الكرافت من رمز للوفاء والحب إلى قيد يجب تحطيمه

موقع الكتابة الثقافي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

لدي صديق لا يمتلك رابطة عنق واحدة،  ويتخلص فورا من أية  "كرافت" تأتيه كهدية، رغم أنه يحضر العديد من المناسبات التي يتباهى من يدعون لحضورها بارتداء ملابسهم الرسمية وحول أعناقهم " الكرافت". وقد يعبر هذا الاتجاه لدى صديقي عن ميله الدائم للتمرد ورفضه للقيود التي ترمز لها "الكرافت"،  ولعل صديقي يعلم أن ارتداء رابطة العنق  تعود إلى أيام الرومان حيث كان الرومان  يرتدون أربطة العنق، كجزء أساسي من زيهم كرمز للانتماء لجماعة معينة، وأيضا كان هناك من يرتدونها في "مجلس الشيوخ" بروما، واستخدموا أربطة العنق كوشاح لتدفئة الحلق. وقد كان طول رابطة العنق في هذه الفترة يصل إلى المتر والنصف

أما ربطة العنق الحديثة أو الكرافت الإنجليزية “Necktie” فيرجع تاريخها إلى بدايات القرن 16 وبالتحديد في الفترة بين ( 1618-1648) وهي فترة حرب الثلاثين عاما التي وقعت بين دول شمال ووسط أوروبا.  فقد كان الجنود الكرواتيون  الذين يحاربون مع جيش التمسا في فرنسا  يرتدون هذه الربطة وكانت عبارة عن (وشاح) ملفوف على العنق وبنفس الطريقة التي يلف بها ربطة العنق اليوم، حيث كانت تعلقها النساء في أعناق أزواجهن عند التحاقهم بجبهات القتال، كعلامة على الحب والوفاء،  وقد كانت الحرب شديدة وعنيفة، لدرجة أن طريقة إعدام الكرواتيين كانت بتعليقهم بربطات العنق التي يرتدونها.

وقد  أثار الجنود الكرواتيون اهتمام الباريسيين بتلك الربطة وبدأ الملك لويس الرابع عشر بارتداء ربطة العنق في عام 1646 ، وشاع بين الرجال والنساء في البلاط الفرنسي  لف قطعة من القماش حول أعناقهم .

وتم إدراجها من ضمن الزي الرسمي للساسة والقادة الكبار في زمن لويس السادس عشر، و امتد استخدامها ليشمل عامة الشعب، وأطلق عليها الفرنسيون اسم كرافات  “Cravate”،  فأصل كلمة (كرافات) الفرنسية هي مشتقة من الكلمة “كروات” بعد تحويل حرف الواو إلى فاء

 وبمرو الوقت أصبحت الكرافت  رمزا ثقافيا من رموز الحضارة الغربية ،حتى أنه يتم  الاحتفال بيوم ربطة العنق الدولي  في 18 أكتوبر  في  مدن مختلفة حول العالم وأهمها مدينة زغرب الكرواتية التي أسست أكاديمية علمية  لتطوير الكرافات .  وتشجيع اكل ما هو غريب وجديد في عالم تصميمات الكرافات  و من تصميم و تنفيذ رابطات عنق عملاقة   إذ قامت فنانة الكرواتية  بإحاطة مسرح أرينا الروماني برابطة عنق طولها 808 متر وبلغ ارتفاع عقدة الكرافتة ستة عشر متر ونصف.

و يبدو أن اتجاه صديقى لرفض  ارتداء الكرافت، يتناسب  مع المتغيرات الثقافية التي يمر بها العالم . فمنذ  التسعينيات بدأ اتجاه لعدم التقيد بالزي الرسمي و  ارتداء رابطة العنق  وظهرت دعوات وجماعات في أوربا وأمريكا   ترفض استخدام الكرافت وتراها رمز للقيد   وتزامن ذلك مع  ظهور شركات عالمية في التكنولوجيا  مثل أمازون ، جوجل ، ميكروسفت ،  التي شجعت العاملين بها على ارتداء الملابس الكجوال، وأصبح في الثقافة الغربية ما يعرف “بجمعة الكجوال” وهو اليوم الذي  يسمح فيه للموظفين بعدم  ارتداء الكرافت ، وقد تزايدت هذه الأيام  وتنوعت على مدار الاسبوع من شركة لأخري وقرر البعض أن يكون ارتداء الكرافت قاصرا على يوم الاثنين أول أيام لأسبوع العمل في أوروبا ، بل إن بعض الشركات لا يسمح فيها بارتداء رابطة العنق.   بل إن بعض الشخصيات السياسية العالمية  اشتهرت بعدم ارتدائها  الكرافت ومن أشهرهم  رئيس وزراء اليوناني   “أليكسيس  تسيبيراس”  كما أن المسئولين والموظفين في ايران لا يرتدون الكرافت بعد قيام الثورة الايرانية أواخر السبعينيات  من القرن الماضي  كطريقة للتعبير عن رفضهم للنموذج الغربي.

وإذا كان صديقي قد نجا من ارتداء الكرافت في زفافه  بفضل روح زوجته  المتفهمة السمحة فهو الآن يفاوض طفلته الصغيرة كي تسمح له بحضور  حفلاتها ومناسبتها الخاصة دون “كرافت”.

 

 

مقالات من نفس القسم