متناقضين وهما ما يبدو جليا بين كارمينا بورانا الأغنية الشهيرة القادمة من القرون الوسطى التي تستند إلى نصوص كتبت معظمها اللاتينية مع مزيج من البافارية الجنوبية والعامية الفرنسية وإذاعة مترو القاهرة ..
من مقال بين شعريتي الانتهاك والهذيان تنطلق كارمينا بورانا .. على موقع نخيل عراقي
……
يمكنكم تحميل الديوان من >> هنا