السكينة والوهم وقُصة شادية

موقع الكتابة الثقافي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

- هل يمكن أن تحمينى؟

- طبعًا. 

– أحتاج ألا أرى أحدًا.. أحتاج ألا أتعرض لكل هذه الموجات المتداخلة من الأحاديث والأحداث.. ضربات قلبى متسارعة، متوترة، أحتاج لسلام، إلى صمت، أريد ألا أتحرك من السرير، أن أظل ثابتة فى مكانى ويكون ما حولى ساكنًا، خاملًا، أن أصوب بصرى تجاه الأشجار الطويلة الكثيفة التى تمتد على مدى البصر.. أغلق الستائر، الهواء الخفيف الذى يحرك زهرات الجهنمية وقمم النخيل تجعل قلبى يزداد خفقانه، والسحب البيضاء المتسارعة فى تغيرات تكويناتها تزيد اضطرابى.. أين الخريف؟ أين السكينة الغائمة لأيام الخريف حيث السحب غائمة وبطيئة وثقيلة، والضباب يعطى العالم جوًا أسطوريًا يخفى أكثر مما يبين؟.

– نبضك متسارع، ولهاثك نفسى.. اهدئى.. هل أعطيك منومًا؟

– لا، لا أريد أن أنام.. النوم لم يعد يمنحنى أى سلام أو سكينة.. نومى ملىء بالأحلام.. وأحلامى صاخبة أكثر من صحوى.. فقط اخفت الإضاءة.. لا أحتاج لمؤثرات بصرية كثيرة.

– سأظل بجوارك حتى تهدئى.

– هذا الأسبوع كان طويلًا كيوم الحساب.. وثقيلًا كصخرة سيزيف.

– فعلًا.. بدايته كانت صادمة.

– كانت قاسية.. لم أتخيل أن يمتد الهذيان لتفجير مصلين فى مسجد.

– شادية ماتت.

– شادية لم تمت.. اكتملت أسطورتها.

– كان الحزن مبالغًا فيه، وتمنيات الشفاء بلا معنى وهم يعرفون أنها سيدة تقترب من التسعين، فطبيعى ومتوقع مرضها.. موتها.

أفلتت يده..

– أنت قاسٍ.

– القسوة أن نكلف أنفسنا والآخرين ما لا نطيق.

– وأنا صغيرة كنت أعانى من «قُصة شادية».

– كيف؟

– كانت أمى تقص شعرى من الأمام «قُصة شادية» فكان الأولاد والبنات فى المدرسة وأقاربى من العائلة يطلبون منى أن أهز رأسى يمينًا ويسارًا كى يتحرك شعرى الناعم على جبهتى.

– ولماذا لم ترفضى؟

– فى البدء كان الموضوع مصدر زهو داخلى بشعرى الناعم الذى يحمل جينات كورية أو صينية، لكنه أصبح من كثرة التكرار ثقلًا أحمله على جبهتى.

– وماذا فعلتِ؟

– تحملت حتى طال شعرى وأصبحت أسرّحه للخلف، وماتت «قًصة شادية».

– هذا الأسبوع كان مجهدًا لكِ، تجهيزات حفلة المولد النبوى أخذت من طاقتك الكثير.

– المهم إن الأولاد يفرحوا، غنوا ومثلوا وكمان وزعت عليهم حلوى المولد.

– المفروض توزعى معاها فرشاة ومعجون أسنان.

– معظم الدادات لم يشترين حلوى هذا العام فوزعت عليهن أيضًا.

– الفلوس أفضل ويستفيدوا منها أحسن.

– ليس كل شىء خاضعًا لهذا المنطق الاقتصادى، هناك أشياء وعلامات تريحك أو تجهدك.

– أمس استيقظت من نومى كى أطمئن على الأطفال، كانوا نائمين، لكن طفلًا طلب أن يشرب، فأعطيته كوب ماء وكنت عطشانة جدًا فشربت ما تبقى من كوبه.

– أنت لا تراعين القواعد الصحية وتختلطين بالأطفال بطريقة مرعبة.. تشربين من أكوابهم، وتأكلين ما يتبقى من طعامهم، وأحيانًا تُخرجين طعامك من فمك وتعطينه لهم.

– وأنت لا تراعى القواعد المهنية وتقيم علاقة مع مريضتك.

– أنتِ لست مريضتى أنتِ آسرتى.

– أنا سجانة؟

– أنا لست سجينًا، أنا أسير.

تُقبل باطن كف يده وتسند خدها عليه..

– كنت قد نويت الصوم أمس.. لكنى استيقظت عطشانة فشربت.. نظرت للساعة كانت الخامسة إلا ثلث، اعتقدت أن الفجر قد أذن، ولكن بعد أن ذهبت لحجرتى سمعت الأذان.. شعرت أنها رسالة.. وعدت لنية الصوم.. أقولك على سر.

– سامعك.

– منذ فترة طويلة لم أصلِ الفجر.. وهذا هو السبب فى أنى لا أعرف ميقاته هذه الأيام.

– ممكن تضبطى الموبايل على مواعيد الأذان.

– جمال صلاة الفجر أن تستيقظ له بمفردك.. أن تسحبك روحك من غفلتك وتتنبه حواسك لدعوة الملك وجلال الموقف.

– الخطيب فاز فى انتخابات النادى الأهلى.

– الخطيب اختفى شعره الكثيف وبدأ الصلع يزحف لمقدمة رأسه.

– ناس كتيير مبسوطة.

– هذا بلد صور ذهنية وليس بلد إنجازات، ورغم ذلك أنا مبسوطة لبيبو.

– أنت تقدسين الأساطير.

نحن سلفيون بالفطرة.

 

 

مقالات من نفس القسم