المترجم مارك جمال: أترجم ما أحب، وهذا شرطي الأول والأهم

فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

حاورته: خلود الفلاح

يرفض المترجم المصري مارك جمال (1985)، ما يتردد أن النص المترجم  يفقد أثناء نقله إلى لغة أخرى بعض جمالياته. إذ يجب الإشادة بما يكتسبه النص من جماليات بعد الترجمة، في كتاب "النسيان" ترجمة مارك جمال، نقرأ تاريخ مدينة ميديين الكولومبية بلغة سهلة، حيث تتداخل القسوة والعنف والفساد الذي عاشته المدينة مع المحبة الكبيرة التي كان يمنحها الأب لأولاده وخاصة الابن الكاتب إكتور آباد فاسيولينسي، "النسيان"، يعده فاسيولينسي عمله الأوفر حظا من النجاح فقد نال جائزة حقوق الإنسان المقدمة من مكتب واشنطن لشؤون أمريكا اللاتينية، وأيضاً على جائزة أفضل عمل مترجم إلى اللغة البرتغالية لعامي 2008_2009 ، مقدمة من دار أمريكا اللاتينية بلشبونة.

حاورته: خلود الفلاح

يرفض المترجم المصري مارك جمال (1985)، ما يتردد أن النص المترجم يفقد أثناء نقله إلى لغة أخرى بعض جمالياته. إذ يجب الإشادة بما يكتسبه النص من جماليات بعد الترجمة، في كتاب “النسيان” ترجمة مارك جمال، نقرأ تاريخ مدينة ميديين الكولومبية بلغة سهلة، حيث تتداخل القسوة والعنف والفساد الذي عاشته المدينة مع المحبة الكبيرة التي كان يمنحها الأب لأولاده وخاصة الابن الكاتب إكتور آباد فاسيولينسي، “النسيان”، يعده فاسيولينسي عمله الأوفر حظا من النجاح فقد نال جائزة حقوق الإنسان المقدمة من مكتب واشنطن لشؤون أمريكا اللاتينية، وأيضاً على جائزة أفضل عمل مترجم إلى اللغة البرتغالية لعامي 2008_2009 ، مقدمة من دار أمريكا اللاتينية بلشبونة.

قال المترجم مارك جمال: تجتمع لأدب أمريكا اللاتينية كل المقومات التي تضمن له تلك المكانة البارزة عند النقاد والقراء على السواء، ولا سيما القراء باللغة العربية. فعلى الجانبين الاجتماعي والسياسي، نجد أنه يتطرق إلى واقع يشبه واقعنا إلى حد بعيد. ومن بين الأمور التي أثارت إعجابي فيما قرأتُ من الأدب اللاتيني تلك النظرة المفعمة بالأمل في غد أفضل على الرغم من الحاضر القاسي والأوضاع المُتأزِّمة، المفارقة التي طالما دعتني إلى التأمل. وحري بالذكر أن الأدب اللاتيني لا يقتصر على الواقعية السحرية أو الغرائبية، بل إنه أكثر غزارة وتنوعًا مما يتسع المجال لذكره، ويضيف: ” لم أندم على كتاب ترجمته، وإن كنت قد ندمت على ما لم أترجم. فقد عرِض عليَّ عنوان ولم أتمكَّن من ترجمته نظرًا لضيق الوقت وكثرة المشاغل، على الرغم من إعجابي بالكتاب وصاحبه. فالترجمة عمل مضني يستغرق أطول مما قد يتوقع المرء”.

كتاب «النسيان» والذي يعد سيرة حياتية لوالد الكاتب الكولومبي إكتور آباد فاسيولينسي. من خلاله سرد التاريخ القاسي لمدينة ميديين وما تعرض له والده نتيجة مجابهة الفقر والتخلف والفساد. ما الذي حفز مارك جمال لترجمة الكتاب؟ كان رده: قرأتُ (النسيان) في أوج الحراك والتغيير في مصر والمنطقة، فأردت مشاركة قراء آخرين في تلك التجربة الفريدة، حيث يسرد إكتور آباد فاسيولينسي قصة عائلته ورحلة كفاح والده التي أفضَتْ إلى اغتياله خلال حقبة هي الأشد دموية في تاريخ كولومبيا الحديث. ومع ذلك، فلم تقتصر دوافعي لتقديم هذا العمل بالعربية على رسالته الإنسانية النبيلة وحسب، بل امتدَّتْ لتشمل ما ينطوي عليه من رهافة وحس أدبي رفيع، وهو الكتاب الذي يستعصي على التنصيف ويتمرَّد على القوالب. وأعتقد أن الروائي ماريو بارغاس يوسا قد أعرب عن كل ما جال بخاطري إذ يقول: (إن مُحاولة تلخيص “النسيان” دون خيانته لأمر ينطوي على صعوبة بالغة. ذلك أنه، وعلى غرار روائع الكتب جميعًا، أشياء كثيرة في آن. فيصحُّ القول إنها سيرة ينفطر لها القلب تدور حول عائلة المؤلف ووالده، الذي اغتيل على يد قاتل مأجور، إلّا أنه قولٌ تافه هزيل، إذ يغوص بنا الكتابُ أيضًا في رحلة مؤثرة إلى جحيم العنف السياسي الكولومبي، في حياة مدينة ميديين وروحها، في طقوس أسرة بما لها من صغائر ونُبْل وحميمية. إنها شهادة مرهفة ودقيقة عن الحب الأبوي، قصة حقيقية إلى جانب كونها رواية بديعة، بالأخذ في الاعتبار أسلوب كتابتها وبنائها. كما يُعد كتاب النسيان من أبلغ الحجج المناهضة للإرهاب بوصفه أداة للعمل السياسي في عصرنا وكل العصور).

أما إكتور آباد فاسيولينسي، ذلك الكاتب الشفَّاف المتسق مع نفسه الذي لا تزيده نقائصه إلا إنسانية، فما كاد يتلقى دعوتي لترجمة “النسيان” بالعربية حتى أجاب طلبي بكلِّ أريحية بعد دقائق معدودة قائلًا: “ترجمْ الكتاب!”.

معايير الترجمة

 اختياري لكتاب بعينه رهن بمعيار بسيط بقدر ما هو مُعقَّد. وبذلك أعني حبي للعمل ورغبتي في أن يشاطرني قراء آخرون التجربة نفسها. وفي هذا الصدد يقول الروائي غابرييل غارسيا ماركيز في مقال له عن الترجمة: (يقرأ المرء كاتبًا بلسان أجنبي فيحس برغبة تكاد تكون تلقائية تحدو به إلى ترجمته. الأمر الذي يمكن تفهمه، ذلك أن واحدة من ملذَّات القراءة -شأنها في ذلك شأن الموسيقى- تكمن في القدرة على مشاركة الأصدقاء فيها).

ويتابع ضيفنا: ولذا فأنا لا أكترث لشهرة الكاتب أو موضوع الكتاب أو لونه الأدبي (روائيًّا كان أو شعريًّا أو قصصيًّا)، فكلها اعتبارات ثانوية في رأيي. وإنما أضع نصب عيني مدى اهتمامي بالنص أولًا. أترجم ما أحب، وهذا شرطي الأول والأهم. فالترجمة عمل من أعمال الحب كما يقال، وإلَّا فكيف يفترض بي نقل النص بأفضل صورة ممكنة؟ في رأيي الشخصي، ليس أشق على المترجم من نقل نص لا يروقه. وعلى الرغم من بساطة هذا المعيار، إلا أنه يضعنا أمام إشكالية عملية. فلا ننسى أن إعجاب المترجم بكتاب من عدمه مسألة شخصية بحتة، قد لا يتفق فيها مع الناشر أو القارئ.

وأشار المترجم مارك جمال أن الترجمة تأويل في الأساس، أو بالأحرى عملية (إعادة إبداع). بمعنى أنها نسخة المترجم من النص، مهما كان أمينًا على المعنى الأصلي. الأمر الذي لا يقلِّل من شأن الترجمة ولا المترجم على الإطلاق، ولكنها طبيعة العمل التي يجب علينا قبولها والتسليم بها. وبناء على ما تقدم، فمن المشروع أن نتساءل أيضًا عما يكتسبه النص من جماليات بعد الترجمة، وليس عمَّا يفقده فحسب، وأضاف: “على المترجم أن يسعى للحفاظ على صوت الكاتب كما يسمعه، علمًا بأنها مسألة شخصية وتخضع لاعتبارات كثيرة. وسواء أكانت العبارة الأصلية شعرية أو تقريرية أو خلاف ذلك، فيجب نقلها بما يضاهيها في اللسان المُترجَم إليه. على سبيل المثال، فقد انتهيتُ في الآونة الأخيرة من ترجمة رواية تاريخية توخَّى المؤلف في كتابتها استخدام لغة تليق بالحقبة التي تدور خلالها الأحداث، وبالتالي فقد سعيتُ لتطعيم الترجمة بكلمات وعبارات عربية تراثية بقصد نقل الانطباع الذي تركه النص الأصلي في نفسي. وإن كنت لا أدَّعي القدرة على الكتابة بلغة تراثية خالصة”.

المترجم خائن

لم يبقَ مترجم إلَّا واضطرّ لدفع تهمة الخيانة عن نفسه، وكأنما المترجم خائن حتى يثبُت وفاؤه! على كل حال، فلن أجيب عن سؤالك بنفسي، بل سوف أستعرض أقوال اثنين من عظماء الكُتَّاب في ترجمة كتبهم، عسى أن تلقي بعض الضوء على تلك المسألة.

فرغت منذ بعض الوقت من ترجمة رواية (خلية النحل)، لصاحب نوبل الإسباني كاميلو خوسيه ثيلا، المزمع صدورها قريبًا عن الهيئة العامة المصرية للكتاب. وفي أثناء العمل على تلك الرواية الاستثنائية، عثرت على مقدمة كان المؤلف قد وضعها خصيصًا بمناسبة صدور الترجمة الرومانية من الرواية، فقررت إدراجها في الطبعة العربية نظرًا لأهميتها وصلتها الوثيقة بهواجس طالما شغلَتْني بشأن الترجمة واللغة. إذ يقول خوسيه ثيلا: (لستُ أتصوَّر “خلية النحل” باللغة الرومانية، كما لست أرى أن إمكانية قراءتها بالفرنسية أو الإنجليزية أو الإيطالية أو السويدية أو الألمانية أو البرتغالية أو البولندية أمرٌ ينطوي على قدرٍ كبير من المنطق. إذ لا يمكن التعبير عن الموقف نفسه، أو حالة مماثلة، أو مغامرة مطابقة، بأكثر من لغة على النحو ذاته. أقصد أن ما يُحكَى ليس هو نفسه على وجه التحديد، لأن كلمات لغة ما -مهما كانت تلك الكلمات من البدائية- ليست لها القيمة نفسها في لغة أخرى […] ولم أعُد بعيدًا كل البعد عن الخلوص إلى النتيجة الآتية: إن الحكمة تقتضي أن يتجنَّب المرء إمكانية قراءة كتبي أو كتب أي مؤلف غيري بلغة أخرى بخلاف اللغة التي وُلدَتْ بها […] إن الثقافات لا تشترك في المشهد نفسه، وليست لها آلية قابلة للمُبادَلة. بَيْد أننا -نحن الكُتَّاب- لا نحمل وزر تلك الحقيقة البديهية).

وأخيرًا، فبالعودة إلى مقال غابرييل غارسيا ماركيز سالف الذكر، نجده يقول: (قرأت بعض كتبي التي ترجمها جريجوري راباسَّا إلى الإنجليزية، ومن واجبي الإقرار بأني وجدت فيها مقاطع راقتني أكثر من أصولها الإسبانية. والانطباع الذي تتركه في نفسي ترجمات راباسَّا أنه يحفظ الكتاب بالإسبانية عن ظهر قلب، ثم يعاود كتابته بالإنجليزية كاملًا: فأمانة راباسَّا أكثر تعقيدًا من مجرد الحرفية).

أوضح مارك جمال أن ترجمة الرواية تختلف كثيرًا عن ترجمة الشعر، نظرًا لما يتَّسم به الأخير من موسيقى ودلالة إيحائية (سمات نراها أكثر حضورًا وجلاءً في الشعر وإن لم تكُن حكرًا عليه دون سواه من الألوان الأدبية)، مما يتطلب وقتًا وجهدًا مضاعفيْن. على سبيل المثال، فقد استغرقتُ بضعة أشهر في ترجمة كتاب (عشرون بطاقة بريدية) ومراجعته، في حين لا يربو عدد صفحاته على الخمس وسبعين صفحة. زِدْ على ذلك أنه ليس اللون الأدبي الأكثر رواجًا بأية حال. ومع ذلك، فالصورة ليست قاتمة إلى هذا الحد، فهناك مبادرات جديرة بالإشادة تعنى بترجمة الشعر ووضعه في متناول يد القارئ.

 

 

مقالات من نفس القسم