بصمة طارق إمام

غربان
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

حسن عبد الموجود

كتب طارق إمام على فيس بوك، مرة، ما يعني أنني من بدأ محاولة التعرف إليه. كتب أنني طلبت أعماله، من خلال جريدة “أخبار الأدب”، فقد كانت مثل أعمال كثيرة لا تصل إلينا في الصعيد، وقد كان ما كتبه حقيقياً، واكتشفت لحظتها أنه يكتب عن زمن يكاد يكون تجاوز الـ18 عاماً.

في ندوة حضرتها أخيراً في الصعيد سألني أحدهم عن تأثير الصحافة على الكاتب، وبدون تحضير تحدثت عن طارق الذي استطاع تحييد مارد الصحافة من طريقه، وكان أكثر تركيزاً في مشروعه الكتابي، في مقابل كثيرين مثلي أخذت منهم الصحافة الكثير. عبر هذه السنوات التي تبدو طويلة الآن مضى طارق في كتابة القصة والرواية. نشر في كثير من الصحف، أيام أن كنا نتلهف على رؤية أسمائنا تتصدر أعمالنا، فيها.

 منابر ما زالت قائمة وأخرى اندثرت، لم نكن نعرف وقتها لا “فيس بوك” ولا مدونات. كان الأمر شديد الصعوبة مقارنة بما يجري الآن، فدور النشر كانت معدودة بما فيها الحكومية، وعليك أن تنتظر شهوراً طويلة حتى يرى عملك النور، لم تكن هناك حفلات توقيع ولا سوشيال ميديا والمسافة بين الكتاب، حتى من يعيشون في مدينة واحدة، كانت تبدو متباعدة، وقد ضيَّقت مواقع التواصل الاجتماعي هذه المسافة بينهم كما ضيقتها بينهم وبين متابعيهم.

بدأ طارق مبكراً جداً بمجموعته التي كشفت، على الأقل، حساسيته تجاه اللغة “طيور جديدة لم يفسدها الهواء”، وبعد عامين، في 97 أصدر مجموعته الثانية “شارع آخر لكائن”، وبعد فترة كمون بدا أن الانفجار الروائي في مسيرته قد حان موعده، فمن “شريعة القطة” إلى “هدوء القتلة”، و”الأرملة تكتب الخطابات سراً”، و”الحياة الثانية لقسطنطين كفافيس”، وانتهاء بـ”ضريح أبي”، وقد تخللت هذه الأعمال مجموعة “حكاية رجل عجوز كلما حلم بمدينة مات فيها”، وهذه الأعمال لديها خط متصاعد، ومرتبطة بروحه ولغته وطريقته المميزة في السرد، وكل منها يشكل حالة في حد ذاته، حالة لأنه يميل إلى التجريب، ولكنه مهما قطع أشواطاً في ذلك التجريب لا ينسى أبداً الخيط الذي يلضم كل أعماله فيما يشبه العقد، والذي تزينه روايته الأحدث “ضريح أبي“.

بنفس الجدية والتركيز الكبيرين، اللذين يحتاجهما أي كاتب يريد أن يصنع لنفسه بصمة، اختطَّ لنفسه مساراً ثانياً بالكتابة النقدية، وقد كتب عن معظم مجايليه، وأعمالهم، بلغة بديعة تخصه أيضاً وحده، وبمنظور جديد لا يحاول التمسح بثوب الناقد المتفلسف أو صاحب المصطلحات الكبيرة، فمعظم من قدمهم كانوا يحتاجون إلى كتابة موازية أخرى تصلح للبحث في قضاياهم الصغيرة وتفاصيلهم التي يقدمونها، وكل مقال كتبه يبدو وراءه مجهود غير عادي في القراءة ومحاولة الإمساك بالمفاتيح الأساسية للعمل، وهكذا كان كل مقال له أشبه بإضاءة قوية تكشف، حتى، الزوايا البعيدة التي كان يمكن أن تضيع لو لم يكن الضوء المسلط بهذا القدر، وأياً كان تقدير الأشخاص لإبداعه، فالمؤكد أنه يقوم بخدمة كبيرة فيما يتعلق بكتابته النقدية للأجيال الأحدث.

حصل طارق على عدد من الجوائز يستحقها تماماً، وأبرزها جائزة متحف الكلمة الأسبانية، عن أقصوصة صغيرة جداً، تقف، على الطرف الآخر، في مواجهة عمله الضخم “الحياة الثانية لقسطنطين كفافيس”، لافتة إلى مقدرة غير عادية على الإيجاز وأيضاً على مواصلة العدو إلى أطول مسافة ممكنة بدون “نهجان” لا من الكاتب ولا من القارئ أيضاً. طارق إمام باختصار من نوعية الكتاب الذين تنتظر منهم، دائماً، شيئاً جديداً، مع كل عمل حديث، أو دراسة نقدية.

 

عودة إلى الملف

 

 

 

 

مقالات من نفس القسم