الشاطئ

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

عبد الرحمن أقريش
الصويرة، 2011.

استيقظ متأخرا على غير عادته، لم يعد يشعر بالنعاس، ولكنه بقي ممددا هناك ومسترخيا، لم يغادر الفراش بسبب الكسل والألم الذي يسري في تفاصيل جسده بفعل الوقوف والإجهاد، فعمله في الفندق يفرض عليه السهر حتى الساعات الأولى للصباح.

تناول فطوره، أخذ حماما باردا، استرجع جزءا من حيويته، ثم قرر فجأة أن ينزل إلى الشاطئ، أعد حقيبته بعناية، شورت، قميص أبيض، حذاء صيفي خفيف، قبعة، نظارة شمسية، وفوطة كبيرة مزينة برسوم ذات خلفية استوائية.

الأسبوع الأخير من شهر سبتمبر.

كانت العطلة الصيفية قد انتهت أو هي على وشك أن تنتهي، سر كثيرا عندما لاحظ أن الشاطئ لم يكن مزدحما، تسربت حرارة الرمل الملتهبة إلى قدميه الكبيرتين، مشى مسرعا في اتجاه الماء فأحس ببعض الانتعاش، اختار مكانا، تردد قليلا، التفت يمينا ويسارا ثم وضع حقيبته، تمدد فوق الفوطة الكبيرة وراح للحظات يتأمل حركة الموج وهي تنكسر في منظر جميل ومغر…
خلع قميصه، نزع سماعة (الأيفون) من أذنيه وتوجه جريا إلى الماء، ألقى بجسده الرياضي في الماء، أحس بالانتعاش، ظل لمدة يسبح في حركات رياضية وبهلوانية متناغمة، يمينا ويسارا، يغطس ويطفو.

وعندما أحس بالتعب خرج من الماء، نشف جسمه، تمدد فوق الفوطة، أخرج قارورة المرهم وبدأ يدهن جسمه وهو يتساءل في نفسه. 

 – ما الجدوى؟!
كان يعرف أن بشرته الزنجية لا تحتاج للسمرة، ولا يخشى عليها من الاحتراق بفعل أشعة الشمس!!
أعاد سماعة (الأيفون) إلى أذنيه، وضع نظارته الشمسية، أخرج من الحقيبة مجلة مصورة ألقى عليها نظرة، وضعها جانبا، وراح يتفرس في الوجوه والأجساد شبه العارية وهي تمر أمامه.

تمر فتاتان بجانبه بلباس البحر، يلقي عليهما نظرة متفحصة، يقدر مباشرة أنهما غير جميلتين، يفكر في صمت.
 – لا زين، لا مجي بكري!!
للحظات، استسلم لتأثير الموسيقى المنبعثة من (الأيفون) ودفء الشمس، وراح في إغفاءة خفيفة، ثم عندما هبت ريح خفيفة، أحس بالرذاذ المنعش يلامس جسمه فانتبه.
رأى فتاة تسير بجانب رجل خمسيني، رجح أنه والدها، فتاة جميلة وأنيقة، تلبس بودي أزرق، وتنورة قصيرة ملونة، رفع رأسه، نزع نظارته الشمسية، نظر إليهما، ثم توقف عندها، يتأملها، ينظر إليها بكثير من الفضول والإصرار، نظرت الفتاة جهته، تم أطرقت وواصلت سيرها، انتبه إليه الرجل، فرمقه بنظرة منزعجة.
انخرط هو في شريط نوستالجيا حزينة، استسلم للحظة بياض قوية، وراح يسترجع تفاصيل من حياته المليئة بالمغامرات العاطفية الفاشلة، كانت حياته عبارة عن دراما فاشلة، ارتسمت على وجهه ابتسامة مؤلمة، تذكر، كان أصدقاءه يسمونه (المحاولة) في إشارة ساخرة إلى حديثه المتكرر عن تجاربه ومحاولاته العاطفية التي تكللت دوما بالفشل.

ظل غائبا للحظات، فقد الإحساس بالزمان والمكان، عندما مر أطفال صغار جريا في اتجاه الماء، تطايرت حبات الرمل تحت أقدامهم الصغيرة، انزعج، ولكنه لم يحتج، فقد قرر أن يقضي يوما هادئا وجميلا.

عندما عاد إلى نفسه أخيرا، تعمد أن ينهي شريط الذكريات المزعجة، وقرر تجزية الوقت بالتلصص على الآخرين.
إلى اليمين، رجل يدهن جسمه البدين بمرهم حليبي أبيض، تفحصه جيدا، نظر إلى كرشه المتدلية، ابتسم ثم راح ينظر إلى تفاصيل جسده الرياضي، يقارن بينهما، لطالما كان جسده الرياضي جدارا نفسيا واقيا، نوع من العزاء أمام انكساراته العاطفية المتكررة.

يفكر.
 – ما جدوى البشرة السمراء مع هذه الكرش المتدلية؟ لن أسمح أبدا لجسدي أن يصبح كتلة من الشحوم المتراكمة!!

في نفس المكان تقريبا، تجلس امرأة عجوز، تمدد قدميها اليابستين، تنظربهدوء لحفيديها وهما يلعبان بالرمل، يبنيان قصرا بسور وأبراج.
إلى اليسار بعيدا، وفي مكان منزو، شاب ملتح بلباس أفغاني، يشجع فتاته المحجبة على السباحة.

غير بعيد، يجلس زوج من السياح على أريكتين من البلاستيك، الزوج يقرأ مجلة، يدخن، وتغرق زوجته في رواية ضخمة.

تذكر المجلة، أخذها، تصفحها للحظات دون أن يقرأها، ثم ألقى بها في حركة يائسة، ثم عاد إلى التلصص من جديد.
تميل الشمس نحو المغيب، يغير المد وتيرته، ويبدأ في التراجع، وأصبح البحر عبارة عن بساط أزرق ممتد بشكل لا نهائي.

في الأفق، تبدو مراكب الصيد مجرد خطوط صغيرة وبعيدة، توارت الجزيرة و(دار البارود) خلف الضباب المتصاعد من الجنوب، هبت رياح تيار الكناري الباردة، وبدأت طيور النورس تهبط استعدادا للمبيت في ساحة المرسى وعلى أسوار السقالة.
قرر أن يستمتع بمنظر الغروب، وألا يغادر إلا عندما تتوارى الشمس كليا وراء الجزيرة.
التفت، كانت الفتاة قادمة في الاتجاه الآخر، اعتدل في جلسته، خلع نظارته، ورفع رأسه بشكل يسمح له برؤيتها، راقبها وهي تقترب، كانت الريح تعبث بتنورتها الملونة، عندما أصبحت على بعد خطوات منه، ألقت إليه نظرة خفية وخاطفة، أحست بالحرج وأطرقت من جديد، ثم أشاحت بنظرها إلى الجهة الأخرى، حاول هو أن تكون نظرته محايدة، نظرة إعجاب غير وقحة.

وجه إليه الرجل نظرة عتاب غاضبة.
فكر في صمت.
 – لست وقحا، إنها جميلة…أنا أنظر فقط!! هو المخطئ، لم يصحب معه فتاة بكل هذا الجمال إلى الشاطئ؟
توارت الفتاة.

اختفت الشمس كليا وراء الجزيرة.

بدأ في جمع أغراضه، يدندن أغنيته المفضلة، يفكر، يخاطب ذاته.

 – سأعود في الغد، من يدري، فقد تنجح المحاولة هذه المرة!!

 

مقالات من نفس القسم