حسن.. ستسمح للمرأة، أي امرأة، بكلمات بسيطة، ففي هذا العالم ليس مسموحاً بالحوار، أنت من يضع القوانين، والفرائس لا يمكنها أن تختار مصيرها، أنت تعلم أنهن يحاولن إدخالك في متاهاتهم. أنت طيب، ولهذا السبب فقط فإن “الأفعى أبداً لم تنفث سمها”، ورغم ما يوحي بأن هناك إشارات للتقاطع والمودة، إلا أنك لن تتقاطع معها/ معهن أبداً: “كينونتك الطائشة في الفراغ اليوم رأيتها بعيني واهتززت في مكاني، تأكدت أن في هذه النقطة البعيدة تكمن حياة لن يمكنني أبداً أن أدخلها”. وكما تبحث عن كينونتها فهي أيضاً ستبحث عن كينونتك: “هي لا تبحث عن نقطة واحدة بل عن نقاط عديدة تعرف أنها تشكل كيانه الغريب، تؤمن أن كل نقطة على صلة بالأخرى وأنها ستكون منها خريطة ستعود إليها كل ليلة مراراً وتكراراً”. لقد أطبق الفخ على الفريسة، وهي لن تغادره أبداً، ولو غادرت سيبقى جزء من جسدها هناك: “شعراتك الساكنة في السرير، في الحمام، على ملابسي، فجأة ودون انتظار لملاقاتها أجدها هناك تلمع في وجهي. منذ قليل كانت تنتمي إليك، كانت تشكل جزءاً صغيراً من كينونتك والآن تنتمي إلىَّ لأنها تلمع في وجهي، تسبح هائمة وحدها في البيت. أدور خلفها، أسحبها في مداراتها، أمعن فيها للحظات وأطلقها ثانية في الهواء، لن تعود مرة أخرى إلى جسدك لكنها كذلك لن تغادر بيتي”.
حتى لو غابت عنك يمكنك أن تستحضرها: “عندما تغيبين أغطي المساحة التي يحتلها بجانبي جسدك على السرير”، والحقيقة المؤكدة “استلقاء واحد على السرير سيعيدك إلىّ أينما كنت”. أليست هي من تقول لك “أموت من أجلك”؟
2
في ديوان يماني الجديد الصادر عن “ميريت” يبدو العالم أقرب إلى سجن لا تستطيع الذات مغادرته، ومهما نوَّع في الضمائر، فالمؤكد أن هناك روحاً واحدة قلقة بامتداد الديوان، روح تحاول التظاهر بالتسامح، لا تريد الاستسلام لموتها البطيء ولكنها تكاد تجزم به، كان يماني تلك المرة مهموماً بصياغة أفكار عن العالم، مرتبطة، في الأغلب بالفكرة الرئيسية التي تصبغ الحياة الرمادية المتوحشة:
“لشهور طويلة
يتلوى من آلام لا يعرفها،
تُطلقُ عليه من جميع الجهات.
لشهور طويلة
كان هدفاً خشبياً للتمرين على ضرب النار.
الرصاصات تنبجس في مواضع مختلفة
لكنه فكر: الألم هو مجرد ألم
مهما تضخم أو امتد فلن يكون له اسم آخر”.
السرد حاضر، حتى وإن كان سرداً عما يدور في الدماغ، العالم ضبابي، بلا خلفيات، كالحلم، إذا كانت المشاهد داخلية، أي في الحجرة، وأنت لا يمكن سوى أن تلحظ سوى السرير في تلك الحجرة المخيفة، وقطرات الدم التي تنقط باتجاه المرأة، ولكننا لو غادرنا تلك الحجرة قليلاً سيعود يماني إلى فرشاة الألوان الثقيلة، حيث يبدو كل شيء واضحاً حتى وإن غطاه الغبار:
“الغبار المتناثر من مصنع الدقيق غطى أعواد الفول في الحقل المجاور لبيتك، كان مبهراً تناول الحبات الخضراء بقليل من ذرات الخبز، ولأن الحياة لا تستقيم هكذا فقد نشأ ألم غريب في المعدة، وكان عليهم إضافة الحقل إلى مخزن المصنع/ وهنا لم تعد هناك دهشة في المدينة والغبار غطى كل شيء بهدوء ودون حاجة لأن يلحظه أحد”.
3
لا تحاول أن تغادر غرفتك. ما تعرفه هنا أفضل مما ستلاقيه هناك فأحياناً: “يحفر الواحد نفقاً ويمضي فيه وحيداً، ظناً منه أنه يحفر كي يصل به النفق خارج أرضية الزنزانة وما إن يشتم الهواء الجديد حتى يجد أنه قد عاد إلى الناحية الأخرى من زنزانته”.