الرسائل الـمفقودة

حسام جليلاتي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

حسام جليلاتي

اعتدنا اليوم في العصر الرقمي على التواصل من خلال رسائل البريد الإلكتروني ومنصات التواصل الاجتماعي. بدأ فن كتابة الحروف على الورق يتلاشى، ويفشل كثير من الناس في إدراك أهميته. تعد كتابة الرسالة باليد نشاطًا يتطلب وقتًا وجهدًا وتفكيرًا. إنه تعبيرٌ ملموس عن عواطفنا ومشاعرنا مما يجعله شكلاً فريدًا من أشكال التواصل.

رسائلي الضائعة.

بينما جلستُ في مكانٍ ما محاطًا ببقايا الماضي، لم يسعني إلا الشعور بإحساسٍ عميقٍ بالخسارة. لقد أمضيتُ أوقاتاً لا تحصى في صب قلبي في عشرات الرسائل الورقية، بعضها لأصدقاءٍ قُدامى أيام الدراسة مليئة بتفاهات الشباب ومتعة النمو. لكن الكثير منها كانت لفتاةٍ جميلة لم أعرف اسمها حتى الآن. امتلأت كلماتي لها بالعاطفة والشوق لشابٍ واقع في الحب، كانت تتناثر على صفحتي مثل نهر من العاطفة.

جاءت الحرب،

وضاعت كل رسائلي الورقية. الرسائل التي كانت ذات يوم مصدرًا للراحة والعزاء لارتباطها بالبساطة والبراءة، لم تعد الآن أكثر من ذكرى بعيدة. كانت خسارتي مدمرة، ووجدت نفسي أكافح كي أتصالح مع حقيقة أن جزءًا من ماضيّ قد أخذ مني. عندما فكرت في ما فقدت، لم يسعني إلا التفكير في أهمية الحروف المكتوبة بخط اليد بالرغم من أننا نعيش في عصرٍ رقمي. في عالم أصبح فيه التواصل عن بُعد يزداد يوماً بعد يوم حيث يتم إرسال الرسائل واستلامها بنقرة زر واحدة.  الرسائل المكتوبة بخط اليد هي تعبير ملموس عن روح الإنسان، وتذكير بأننا أكثر من مجرد آلات، وأكثر من مجرد أجزاء من بيانات تطفو في الفضاء الإلكتروني.

من ناحية أخرى، كتابة الرسائل بخط اليد لها فوائد عديدة، فهي قد تساعدنا على التأنّي والتفكير والتواصل مع أنفسنا. كما أنها توفر لنا فرصة إظهار تقديرنا أو تعازينا أو حبّنا بطريقة أكثر وضوحاً وعمقاً. لها كذلك تأثير علاجي على أذهاننا وعواطفنا، فهي يمكن أن تقلل التوتر والقلق، وتمنحنا الشعور بالهدوء والوضوح. إنها شكل من أشكال التواصل الشخصي والحميم.

في عالم اليوم سريع الخطى، نادرًا ما نأخذ الوقت الكافي للتعبير عن مشاعرنا. يكفي التراجع خطوة إلى الوراء والتأمل ووضع أفكارنا في كلمات بخط يدنا بطريقة أصيلة وحقيقية.

كان فقدان رسائلي الورقية بمثابة تذكير لي بخسارتنا الهائلة في هذا العصر الرقمي، فنحن نركز على السرعة والكفاءة لدرجة أننا نسينا أنفسنا. لقد فقدنا الاتصال بقوة الكلمة المكتوبة والقدرة على لمس قلب شخص ما بما لا يزيد عن بضع ضربات قلم.

ومع ذلك، حتى في مواجهة هذه الخسارة، هناك أمل. بقدر ما فقدنا، ما يزال هناك الكثير. قد تختفي الذكريات التي تم التقاطها في تلك الحروف الورقية، لكن المشاعر التي أثارتها ما تزال قائمة. الحب والفرح والألم – كلهم ما زالوا هناك، ينتظرون الشعور مرة أخرى. كان فقدان رسائلي الورقية بمثابة تذكير لي بأن الحياة تزول، وأنه لا يوجد شيء دائم. لكنه كان في نفس الوقت تذكيرًا بقوة الكلمة المكتوبة، والقدرة على التقاط لحظة في الوقت المناسب والاحتفاظ بها إلى الأبد. وهكذا، بينما ما أزال جالساً هنا، محاطًا ببقايا ماضي، أتذكر أنه حتى في أحلك الأوقات هناك جمال يمكن العثور عليه.

………………

 *مخرج سينمائي سوري

مقالات من نفس القسم