إيهاب الملاح
شخصيته جادة دؤوبة ومثابرة، يدقق كثيرا فى النظر إلى أعماله ويعتبر مشروعه الذى يعمل عليه منذ العام 2002 مستحقا للجهد والتعب والانقطاع الذى استغرقه، طوال عشر سنوات، لتكون الحصيلة حتى الآن، أربع روايات وشهرة معقولة والوصول إلى القائمة القصيرة للبوكر، والمنافسة على الجائزة المهمة.
عن الروائى السعودى الشاب، محمد حسن علوان، أتحدث، وعن روايته اللافتة «القندس» 2011، الصادرة عن (دار الساقي) بيروت، وهى الرواية الرابعة فى مسيرته مع الكتابة، بعد «سقف الكفاية» 2002، و«صوفيا» 2004، «طوق الطهارة» 2007.
علوان، نموذج ناصع لجيل جديد من الشباب السعودي، الذى أخذ نفسه بالتعليم والتثقيف، مزاوجا بين الأصالة والمعاصرة، يتحدث اللغات الأجنبية، ويرتدى الجلباب العربى الأبيض، ويضع على رأسه العقال الشهير.
“أنا من مواليد الرياض عام 1979، درست علم الإدارة ونظم المعلومات فى جامعة الملك سعود بالرياض، وحصلت على الماجستير فى إدارة الأعمال من جامعة بورتلاند فى الولايات المتحدة الأمريكية”، هكذا استهل حسن علوان الرد عن سؤال تقليدى عن التعريف به وطرفا من سيرته الذاتية والعملية. اسم “بورتلاند” الأمريكية سيتردد كثيرا فى روايته «القندس» كأحد الفضاءات المكانية الرئيسية التى تشكل خلفية الرواية.
يتابع علوان: “نشرت روايتى الأولى «سقف الكفاية» وأنا فى الثالثة والعشرين من عمري، ثم نشرت بعدها ثلاث روايات أخرى”. يبدو علوان من البداية محددا هدفه والطريق الذى قرر أن يسير فيه، مزاوجا بين مسارين، الدراسة والعمل من جانب، واحتراف الكتابة من جانب آخر، وربما لاهتمامه الشديد بأعماله الروائية وحرصه على خروجها فى أفضل صورة ممكنة، تم اختياره فى عام 2010 ضمن أفضل 39 كاتبا عربيا تحت سن الأربعين فى مشروع (أنطولوجيا بيروت 39). كتب علوان مقالة أسبوعية لمدة ست سنوات فى صحيفتى (الوطن) و(الشرق) السعوديتين، ونشرت له صحيفتا (نيويورك تايمز) الأمريكية و(الجارديان) البريطانية مقالات وقصص قصيرة.
“هناك أحداث مفصلية وحاسمة فى حياة كل منا. فى لحظة محددة تتخذ قرارا لا رجعة فيه. إما بالمضى فى الطريق الذى اخترته بمحض إرادتك، وإما السقوط فى بئر لا قرار لها”، يجيبنى علوان عن سؤالى حول اللحظة التى قرر فيها أن يكون “روائيا”، فبعد أن نشر روايته الأولى “تولدت بداخلى رغبة حقيقية وجادة فى خوض غمار الكتابة التى شعرت وقتها بأنها ستحدد مسارى كله، وعليه فقد قررت اعتبارى روائيا باحثا عن هويتى الكتابية الخاصة.
أستطيع القول بصراحة، إنه مع نشر أى رواية جديدة لى أشعر بذات الإحساس، جوهرية الحدث وأهميته، لأن بلوغى لهذه المرحلة، نشر رواية، يشكل ختاما سعيدا لمعاناة كتابتها التى تستغرق منى فى العادة مدة عامين”.
دراسة علوان، وتخصصه فى علم الإدارة ونظم المعلومات، انعكسا إلى حد كبير على تخطيطه وتنظيمه للوقت، وإنجازه رواية كل عامين، بحسب رده السابق، لكن هذا الانعكاس يبدو واضحا وبشكل أكثر بروزا على بناء رواياته ورسم شخوصه، وهو ما رصده الكثير من النقاد الذين كتبوا عنه وعن مشروعه الروائي.
روايته الأخيرة «القندس»، ترشحت إلى القائمة القصيرة للبوكر، وبرز اسم حسن علوان ضمن الأسماء الشابة المنافسة بجدارة على الجائزة العالمية (حسن علوان، وجنى الحسن، وسعود السنعوسى لم يتجاوزوا العقد الثالث، بعضهم تجاوزه بقليل) فى مواجهة الأسماء المخضرمة والأكثر ممارسة للفن الروائى بحكم الإنتاج وفارق العمر.
«القندس» منذ صدورها لاقت اهتماما كبيرا بما قدمته من طرح فنى مغاير ومعالجة جديدة لموضوع الانتماء والتفسخ الذى ضرب الأسرة العربية فى صورتها العشائرية أو القبلية، والعلاقة الإشكالية بين مجتمعين متباينين فى الثقافة ورؤية العالم، يقول علوان عن روايته “من خلال تجربة شاب عربى مهاجر، تنفصل أواصر علاقاته بأسرته ومحيطه القريبة، تتداعى ذكرياته بتفاصيل نشأته الأولى وعلاقته بأبويه وأشقائه، كاشفا خلال هذه الرحلة عن تناقضات المجتمعات العربية المغلقة، وأزمات انفصالها الواعى أو اللا واعى عن تطورات العصر والعالم البعيد، متخذا من حيوان “القندس” النهرى الشهير فى أمريكا معادلا فنيا لرحلة انفصاله عن عائلته وتداعيات هذا الانفصال على روحه وسلوكه”.
سألته “ألا تخشى من المنافسة على الجائزة سلبا بالخروج منها أو إيجابا بما تحمله معها من أضواء وشهرة قد تعوق عملك فيما بعد؟”، رد بثقة ووضوح “لا بد على الكاتب، أى كاتب أن يفصل بين الكتابة كاستجابة لنوازع داخلية ملحة وحاجة روحية ضاغطة، وبين نتاج أو آثار هذه الكتابة من بريق الاحتفاءات والجوائز أو التكريمات.. لا أحد يرفض التكريم أو ينفر من شعور النجاح والتقدير، فهذا طبيعى وضرورى أيضا. لكن الوعى بضرورة الفصل بين الحالتين مسألة حاسمة ومنتهية”.
علوان تابع تفصيل إجابته “أنا أسعى دائما إلى هذا الفصل الحازم بين الحالتين، مع الاعتراف بصعوبة ذلك والتداخل بينهما فى أحوال كثيرة، لكن على الكاتب أن يجاهد ويكابد لتحقيق هذا الفصل حتى لا يفقد بوصلته الداخلية ويتحول آليا إلى الاستجابة لسير الأحداث والأضواء دون رد أو مقاومة”.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
القندس
بطل رواية «القندس» الشاب السعودى المهاجر “غالب الوجزي”، فى الأربعين من عمره، يحيا بلا هدف أو أمل، خال من المهارات والقراءات لا يملك شيئا ولا يسعى لشيء، يعانى من مرارة تجربته الأسرية والعائلة التى تلح عليه وتناوشه وتغرقه بين براثنها، فيستدعى تاريخها وعلاقاتها المتفسخة فى موازاة تاريخ الأرض التى ولد ونشأ وتربى فيها بشبه الجزيرة العربية، وتاريخ المجتمع، الذى يحاول مواجهته بإشكالياته وموضوعاته المسكوت عنها.
“القندس” هو الحيوان النهرى ذى الأنياب البارزة، المنتشر فى أنحاء متفرقة من شمال أمريكا، معروف عنه بناؤه للسدود على ضفاف الأنهار لحماية عائلته وتحويطها وحمايتها من الأخطار، وهو المعادل الرمزى للإحساس المفقود بداخل البطل عن العائلة المترابطة والأسرة المتماسكة التى عانى مرارات فقدانها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نقلا عن صخيفة “التحرير” المصرية