اللعب بالفقاعات

اللعب بالفقاعات
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

ممدوح رزق

(1)

حينما قذفت أختك الكبرى رواياتك البوليسية من البلكونة في إحدى نوبات غضبها الهيستيري منك، وحينما رأيت العابربن في الشارع يواصلون سيرهم دون أن يرفع أحدهم رأسه ناحية الصرخات الأنثوية الهادرة المندفعة من الضلفتين المفتوحتين بكامل اتساعهما ودون أن يلقي نظرة واحدة على جثث المغامرين الخمسة والثلاثة والشياطين الـ 13 المبعثرين من حوله؛ عرفت لحظتها أن الحياة لا يجب أن تؤخذ بجدية، وأن أول ما خُلق في المرأة هو حنجرتها .. رغم أنك خرجت بعد منتصف الليل إلى البلكونة ووجدت الروايات البوليسية لا زالت ملقاة ولم يكن هناك أحد يمر في الشارع إلا أنك لم تفكر للحظة واحدة في النزول لاستردادها .. كان يجب عليك فقط البدء في كتابة هذه القصة:

(كانت البداية المكشوفة للخط السحري الفاصل بين ثديي خطيبته الكبيرين عنصرا أساسيا في أغلب صورها على الفيس بوك .. الخط الذي كان يطول في بعض الصور ويقصر في الأخرى ومعه تزيد وتنقص مساحة الحنان الخمري المنتفخ الممنوحة للعيون .. كانت التلميحات الهائجة التي يكتبها الرجال تحت صدرها تثير ضحكاته القوية).

(2)

بعد موت أمك ومرض أبيك الذي أفقده الذاكرة والنطق والحركة اختفت كل العوائق الصغيرة الهشة التي كانت تحجّم بقدر ضعيف شراسة صرخاتها فيك .. لكنك أثناء احتراقك اليومي بشتائم أختك وبمعايرتها لك على فشلك الدراسي وبطالتك وعلى طباعك المستهترة لاحظت أنها لا تطلق صرخاتها إلا وهي جالسة على أقرب كرسي للمطبخ حيث شباكه المفتوح الذي لا يفصله عن شبابيك الجيران ـ المفتوحة أيضا ـ سوى مسافات قليلة للغاية .. كنت تضحك بمرارة بينك وبين نفسك حينما تراها تبدأ أحيانا في سبابها المرتفع من أي مكان داخل البيت ثم تسرع على الفور لتجلس على هذا الكرسي لتُسمع الناس إهاناتها لأخيها الصغير وليعرف كل من في العمارة مدى قوتها .. هل كان الجيران يعرفون أيضا أن مواجهتك لها بشتائم وصرخات مقابلة كانت تتوقف فجأة لعلمك بأن ردودك عليها ستزيد من قوة ووقت دورها الأوبرالي في الحياة ؟ .. كنت تغلق باب حجرتك على نفسك وتسكت وتنتظر حتى تنتهي ثم تتردد كثيرا قبل الخروج من البيت خوفا من أن تصادف أحدا من الجيران .. كنت تنزل السلالم بأقصى سرعة وفي رجوعك تصعد كالهارب من مطاردة مفزعة .. لا يمكنك أن تنكر أنك فكرت أكثر من مرة في قتلها ولكن الذي منعك ليس رفضك أن تدفع روحك ثمنً للتخلص من حنجرة فحسب، وإنما كان يعنيك أيضا بقاء هذه الحنجرة في الحياة لتكون دليلا حيا وحاضرا دائما أمام عينيك على صحة الكوميديا الكامنة في كراهيتك للفناء .. عليك الآن أن تكتب سطورا جديدة في القصة :

 (في حفل توقيع خطيبته لمجموعتها القصصية كان الخط السحري الفاصل بين ثدييها كريما في ظهوره من ملابسها المفتوحة وبالطبع كان متأنقا بلمعان العرق تحت الإضاءة الحارة .. كان يجلس بجوارها مبتسما وعيناه تراقبان بتهكم نظرة كل واحد يأتي إلى الطاولة حاملا نسخته ويعطيها إلى خطيبته لتوقعها .. كل واحد تمنى لو زادت كلمات التوقيع ليطول وقت وقوفه أمام كنزها المهيب، وحينما تأتي لحظة انسحابه ممسكا بنسخة موقعة يحرص على توديع ذلك الكنز بنظرة طويلة مركزة وبإحساس قاتل باليتم .

لكنهما أثناء جلوسهما على كورنيش النيل بعد انتهاء الحفل وبينما كانا يضحكان اقترب منهما شخص لا يعرفانه وطلب منه إشعال سيجارة .. أعطاه ولاعته بتلقائية وبعد أن أشعل ذلك الشخص سيجارته ورد إليه الولاعة مد يده فجأة إلى ثدي خطيبته وأمسكه بقوة ثم أسرع بالجري .. كانت يده خبيرة لأنها لم تمسك جزءا من ثديها، وإنما تمكن في هذه اللحظة الخاطفة من إدخالها تحت ملابسها والإمساك بثدي خطيبته كله ثم سحبها على الفور ومعها خرج ثديها كاملا من فتحة ملابسها .. كان من الطبيعي أن تصرخ خطيبته وتبكي، وكان من الطبيعي أيضا أن يحاول الجري وراء ذلك الشخص والشتائم تتدفق بغضب من فمه قبل أن يتوقف بعد اختفائه وإدراكه صعوبة اللحاق به .. كان من الطبيعي أن يعود كل منهما إلى بيته حزينين جدا).

 (3)

حينما تتزوج ستعرف من صوت زوجتك خاصة وقت عصبيتها أنها كانت ضفدعة في حياتها السابقة .. سيقترب صياحها أثناء الشجار معك بدرجة غريبة فعلا من الصوت المألوف للضفدعة والمذهل أن عينيها ستشبهان إلى حد كبير عيني الضفدعة .. زوجتك التي أحببتها سبع سنوات في صمت وعشت معها قصة حب سينمائية سبع أخرى، وخطبتها سنتين ولم تكتشف فصيلتها إلا بعد الزواج .. لن تتقيد زوجتك بمسألة الجلوس على أقرب كرسي للمطبخ التي كانت شقيقتك ملتزمة بها .. ستكون أكثر تحررا فتتعوّد أثناء صراخها فيك ومعايرتها لك على جلوسك في البيت بدون عمل واعتمادك على المساعدات الخارجية من أهلها وأحيانا من أهلك ستتعوّد على التنقل في مختلف أنحاء الشقة وتحديدا بالقرب من الشبابيك .. ذات يوم وبينما تنظر إليها ونقيقها المتشنج يمزق هواء الشقة والعمارة ستشعر برغبة قوية في الضحك وتفكر أن انتقالك من أختك إلى زوجتك ليس صدفة بالتأكيد، وأن هناك شيئا غيبيا في الكون يبعث لك شخصيا برسالة انتقامية لا تعرف سببها .. ستتمنى لحظتها فجأة أن تصاب زوجتك بسرطان الحنجرة .. لكنك بعد وقت قصير ستتذكر الأيام المتعاقبة التي لم تنم فيها عندما أخبرتك بأن شيئا بحجم حبة العدس تشعر به في ثديها .. ستتذكر اقترابك الشديد من الإغماء وأنت تنتظر نتيجة الأشعة وفرحك الجنوني حينما أخبرتك الطبيبة أنها بخير .. تواصل كتابة القصة:

(حينما عاد إلى البيت وبينما كان يفرغ جيوبه انتبه إلى الولاعة فلم يتردد في إلقائها من النافذة .. بعد أن وضع رأسه على المخدة وأغمض عينيه لم يكن ما يعذبه مشهد ثدي خطيبته وهو في يد ذلك الشخص الذي أشعل منه السيجارة فحسب بل كان الألم الأكبر نابعا من إحساس شاحب ومبهم بالفرح .. لاشك أن دماءه كانت تغلي بعنف وشعور بالمهانة يقطّع روحه بينما رأسه المشتعل يتوسل لذاكرته تصحيح ما حدث هذا المساء وتثبيته كوهم أو استبعاده تماما .. لكن كان في داخله شيء خافت وغريب يجبره على الامتنان لهذا الاعتداء .. لذة تشبه كثيرا تلك التي يحصل عليها الخارج منتصرا من معركة ما .. كان يفرك قدميه تحت الغطاء كطفل مطمئن توجعه الضحكات المكتومة التي زرعتها الفرجة بشغف على حيلة خبيثة اصطادت بشرا لا يخصونه .. قضى فترة طويلة في محاولة التوصل لتفسير يبرر هذا التناقض لكن برز فجأة مشهد جديد في ذهنه جعله يزيح ما كان يفكر ويشعر به ويستغرق كليا في مواجهته .. استعاد عيني خطيبته لحظة إمساك ذلك الشخص بثديها .. اكتشف مصدوما أن عينيها لم يكن فيهما نظرة فزع أو ذهول بل على العكس كان فيهما ما يشبه السرور الشهواني رغم صرخاتها الباكية .. شعر أن قطارا يمر فوق جسده ببطء وهو يحاول إقناع نفسه بأن ما يسترجعه ليس إلا تخيلا خاصا نسجته انفعالات مضطربة وغامضة ولكن تأكده من صحة ما رآه بقي ثابتا .. ظل يعيد ما حدث على الكورنيش دون توقف ثم أدخل يده تحت ملابسه وبدأ في الاستمناء ).

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

من مجموعة (مكان جيد لسلحفاة محنطة) الصادرة مؤخراً عن سلسلة حروف بالهيئة العامة لقصور الثقافة

 

خاص الكتابة

 

مقالات من نفس القسم