تتشكل علاقة الطفل بالعالم من حوله، من خلال الكتاب الذي يرافقه أينما ذهب فيتعرف من خلاله على الحيوانات والأشياء ويصادق الأشخاص، فيحكي لها ويقوم معها بمغامرات صانعاً قصته هو، التي تمتزج مع القصة المروية في الكتاب، فيشعر بالسعادة كما ازدادت معرفته.
وفي هذه السن يستخدم الطفل حواسه ليدرك ملامس الأشياء ويقلب صفحات الكتاب لتتجسم أمامه الأشكال أو تصدر موسيقي وتتحرك عيون الشخصيات وعجلات العربات أو تشاركه الدمية الحكي ليكون الكتاب شديد الجاذبية والقرب من الطفل بدءاً من غلافه الذي هو مغزى الكتاب،لكنه وفي الوقت نفسه لا يحكي تفاصيله.
لكن لا تكون معادلة كتاب الأطفال ناجحة بدون طرفيها: كتابة تحمل روح الطفل، ورسماً يرى بعينيه ما لا يراه الآخرون، فيشعر الطفل أنه من الممكن أن يرسم مثل هذا، أو يحيا مع شخصيات القصة التي أتاحتها له الرسوم.
والفنان الذي يرسم كتب الأطفال، لابد أن يفكر بالصورة وهو ما يفعله الأطفال. فالرسوم تخاطب خيال الطفل وتنتقل إليه المعانى من خلال تلك الرسوم، اذ يجد متعته في التطلع اليها فيردد أسماء الأشياء أو الحيوانات وقد يخلق منها أصدقاء له يسافر معهم في خياله، فتشيع في الطفل روح المرح والبهجة،كما تساهم في توسيع خياله ومداركه.
يقول فان جوخ “للوحات حياتها المستقلة التي تنبع من روح الرسام”، وأكثر ما تنطبق هذه المقولة على رسوم الأطفال، فرسوم كتب الأطفال مادة حية ومن لا يدرك ذلك يحول الرسوم الى مجرد رسم توضيحى شرحا أو مفسرا للنص المصاحب، وهو ما يمكن توصيفه أيضاً بمقولة أخرى لفان جوخ “اللوحة العادية طريق صخري يمكنك السير فيه لكنك لن تجد الأزهار هناك“.
والرسام الحقيقي الذي يقترب من عالم الأطفال،هو الذي يقدم نصاً موازياً للذي قدمه الكاتب، فيه إبداع مماثل، وفيه رؤية لعالم الطفل ربما لم تستطع كلمات الكاتب أن تصفها، وعندما تتحول الرسوم إلى نص مواز فإنها تحرك خيال الطفل مع الكلمات المصاحبة في الكتاب فيعين خيال الطفل على الانطلاق والتحرر والإبداع ، فيشكل صوراً عن الأفكار وينال الطفل الفرصة ليزداد إحساسه رهافة.
وترتبط الرسوم في كتب الأطفال بسن الطفل الموجه اليه الكتاب، وفي كل مرحلة تختلف مسئولية الرسام، لكنه في كل مرحلة لا بد له أن يتقمص روح الطفل في الفئة العمرية التي يوجه ألوانه إليها، فكلما كبر عمر الطفل زادت التفاصيل في العناصر المرسومة أو الخلفيات ، وقلت مساحة الرسم وازداد النص بينما الكتاب الموجة للطفل تحت سن السابعة تكون عناصر الرسم بسيطة ومألوفة للطفل ذات ألوان زاهية وصريحة بعيدة عن التفاصيل ويأخذ الرسم المساحة الأكبر بالنسبة للنص ذو الكلمات البسيطة والمباشرة .
في ذلك العالم فقط، عالم الرسم للأطفال، لا يمكن أن تصبح الحياة بالأبيض والأسود ، انه عالم يحيا بمحبة اللون وغناه . إذ تجذب الألوان الزاهية بصر الطفل فيعتمد الفنان علي الألوان الأساسية ليخاطب بها الطفل تحت السادسة و تتسع بالتته بالألوان الممزوجة ودرجاتها كلما كبر عمر الطفل.
وما يجب علينا أن ندركه تماما ونحن نقدم كتابا للطفل هو أننا نساهم في تشكيل وجدانه وتذوقه للفن ، لذا يجب علينا ان نقدم له لوحات في كتاب وليس مجرد رسما توضيحا يصاحب النص . فنحول ثلج الورق الأبيض الى سطح غنى بالتفاصيل ملئ بالحياة ونابض بالألوان ، فأول لقاء للطفل بالفن يكون من خلال تلك الرسوم، فإذا اخترقت روحه بقوة ودخل الى عالمها قد يصبح يوما رساما لقصص الأطفال أو فنانا تشكيليا ، وحتى لو لم يصبح فناناً فإنها ستجعله يرى العالم بعيني الفنان فيقدر الفن ويتذوقه.
فقد ساهمت أعمال الفنان حجازى في تحفيز عقول الأطفال على التفكير وأدخلت البهجة لقلوبهم، ففي لوحاته نرى النخل يطرح بالونات و الأطفال تصعد النخل وكأنها تصعد على درجات السلم ، أما حيوانات عدلي رزق الله فقد أصبحت رفيقة الأطفال في غرف نومهم ،يلعب معها الأطفال ويتعلمون منها، وجعلتهم يحبون ألوانه المميزة بشفافيتها ورقتها، فشعرنا بملمسها ودرجات النعومة وكثافتها. أما كشكول اللباد الذي جعل الأطفال تحقق أحلامها من خلال الرسم مثلما فعل في حلمه كسائق للترام ، لوحات إيهاب شاكر الشاعرية ذات الطابع الاسطورى فالأسد والحصان والأسماك و الأشخاص ذات الوجوه القمرية تظهر لنا من خلال خطوط وألوان تتحرك في فضاء صفحات الكتاب بإحساس موسيقي. لقد قاموا بمناجاة الطفل من خلال لوحاتهم في كتاب يحمله بين يديه الصغيرتين.
لقد أغني هؤلاء الفنانون عيوننا بفنهم وصدقهم الشديد فيما قدموه لنا. فظللنا كجيل نبحث عن” فضولى” للفنان حجازى بين صفحات المجلة ونتابع ما تفعله “شمسة ودانة” للفنان إيهاب شاكر، وننتظر ليلاً حكاية قبل النوم التى رسمها جورج البهجورى “أم الضفيرة” وصديقها القط بسبس.ونسبح في الدرجات اللونية بتأثيرها الموسيقي الذي نسمعه بعيوننا في حكايات عدلي رزق الله التي كتبها أيضا .
فالفنانون الناجحون في رسم كتب الأطفال هم الذين يعيشون خيال الأطفال ويتصورون الحياة من وجهة نظرهم، لذا فقد قام العديد منهم بكتبه نص القصة، وبذلك استطاعوا ان يضعوا الكلمة في خدمة الصورة وليس العكس. إذا استطاعوا رؤية وتصور العمل بصورة متكاملة، قد تسبق الكتابة.فقدمت لنا الفنانة رانيه أمين قصص “فرحانة” تلك البنت السمراء ذات الشعر المجعد والتي جعلتها قريبة من كل طفل مصري بملامحها، وبتصرفاتها واختياراتها في المواقف المختلفة، اذ احتفظت الفنانة بتفاصيل طفولتها لتقدمها للأطفال من خلال خطوط سوداء داكنة للشخصية تشبه الرسم الذي يقوم به الأطفال فتخطت كل الحواجز اليهم.
كذلك فعل الفنان وليد طاهر فقدم للأطفال العديد من الأعمال التى قام برسمها أيضا ومنها شخصية “فيزو” بكل شقاوتها وخطوطها المفعمة بالحركة لتمثل كل طفل. وسابقا قدم لنا اللباد مملكة الجزر وصندوق الدنيا أو اختار نصوصا ليقدمها لنا مثلما فعل مع نصوص فؤاد حداد. والأعمال العديدة التى قدمها عدلى رزق الله بدأ من القطة نمنمة،لم تكن مجرد قصة للأطفال حملت العديد من المعنى،حتى أنك تستطيع وأنت طفل كبير أن تستمتع بقراءتها، وظل منشغلاً بتقديم الفن للطفل من خلال تجربته الفنية وحكاياته في “لعبة الألوان” و”الفنان و الأحلام “.
اكتشف هؤلاء الرسامون طرق للنفاذ إلى خيال الطفل، فالصلة الوثيقة بين المغامرة المرسومة وخيال الطفل تستطيع أن تجعل الخيال ينمو وعلى الكاتب الرسام يحاول أن يمسك بتلك الصلة ويؤكد عليها. وللرسوم في كتب الأطفال أثر على خيالهم أيضاً في الوقت الذي تنمو فيه وسائل الاتصال و يقوى دور التكنولوجيا وتكثر تقنياتها فيصبح العالم أكثر صخباً.
ما يمكن قوله في النهاية هو أنه يجب علينا أن لا نحد من خيال الطفل بقصص ساذجة بل لنجعلهم مشاركين في الكتاب ليتحرر خيالهم فيضيفون رسما أو كلمات للكتاب و ليصبح لهم فيه دور فلا يكتفي الطفل فقط بالتلقي بل يمكنه التفاعل أيضا، وقتها ستتفتح مدارك الطفل، وتبدأ خلايا الإبداع في عقله في العمل.
وقد يمرض خيال الأطفال مما نشاهده يوميا على شاشات التلفزيون، لذا يجب أن علينا أن نقيهم منذ ذلك بان نجذبهم لمحبة الفن من خلال كتاب يحمل أفكاراً حقيقية قريبة منهم وتحترم مشاعرهم وأحلامهم، فنجعلهم أملا حقيقيا لغد قد يكون أفضل بهم .