قلولي بن ساعد
عندما أقدم الفيلسوف الفرنسي ميشال أونفري المتمرد على التقاليد الأكاديمية وعلى كل قيم المأسسة الأكاديمية المكرسة في أعرق مؤسسة جامعية في فرنسا، وهي السوربون التي وصفها ميشيل فوكو بأنها أشبه بعجوز برجوازية على تأسيس ما سماه (بالجامعة الشعبية كون) سنة 2002 تحت شعار الفلسفة للجميع بمسقط رأسه أرجونتون بمنطقة النورماندي
حسب رواية الناقد المغربي محمد طيفوري في مقال له بعنوان (ميشال أونفري.. مفكر إشكالي غايته أن تكون الفلسفة للجميع).
فقد فعل ذلك، يقول محمد طيفوري بعدما وصل اليمين المتطرف بقيادة جون ماري لوبن إلى الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية الفرنسية، وذلك من موقعه كفيلسوف ومثقف عضوي يرى أن قيم الجمهورية الفرنسية قد أضحت في خطر.
هذا هو المثقف العضوي الجدير بهذه الصفة التي لا تتنافى أبدا مع مكانة الأستاذ الأكاديمي والتراتبيات الإجتماعية والمهنية التي يحرص عليها بعضهم أشد الحرص.
الأمر الذي جعل ناقدا عربيا هو الدكتور يحي بن الوليد أن يطرح رؤية هي (الشعب بديلا عن المثقف)، ضمن حالة عربية ينصرف فيها المعنى إلى الشعب بوصفه (مثقفا عاما).
وليس بعيد ا عن ذلك يروي المفكر اللبناني علي حرب في كتابه (أصنام النظرية وأطياف الحرية..نقد بورديو وتشومسكي) “، أن الرئيس الفرنسي الأسبق جيسكار ديستان سئل هل يخشى كمسؤول سلطة أخرى فوق سلطته.. ؟
فرد قائلا :
أخشى المثقفين. ” (01)
يحدث هذا في فرنسا ولا يحدث عندنا لأن المثقفين عندنا لم يشكلوا بعد (كتلة تاريخية) بالمعنى الغرامشوي للكلمة أو على الأقل قوة رمزية فاعلة تستمع لها السلطة وتأخذ بآرائها على نحو يمكنها من تمرير منظورها الخاص تحقيقا لمبدأ الشراكة الثقافية بين المثقف والمؤسسة الثقافية الرسمية، كخطوة تمهيدية قبل الشروع في التحضير لبنود المشروع الثقافي الوطني الذي لم يتأسس بعد منذ لحظة إستعادة السيادة الوطنية سنة 1962
وفي كل مرة تجود علينا الصدف بوزيرللثقافة مثقف أو هو قريب من الحقل الثقافي نتفاءل خيرا ثم سرعان ما تتسرب إلينا الخيبة والإحباط لأن نفرا من المثقفين وأدعياء الثقافة البائسة من المحيطين بهذا الوزير أو ذاك زينوا له سهولة المهمة في التعامل مع المثقفين كتبع وكقطيع ثقافي وليسوا شركاء له في الهم الثقافي.
مما جعل مثقفا محنكا وعارفا بسرايا السلطة وهو الروائي الجزائري الطاهر وطار يخصص لعلاقة المثقف بالسلطة في تقلباتها ومنعطفاتها المتأرجحة بين الصمت أو الغضب أو الإسترخاء على سرير بروكست رواية هي رواية (قصيد في التذلل).
وهي الرواية التي قدم فيها الطاهر وطار نقدا لاذعا لأداء المثقف الجزائري في علاقة بالمؤسسة الثقافية الرسمية، التي تقضل التعامل معه بوصفه أحد أدواتها وليس شريكا ثقافيا لها.
و لم يتردد أبدا في أن يهدي هذه الرواية إلى صديقه الروائي الليبي إبراهيم الكوني مذكرا إياه بصاحبه الذي رهن بعيره وظل يتألم ندما فيما أصحابه وبعني بذلك طائفة من المثقفين فقد رهنوا أنفسهم وهم فرحون
وهذه الرواية تعد بحق شهادة حية من روائي مكرس عن هذا التذلل والخيبة، على الرغم من أن الطاهر وطار هو نفسه كما يعرف الجميع ترعرع وتشكل مساره النضالي والسياسي والفكري في ظل منظومة الحزب الواحد الذي سرعان ما تمرد عليه بوصفه مبدعا في المقام الأول ولنزعته اليسارية التي لا تخفى على أحد.
وبالطبع فأنظمة أنظمة الحكم السياسي الشمولية المنبثقة عن حروب التحرير في العالم الثالث، تنتج أيضا مثقفا شموليا يؤمن مثلها بالخطاب الأحادي والممارسة الأحادية الستالينية وبإحتكار الحقيقة والمعرفة والتاريخ.
حتى ولو حاول إستغفال القارئ والكذب على نفسه وبناء خطابات ثقافية هي بعيدة كل البعد عن ممارساته اليومية ولا يؤمن بها أصلا.
ولم تكن أبدا موضع هم ثقافي ووجودي يسكنه. فكل منظومات المعرفة والثقافة والتربية التي ترعاها مؤسسات الدولة وتسمح بها بتداولها في الفضاء الإجتماعي والثقافي والتربوي هي تدرك تماما أبعادها النفعية والتقنية المحضة لضبابية الرؤية لدى الاجيال اليائسة من المستقبل و التي لا تتجاوزطموحاتها لحظة إفتكاك الرغيف.
ولا يمكن أن تساهم في بناء المواطن الحر وتنشئة جيل من المثقفين تتحول لديهم الأفكار إلى أفق بعيد المدى.
فلا معنى للأفكار خارج محمولها التاريخي ونبضها العضوي مثلما يرى المفكر الماركسي غرامشي. وما نراه من خروج عن الصف وعن قيم (الطاعة الأبوية) لأنظمة الحكم الشمولية لدى بعض المثقفين في بعض البلدان العربية هو مجرد إستثناء وتمرد محدود التأثيرولا أهمية له.
والشواهد على ذلك كثيرة وهي لا تخص تيارا واحدا من تيارات الفكر والمعرفة أو فضاء واحدا من الفضاءات الثقافية في المشرق أو المغرب العربي.
بل يطال الأمر فضاءات ثقافية كثيرة ومنها فضائنا الثقافي العربي الذي لا يخلوا بطبيعة الحال مما سماهم جان بوتوريل (المحتالين) في كتابه (أعزائي المحتالين) الذي ينقل عنه باسكال بونيفاس في كتابه (المثقفون المزيفون / النصر الإعلامي لخبراء الكذب).
حكاية طريفة ولكنها مؤلمة أيضا مفادها أن ” الرئيس فرانسوا ميتران الذي كان قد إنتخب رئيسا للجمهورية قبل وقت قصير وتلقى من مارغريت تاتشر دعوة لزيارة المملكة المتحدة طلب أن يلتقي بعدد من مثقفي البلد فأجابه موظفوداونينغ ستريت بأنهم ربما يجدون له كتابا أو فنانين أو مؤرخين أو فلاسفه ولكنهم لن يجدوا له مثقفين ” (02).
ومعنى هذا فأن تكتب بعض النصوص الإبداعية والنقدية أو الفلسفية والسوسيولوجية بصرف النظر عن قيمتها الفنية والفكرية وعامل الصدق الكامن فيها لا يعني هذا أنك مثقف.
لأن المثقف بحد ذاته قوة رمزية لا تقل أهمية عن القوة المادية التي هي بيد السلطة السياسية بالمعنى الذي تمكن فيه المفكر القدوة إدوارد سعيد من نحته لمفهوم (المثقف المنشق) ” المعادل الموضوعي عن (الأدب المنشق)، الذي فصل فيه في إطروحته عن النقد الطباقي المنشق عن رغبة الأخر في الهيمنة وعن كافة السلط والشعبويات الرمزية والثقافية والسياسية.
ولم يتوقف عند حد نحت المفهوم (المثقف المنشق أو المثقف الطباقي) في أفقه التقني الميكانيكي المستخدم من طرف بعض المثقفين ببعده النظري الواجهاتي الذي لا أهمية له من دون أرضنته.
بل مارسه طيلة حياته العلمية والمهنية، للدرجة التي جعلته يقترب كثيرا من سارتر ومن غرامشي ومن (نبي العالم الثالث) فرانز فانون بحسب توصيف سارتر لفانون أو (وكيل الحقيقة المنتهكة) كما وصف فانون الناقد الهندي ما بعد الكولونيالي هومي بابا
ولم تمنعه مطلقا رتبته العلمية ولا وموقعه كمفكر وناقد أكاديمي متخرج من أعرق الجامعات الغربية من الخروج من سجن التخصص إلى فضاء الممارسة اليومية والنضال الفكري والنقدي الذي لا يتعارض مطلقا مع هيبة المثقف الأكاديمي وعلو مكانته الإجتماعية والعلمية.
والدليل على ذلك أنه بالإضافة إلى كتبه الفكرية الشهيرة (الإستشراق) (الثقافة والإمبريالية) (تأملات حول المنفى) (جوزيف كونراد ورواية السيرة الذاتية) وغيرها التي بوأته المكانة العلمية المرموقة في قلب المركز الثقافي الغربي بوصفه الفضاء الإبستيمي المنتج للنظرية النقدية الغربية بصرف النظر بما ترتب عنه من تفاوت في أشكال التلقي النقدي والترجمي في الجهة الأخرى لدى مثقفي الأطراف.
منذ أن شرع في تقويض أركان الإستشراق الغربي أو (الإستشراق المخيالي) في تعامله مع ثقافة الأطراف وخصوصياتها التاريخية والثقافية.
فقد كان دائم الحضور بمقالاته الصحفية في الصحافة الأمريكية مدافعا عن حق الشعوب الضعيفة في الوجود والكرامة، محاولا ردم تلك الهوة العميقة بين التابع والمتبوع متكئا على ما كان قد سماه في دراسة أنتروبولوجية ما بعد كولونيالية (التابع والمحاورون الأنتروبولوجيون).
الأمر الذي قاده في مرحلة لاحقة إلى ردم فجوة أخرى لا تزال قائمة عندنا بين أستاذ النظرية والمثقف النقدي أو (المثقف العضوي) بمفهوم غرامشي، بالمعنى الذي حعل الفيلسوف الفرنسي جيل دولوز، على ما يذكر المفكر التونسي فتحي المسكيني ينبه إلى ضرورة الفصل بين نوعين من المثقفين النوع الأول :
يسميه جيل دولوز المفكر الخصوصي ويمثل له بنيتشة وسارتر وماركس وكيركغارد والنوع الثاني :
هو الأستاذ العمومي دكتور القانون (ليس القانون بمعنى الحقوق).
ويسميه أيضا بدكتور العمومية الذي رضي أن يغلق على نفسه داخل دائرة ضيقة هي دائرة التخصص غير عابئ بما يجري خارج قاعات الدرس مكتفيا في غالب الأحيان بما تتيحه له مهنته من أوجه (النقد الصالوني) بتعبير السوسيولوجي الجزائري عمار بلحسن الذي لا يتجاوز صداه المساحة الفاصلة بين بيته والجامعة.
وهنا مأزق المثقف النقدي عندما يضحي بحريته النقدية بما ذلك الحرية الأكاديمية.
وليس خافيا على أحد ان ما يسمى بالحرية الأكاديمية يكاد يكون معدوم الأثر في أغلب المؤسسات الجامعية العربية والعالم ثالثية عموما للإرتباط العضوي بين المؤسسة الجامعية والمؤسسة السياسية الرسمية إرتباط هيمنة المؤسسة السياسية على المؤسسة الجامعية.
وهو نوع من أنواع الهيمنة يكاد يغطي كامل (الفضاء العمومي) بمفهوم هابرماس ومنه الفضاء الجامعي بالطبع
وأحيانا حتى في بعض الدول الغربية الأوربية والأمريكية التي قطعت أشواطا مهمة على صعيد دمقرطة التعليم والنظم التعليمية.
فعدنما كان ميشيل فوكو طالبا بجامعة السوربون كانت أغلب كتب نيتشة خاصة كتابه (إرادة القوة) ممنوعة من التداول في أقسام الفلسفة والعلوم الإجتماعية بجامعة السوربون، مما جعله ينخرط في قراءة نيتشة خارج السوربون قبل أن يفكر في التعريف بنصوص نيتشة الفلسفية لدى الجمهور الفرنسي بعد تطهيرها من الدنس النازي مثلما يقول بسبب أن كتاب (إرادة القوة) فهم خارج ألمانيا على أنه ينطوي على شئ من التطابق لمنطق القوة الخطابي مع العدوان النازي.
والأمر نفسه حدث مع نصوص الفيلسوف والموسيقي فاغنر الفلسفية والموسيقية التي تعرضت للتعتيم حتى داخل السوربون المؤسسة الجامعية الرسمية بسبب أن موسيقى فاغنر قد تم إستعلالها من طرف الجييش الألماني لبث القوة والإرادة في الجندي الألماني.
وهذا ما يحاول التعرض له بشئ من التحليل والنقد ناقدا ومفكرا بارزا وعارفا بدهاليز الجامعات الغربية والعربية هو إدوارد سعيد عندما يضع مسافة للتأمل ما بين حدود الأكاديميا وحدود السلطة قائلا :
” ان الأكاديميا في أجزاء أخرى من العالم العربي هي جزء من النظام السياسي وأن المناصب الأكاديمية في أغلب الأحيان هي مناصب سياسية صريحة ليس إلا ” (03).
وفي المنعطف المقابل يحيل إدوارد سعيد القارئ في مقاله (الهوية والسلطة..الحرية والحاكم والرحالة) المنشور ضمن فصول الجزء الأول من كتابه (تأملات حول المنفى) على واقعة ثقافية وعلمية كان أحد رموزها وتتمثل هذه الواقعة في مشاركته في ندوة علمية خصص لها محاضرة حملت عنوان (الهوية والسلطة والحرية) العنوان الذي أثارزميلا له في الجامعة الأمريكية عندما فهم منه أن الهوية هي الكلية والسلطة هي الإدارة قبل أن يهمش في إذنه قائلا :
أن الحرية هي التقاعد.
وهو يدعو الى الحد ما يسميه ” بخطر الإختصاص ونزوع الأكاديميا إلى التركيز على العضوية بمعناها المهني بما يعني التضييق على وعي الباحث النقدي ” (04).
ولتبرير موقفه النقدي لا يتردد إدوارد سعيد في إستدعاء تجربته الخاصة في الخروج قليلا عن عبادة التخصص، في مجاولة منه للتوفيق بين ضرورة الإحتصاص وعدم التضحية بما يسمى الحرية الأكاديمية من خلال موقعه كأستاذ للأدب الأنجليزي والأدب المقارن في جامعة كولومبيا بالولايات المتحدة الأمريكية.
الموقع الذي لم يمنعه من الكتابة في الصجافة الأمريكية والتعبير عن مواقفه المؤيدة لحق الشعوب الواقعة تحت نير الظلم والإفصاء.
وهو على الدوام ” متأثر بتجارب المنفى والأمبريالية ومشكلات الأمبراطورية التي تمس كثيرا من إهتمامات الأدب الغربي الحديث (05).
وحتى عندما يحاول الخروج قليلا عن إجبارية التخصص وضرورة التقيد بالأعراف الأكاديمية فهو يكون معنيا بوضع مسافة نقدية ما بين مهنتين مثلما يرى
المهنة الأولى :
هي مهنة المختص فيما المهنة الثانية :
هي مهنة المثقف
وهو وضع يبدوا متناغما أشد التناغم مع مفهوم إدوارد سعيد لقضايا الهوية والهجنة وبلغة بيل أشكروفت وبال أهواليا (مفارقة الهوية)، يتجلى ذلك بجلاء في الكتاب الذي كتباه بيل أشكروفت وبال أهواليا عن إدوارد سعيد وحمل عنوان (إدوارد سعيد مفارقة الهوية).
فهو هنا وهناك هو أستاذ النظرية والناقد الأكاديمي وفي نفس الوقت سرعان ما يحاول التخلص من هذه الهوية النقدية المغلقة في وجه الحرية الأكاديمية لصالح هوية أخرى هي هوية المثقف الحر الخارج عن قيم المأسسة الأكاديمية.
طالما أن المثقف عند إدوارد سعيد ” ليس مجرد أستاذ أو مدرس وليس مجرد مختص متلفع بعباءة السلطة واللغة الخاصة والدربة الخاصة ” (06).
من دون أن يصرف النظر عن جوهر الحرية الأكاديمية عندما يتعلق الأمر بأستاذ جامعي مثله قدم إلى الفضاء الجامعي الأمريكي من خارج الفضاء الأمريكي ومن خارج الفضاء الأورومركزي أي من الهامش العربي
الجوهر الماثل في منظور إدوارد سعيد في النقد الموجه للمنهاج الدراسي التقليدي في الفنون الليبرالية وفي العلوم الإنسانية الغربية من طرف أستذة وأكاديميين من أصول غير أمريكية وغير أوربية تلقوا تكوينهم الجامعي في قلب المركزية الغربية الجامعية بمعني أن المنهاج الدراسي المأمول من طرف شركاء إدوارد سعيد في المنفى ينبغي أن يعكس حسبه ” مصالح الجماعات الإجتماعية التي عانت القمع أو التجاهل أو التعتيم بصيغ طنانة ورنانة ” (07).
وهو يثمن إقدام الجامعات الغربية تحت ضغط شروط التعددية الثقافية بآداب المجتمعات غير الغربية المنتجة خارج المركزية الغربية وبنصوص النسويات غير الغربية وبموضوعات مثل الثقافات الشعبية وبالأفكار الخاصة بالجنس والعرق والآخر والأمبريالية والعبودية وغيرها من الموضوعات التي إتكأ عليها في نقده للمعتمد الغربي من المنهاج الدراسي في العلوم الإنسانية والإجتماعية وغيرها مما ذكره في كتابه (تأملات حول المنفى) ثم ضمنها في مدونته النقدية الرافضة لهيمنة الآخر عندما كان بصدد الإشتغال على موضوعات كتابه (الثقافة والأمبريالية).
وإدوارد سعيد لا يحاول بالطبع الحط مثلما يرى من قيمة ومكانة زملاءه هنا أو هناك من الأساتذة والباحثين المعزولين عن حياة الناس وهمومهم الفردية والجماعية خارج الأسوار الجامعية.
بل يتطلع إلى ” العالم الأوسع حتى يتسنى للمثقف أن يلعب دوره الخاص، وهذا الدور هو أساسا مناوئ للإجماع والأرثوذسكية ” (08).
ومع أنه يرى ذلك صعبا بعض الشئ على بعض الأكاديميين خاصة أو لئك الذين يشتعلون في الجامعات العربية والعالم ثالثية المهيمن عليها من طرف أنظمة الحكم الشمولية.
بصورة هي أقرب إلى مفهوم ماركس عن (المهيمن عليهم من طرف الهيمنة).
وهي صعوبة تجد تبريرها المرن لدى أولئك الذين يتلفعون بالبراغماتية الضيقة للحفاظ على مكاسبهم الشخصية وصاينتها من إجبارية الإنصياع لسلطة أخرى تضع السلطة الأكاديمية تحت المراقبة ولا تسمح بالتوغل خارج (نظام الحطاب) التعسفي الباحث عن نظام معرفي وبيداغوجي يمثله ويعبر عنه عن مطامحه الإيديولوجية والمعيارية.
ولم يخطئ تماما المفكر التونسي أبو يعرب المرزوقي في كتابه (أشياء من النقد والترجمة)، عندما إعتبر أن العمران الثقافي لا ينفصل عن صورة العمران البشري القائم في نظره في بعدين :
البعد الأول : هو البعد الفعلي ويعني بذلك النظام السياسي والنظام التربوي.
والبعد الثاني : هو البعد الرمزي ويعني به الجهاز الأكاديمي والبحث العلمي.
وعلى هذا الأساس فهو يرد ذروة التخلف التربوي في العالم العربي إلى ثلاثة أبعاد أخرى إثنان هما :
الحكم والتربية والبعد الثالث وهو البعد الأصيل والجامع كما يرى ويعني بذلك المعرفة العلمية والتي يفسر قصورها على أساس ضعف الأداء التربوي وضعف تطبيقات هذه المعرفة في العلاج النظري والممارسة العملية.
وهذا البعد الأخير يعتبره أبو يعرب المرزوقي مربط الفرس في تقويم فاعلية الفكر والمفكرين مبررا ذلك بأن أصناف التخلف العربي أربعة وهي :
الإقتصادي والسياسي والثقافي والتربوي. وتلك هي العلة الماثلة في نظره في ذلك التهافت… !الشبه جنوبي على العمل السياسي عند النخب وما أدراك
…………….
إحالات
01) أصنام النظرية وأطياف الحرية نقد بورديو وتشومسكي / علي حرب ص 66 منشورات المركز الثقافي العربي بيروت / الطبعة الأولى 2001
02) المثقفون المزيفون / النصر الإعلامي لخبراء الكذب / باسكال بونيفاس / ص 13 ترجمة روز مخلوف منشورات دار ورد للطباعة والنشر سوريا / الطبعة الأولى 2013
03) تأملات حول المنفى الجزء الأول إدوارد سعيد ترجمة ثائر ديب / ص 327 دار الآداب بيروت الطبعة الثانية 2007
04) نفس المصدر ص 328
05) نفس المصدر ص 328
06) نفس المصدر ص 329
07) نفس المصدر ص 228
08) نفس المصدر ص 329