العين المقدسة

حاميد اليوسفي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

حاميد اليوسفي

منذ سنوات وهذه القرية الصغيرة المنسية بين الجبال تنام هادئة.. استيقظ حمو كعادته باكرا.. توضأ وصلى.. اتجه إلى الحظيرة لتفقد قطيع صغير من الماعز.. انتظر أن تستيقظ زوجته، وتحلب العنزة.. خرج بعد ذلك إلى العمل في الحقل القريب من مدخل القرية..

فكر في إزالة بعض الأحجار الحادة التي اعتقد أنها ستضايق بذور الذرة عندما تنمو.. كشف التراب عن صخرة كبيرة.. ضرب بالفأس ثلاث أو أربع ضربات بقوة.. لم تتزعزع الصخرة.. فكر في أن يشقها من الوسط.. بدت عنيدة وقوية.. هو أيضا عنيد.. تحملت عشرات الضربات قبل أن تستسلم له.. انشقت من الوسط.. توالت الضربات.. أزال قطعة صغيرة.. فجأة تدفق نبع من الماء.. نادى بأعلى صوته على زوجته فاطمة.. كاد يُغمى عليه من شدة الفرح..

خرج سكان القرية عن بكرة أبيهم.. أحاطوا بحمو يسألونه كل مرة كيف انبجس الماء من العين!؟.. البعض اقترح بناء صهريج صغير حتى يتمكن الناس من استغلال الماء أحسن استغلال، بعد أن شحّ بئر القرية..

لاحظ السكان أن مذاق الماء مختلف عما ألفوه، لا بد أنه ماء معدني.. وهذا يحتاج من الشباب إلى فحصه بعد أخذ عينة منه إلى أحد مختبرات المدينة.. بعد أسبوع تأكد بالفعل بأنه ماء معدني، فذاع الخبر في الراديو..

باها (امعضور)* كما يصفه سكان القرية، يشد رأسه بيديه.. يصرخ من شدة الألم.. رأسه تكاد تنفجر.. فجأة يُزيل يديه، ويُطلق ساقيه للريح.. يجلس بجانب العين.. يدهن صدغيه وجبينه بالتراب الذي تحول إلى وحل بعد تسرب الماء إليه.. يشعر برأسه تبرد.. يعود إلى وعيه.. يُحس بزوال الحرارة والصداع من رأسه.. يرجع مبتسما إلى القرية، ويخبر كل من التقى به بأنه شُفي من الصداع، ويُريه الوحل الذي تبلل بماء العين المقدسة، وطلى به صدغيه وجبهته..  

بدأت تتناسل الإشاعات حول قدرة العين على الشفاء من أمراض لم يجد لها الطب دواء..

وشرع الناس يتوافدون من مدن بعيدة على القرية.. بُنيت الخيام، وأنشئت مطاعم شعبية، وافتتحت الدكاكين لبيع المواد الغذائية.. تحولت القرية بسرعة إلى موسم يكتظ بالزوار..

سيارات فخمة تقل أسرا من أعلى الهرم الاجتماعي، تأتي للتبرك بماء العين التي أصبحت مقدسة.. تُقيم يومين أو ثلاثة بالقرية، وتشتري قنينة من حجم خمس لترات أو أكثر مخلوطة بالوحل..

اعتقد كبار السن بأن الوحل المبلل بماء العين المقدسة يُشفي من أمراض الكلي، ويزيل صداع الرأس والحمى الشديدة، ويخفف من آلام المفاصل والركبتين والظهر، ويقاوم البرودة الجنسية وغيرها من الأمراض..

في المساء دخل جزار بدين خيمة موس، وقضى اللية معها.. في الصباح قدم لها مائة درهم.. ابتسمت بمكر، وتمنت عليه، لو أقرضها مؤخرته أسبوعين أو شهرا قبل أن تجفّ العين،  لكسبت الكثير من النقود، وأعادت إليه الأمانة، وفوقها مبلغا مهما من المال..

…………………

ـ أمعضور: المجنون بأمازيغية الأطلس الكبير.

مراكش في 05 ماي 2024

مقالات من نفس القسم

عبد القادر القادري
تراب الحكايات
موقع الكتابة

نظرات