القلعة

موقع الكتابة الثقافي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

 

عبد اللطيف الحسيني

أقدّسُ اعتكافَكَ في حجرتِكَ يا أبي, فلو خرجتَ منها لرأيتَ جيشاً من الجهل عرمرماً يطوّقُ ويغزو السمعَ والبصرَ والفؤادَ, ظلماتٌ فوقَها ظلماتٌ لا تكادُ ترى يديك خلالَها ,غيرَ أنكَ مازلتَ تقرأُ وتحلّلُ أيّ كتابٍ يقعُ بينَ يديكَ, تحللُ وتقرأُ لنفسكَ فقط دونَ أنْ يعلمَ بك الآخرون, كنتَ تظنُّ بأنّك أنت هو الآخر, فهل ظنّ الآخرون بأنكَ هم ؟. تبّاً لي يا أبي: "لقد شمّتْ روائحَ يأسي القططُ" لقد أصبحتُ زاوية البيت المظلمة والركنَ الركين المنهارَ والصوتَ الخجولَ والخافت. اعتكفْ في حجرتكَ – يا أبي- أبديّاً , فإنّي أخافُ عليكَ من جهل الجاهلين وأميّة المتسلّقين ورداءة القوّالين, وهم كثرٌ جداً – يا أبي – بحيث لا تستطيعُ عَدّهم ولا أستطيعُ . لا أريدُ منكَ شيئاً – يا أبي- فقط وددتُ أنْ تسلّطَ شُعاعاً من نوركَ الفيّاض على تلك الزاوية المُعتمة من

البيت, فليس فيها إلا “ملائكةٌ سودٌ”, حيث أقبعُ أنا مُكسوراً وهشّاً ومطعوناً ومهزوماً.

… آ هٍ يا أب , لقد سألتَني قبلَ سنةٍ من الآنَ, في مثل هذا اليوم تحديداً عمّا يجري ؟, فقلتُ لكَ: (إنّها الأرضُ التي تجري من فوقِها ومن تحتِها الدماءُ طاهرةً). فقلتَ لي بانكسارٍ عميقٍ لم أكَدْ أتبيّنُه, أجاءَ من بئر لا قرارَ لها ,أم تفوّهتَ به أنتَ؟, قلتَ وقولًكَ الحَقُّ:(نحن يتامى). اسمحْ لي- يا أبي- كي أشكرَ الإلهَ – مَرّةً واحِدة في الحياة- لأنكَ كليلُ العينين والأُذنين, أشكرُه لأنكَ لا تسمعُ ولا تَرَى, أشكرُهُ على هذه (النعمة)التي أنتَ فيها يا أبي.

يمكنُكَ أنْ تضعَ حَجَراً, وأنا أتكفّلُ برميهِ إلى أبعد نقطةٍ في الأرض, ما رأيُكَ يا أبي؟

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عبد اللطيف الحسيني

شاعر – سوريا

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

خاص الكتابة

 

 

مقالات من نفس القسم