محمد عبد الحافظ ناصف
رضا محروس كاتب قصة يهتم كثيرا بكتابة البشر والحالات الإنسانية المؤثرة داخل قصصه، لا يعنيه كثيرا تجارب السرد التى ربما لا تساعد على وصول ما يريده للقارئ بوضوح وشفافية، كاتب حقيقي يهتم بتفاصيل معاناة الإنسان فى كل مجموعاته القصصية للكبار والصغار التى صدرت عن قصور الثقافة ودار الفاروق والمركز القومي لثقافة الطفل، ونشرت كذلك في العديد من مجلات الكبار والصغار و من تلك المجموعات؛ البنت ذات الضفائر، أسباب موت شكسبير، أمنية للشمس و أخيرا مجموعة قمر على شباك ضحى.
وتتناول مجموعة “قمر على شباك ضحى” حالة القهر الذى يتعرض له الإنسان، هذا القهر الذى لم يترك كبيرا أو صغيرا فى بعض قصص المجموعة، هذا الظلم البين الذى تعرضت له الشخصية المركزية فى المجموعة، وهى شخصية محمود مدرس مدرسة البنات الذى تعرض للقهر كثيرا من كل من يحيط به من الزملاء والزوجة و حتى من التلاميذ ومنهم تلميذه المنحرف صغيرا وكبيرا؛ فحين كان تلميذا صغيرا كان عابثا مستهترا، وكبيرا حتى صار مسئولا كرئيس مباحث أراد أن يذل معلمه الذى كان يحاول ان يقومه، وتعرض أيضا لبعض القهر من بعض البنات فى المدرسة كما تعرض للخيانة والقهر من زوجته كما في قصة دوائر، وكذا تعرضت للقهر والظلم بعض الشخصيات الأخرى مثل بعض الطالبات ومنهم شخصية ضحى الذى أراد زوج أمها أن يزوجها رغما عنها.
لذا يعتبر القهر هو الخط الرئيس في “قمر على شباك ضحى”، وتكونت المجموعة من ثلاث عشرة قصة قصيرة تراوحت بين الطول والقصر، اشتركت جميعا فى طريقة كتابة سردية واحدة تتناول حكاية بها شخصية رئيسية تدور حولها القصة وموضوع إنساني مؤثر تعالجه وجملة سردية سلسلة ومتدفقة وناقلة للحدث تأخذنا لنهاية مغلقة أو مفتوحة لكنها تأتى متوافقة تماما مع أحداث القصة نفسها ومتسقة مع روحها.
ويفتتح رضا محروس المجموعة ويختمها بقصتين تعتبران من نموذج القهر والظلم الذى يأتى من التلميذ لمعلمه بشكل أو بأخر، وكأنها حلقة دائرية مفرغة يدور فيها المعلم محمود البطل المحورى للمجموعة؛ فقصة “من التاريخ السرى لمروة النوساني” تعرض لنا نموذج الطالبة المتحرشة بمعلمها فى المدرسة الثانوى وهى الطالبة التى تسعى جاهدة كى توقع معلمها في حبالها حتى تحكم شباكها حوله لكن القدر ينقذه لأنه لم يكن يريد أن يتحرش بها أو أن يأخذ منها شيئا، ويريد الكاتب في هذه القصة بالطبع أن يصور لنا جزءا من المؤامرات التى تدور في مدارسنا مع بعض المعلمين المجتهدين بسبب الدروس الخصوصية و الصراع حولها واستخدام الطالبات كجزء حقير من هذا الصراع.
وتطلب مروة النوساني من معلمها أن يقبلها في معمل الكيمياء لكن قطع التيار الكهربائي ينقذه وتنتهى القصة بخطوبة تلك البنت المستهترة فيشعر بالراحة و الخلاص “أحسست بارتياح وطمأنينة يفترشان جميع خلايا جسدى.. ابتسمت وأنا أقترب من مقعدها: مبروك يا مروة”
ويختتم محروس المجموعة القصصية بقصة “خطأ ما” ليؤكد هذا القهر بصورة أخرى من أحد تلاميذه الفاسدين الذين كانوا دائما فى حاجة إلى التوجيه والإرشاد وأحيانا التعنيف والعقاب كى يصبحوا تلاميذ صالحين، لكن هذا التلميذ السيئ لم ينس ذلك من معلمه، وحين صار فى موقع السلطة و المسئولية أراد أن ينكل بمعلمه الذى وجده فى الشارع بالبيجاما فى الثالثة صباحا يهرع لكى يحضر لابنته المريضة الدواء، لكن هذا الضابط الفاسد لا يتورع أن ينكل به ويأخذه للقسم و يطلب منه ان يقبل يده وبالطبع لا يفعل المعلم الشريف الذى يذهل مما يتم و لا يجد له أسبابا تبرره.
ويبدأ الكاتب رضا محروس فى عمل التوازن للمعادلة الإنسانية داخل القصة و يحقق العدل حين يجد لنا الحل بعد أن زادت عقدة القصة بشكل كبير حين أتى بوجود وكيل النيابة الذى كان هو الاخر تلميذا صالحا و مجتهدا للمعلم فيأمر بخروج المعلم المظلوم من النيابة ويذكره بنفسه ويتعاطف معه ويربت على روحه “أخرج منديلا وجفف دموعى وقبل رأسي واستطرد: – أستاذ محمود.. لاتبك ولا تقلق.. لابد أن هناك خطأ ماو لابد من تدراكه.. ربت على من جديد و هو يطلب من الساعي أن يحضر لى فنجانا من القهوة.”
وفى قصة ” قمر على شباك ضحى” نجد القهر ينهش المعلم جسدا وروحا وكذا التلميذة ضحى اليتيمة معا؛ فزوج الأم القاسي الظالم يريد أن يزوج البنت الصغيرة ضحى ابنة زوجته لأخيه الفاسد و الظالم مثله و لا تستطيع الأم أن تفعل شيئا، و تشعر التلميذة بتعاطف المعلم معها و تذهب إليه و تعيش معه عدة أيام فى ضيافتها و بعد فترة يتزوجها المعلم دون علم أهلها و يعيش معها و يشعر بسعادة كبيرة بعد أن ملأت حياته بهجة و فرحا لكنها لم تكتمل بعد أن هجموا على الشقة و أخذوها عنوة منه و ضربوه حين فقد الوعى و كاد أن يموت، و انتهت القصة بمقتله و انتحار البنت الضعيفة ضحى التى لم تجد من يقف معها و مع معلمها من المدرسة أو من خارجها.
و تمتاز القصة بسرد متدفق مخضب بصور شعرية جيدة واصفة للحدث بشكل مناسب أعطاها زخما وعبر عن قدرة الكاتب فى بناء الجملة رغم حرصه على بعض المفردات التى كادت أن تختفى من المعجم مثل كلمة -مدية- و كنت أفضل أن يستخدم سكينا أو مطواة فهى أقرب لواقع القارئ ابن هذا الزمن، كما أن هناك بعض المواقف لا تتطلب وجود الملائكة مثل اللقاء الحميم بينه و بين ضحى كما ذكر ص 85 ” عاينت في جسدها كل الفصول الأربعة.. ورأيت ملائكة تحوم حول فراشي و سمعت حفيف الأجنحة..أرتويت من أنوثتها و لم أثمل”
و استطاع محروس من خلال هذه القصة بناء شخصيات القصة بشكل جيد من خلال تفاصيل أظهرت ظاهر الشخصيات و باطنها و جعلها شخصيات من لحم و دم تصلح لأن تحمل تفاصيل رواية بأحداثها الكثيرة و شخصياتها المتعددة و الصراعات المختلفة التى صنعت جودة القصة و جعلتها أكثر حيوية من خلال الصراع الخارجي بين ضحى و زوج أمها و أمها الضعيفة، و الصراع بين محمود و زوج أم ضحى، و كذا الصراع الداخلي بين محمود و نفسه فى علاقته بضحى التى انتهى بالزواج منها.
و تنتهى القصة بمأساة عبر عنها حين ترك المدرسة بعد أن وقع طلب نقله تحت ضغط المديرة المتعسفة التى لا تريد أية مشاكل فى مدرستها، وعرف بعد ذلك أن ضحى انتحرت، يقول ص 88 ” خرجت.. برودة شديدة اجتاحت جسدى.. ورعشة مفاجئة داهمتني..كل الرؤى غامت أمام عيني.. لا أعرف أين تقودني أقدامي” و تكشف لنا أخر كلمات القصة عن قتله بنصل حاد يلمه تحت ضوء الشمس فيقول:” رفعت رأسي و رأيت وجه ضحى يبتسم لي في الأفق البعيد”
و من صور القهر الأخرى التى تعرض لها بطل المجموعة كان قهر الزوجة فى عدة قصص منها على سبيل المثال قصة “دوائر” فكانت الخيانة الزوجية وفي قصة “وقائع عشق امرأة مستبدة” كان الصوت العالى و الاستبداد والتنكيل و النفور والاستعلاء، وحتى فى قصة “خطأ ما” كان عدم التقدير و الرحمة للزوج الذى خرج بالبيجاما دون ان تلفت نظره، و نجدها أيضا في قصة” البحث عن فاطمة الإبراهيمي” قاهرة له حين تكون حبيبة تنازل عنها رغما عنه و ظلت تطارده بوجودها روحا رغم زواجه من أخرى.
وختاما.. رضا محروس كاتب قصة بطعم إنساني عال، عائد بقوة للمشهد الأدبي بعد أن توقف سنوات طوال أعطته الكثير من الخبرة الحياتية التى تمكنه من كتابة جميلة و مختلفة و صادقة.
