” الخروج إلى النهار ” .. تأملات فلسفية عن الإنسان و الإنسانية

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 78
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

جمال الطيب

تحيّرك البداية عندما تشرع في الكتابة عن رواية " الخروج إلى النهار " للكاتبة " نجلاء علام " ، فتجد رأسك مملوءة بالأفكار والموضوعات التي طرحتها الكاتبة من خلال روايتها .

فهي تتناول بدء الخليقة، نشوء كوكب الأرض، قصص من القرآن ( قابيل وهابيل ) تستشهد فيها بآيات قرآنية من سور متعددة ( المائدة – البقرة – الأحزاب - هود )، أساطير يونانية ( هانيبال – كليوباترا ) وأساطير فرعونية ( كتاب الموتى – إيزيس وأوزوريس – الملكة تتي شيرى)، مما يحتّم عليك قبل البدء في الكتابة الإلمام بكل هذه العناصر، حتى لو كانت في الذاكرة كمعلومات لديك أو ثقافة عامة، فعليك إذاً المبادرة بالبحث والمراجعة المتأنية الواعية لها، فالرواية مبذول بها مجهود ملموس من الكاتبة ، وعليك أنت أيضاً أن تجتهد حتى لا تبخسها حقها في التقدير لمجهودها المبذول .

نشوء كوكب الأرض

تبدأ أحداث الرواية على أصوات إنفجارات وأصوات زاعقة لن نستطيع أن نقول عنها أنها ” هزت أرجاء السماء “، فساعتها لم تكن هناك سماء كالتي نعرفها، فالكون ” متكوّر ” على نفسه يسبح في الفراغ .

ينفجر الكون ليتبعثر ويتناثر ما بداخله في الفضاء صانعاً الكواكب، النجوم والمجرات ، وينفصل كوكب من هذه الكواكب ويستقر وتتكشف معالمه من اليابسة والسماء والجبال والذي أصبحنا نعرفه تحت مُسمى ” الأرض “، ونعيش عليها الآن .

”  قابيل ” و” هابيل ”  .. القتل بين الأمس واليوم 

يبدأ تاريخ الصراعات والنزاعات التي نشاهدها الآن وتدور حولنا منذ خلق الله آدم وحواء ونزولهم إلى الأرض بعد غواية إبليس لهما وتفاحته الشهيرة، ولنكون أكثر دقة، منذ  ” قابيل ” و” هابيل “، الأولاد ” البكرى ” لأبيهم ” آدم ” .

تركّز الكاتبة على الدوافع التي أدت ب “قابيل ” إلى قتله لأخيه ” هابيل ” ، والتي ترى أنها   ” الغيرة ” التي كان يشعر بها ” قابيل ” من ناحية أخيه ” هابيل “، والذي تقول على لسانه ” كان الوسيم الهادئ، وكنتُ القوي المُعين، كان كالجدول ليّناً عذباً، وكنتُ كالنار ملتهباً وضرورياً “، ثم يستكمل ” كنتُ المحب في صمت، العزوف عن الكلام ” ( ص10 )، حتى يصل بكلامه إلى النقطة التي يراها فاصلة في عداوته قائلاً ” ورغم لين طبعه، كان يستميلني للعداء . ” ( ص10 ) . 

وهنا تستشهد الكاتبة من خلال السرد بالآية القرآنية التي تحكى ما دار بين الأخوين           لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28) سورة المائدة .

لا يفوت الكاتبة أن تسلط الضوء على ” زوجة قابيل ” وترى أنها كانت أيضا من أسباب دوافعه لقتل أخيه ، فهي كانت دائمة المفاضلة بينهما، فهي تعشق قوة الحب والشاعرية اللتان تراهما في ” هابيل “، كما كانت تحب قوة العزيمة والجسارة اللتان يتصف بهما ” قابيل “،   وكانت ترى أن “هابيل ” لا يطيق المكوث في مكان ثابت، فهو دائم الحركة والترحال، ولكن باستطاعتها أن تزرعه بالأرض ليستقر ويثبت، و” قابيل ” على الجانب الآخر لا ينقصه إلا القلب الرحيم وبه تكتمل صورته المثالية في العيون ولمن يتعاملون معه .

بزواج ” قابيل ” يبدأ ميلاد البشرية التي ستنتشر في ربوع الأرض ليعمّروها ويسكنوا إليها، امتثالا لأوامر الأم التي نادتهم بذلك ” إملأوا الأرض، واهجروا الصحاري والغابات، وعيشوا على ضفاف الأنهار، واطلبوا المجد، خذوا الأرض، فمن أجل هذا ضحت أمكم . ” ( ص20 ) .

الإنسان .. خليفة الله في الأرض

 ” وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30) سورة البقرة

 نعود مع الكاتبة ومن خلال سردها لأحداث الرواية واستشهادها بالآيات القرآنية  إلى ” آدم ” وحمله للأمانة التي كلفه الله بها، بالرغم من التحذيرات التي وجهت إليه لتثنيه عن حملها والتي صرنا نحملها من بعده وهى العقل والقدرة على الاختيار والتمييز بين الطيب والخبيث، بين الخير والشر والحلال والحرام .

إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72 ) سورة الأحزاب .

أحفاد ” قابيل ” .. قتلة اليوم

بعد كل هذا الزخم الذي حفلت به الرواية تدعونا الكاتبة إلى ” هدنة ” لالتقاط الأنفاس لتسرد لنا خلالها تطور أعمال القتل على أيدي أحفاد ” قابيل “، أول قاتل في تاريخ البشرية، ولكن إنسان هذا العصر قام بإدخال التعديلات واستحداث الابتكارات التي تتلاءم مع الزمن الذي نعيشه !!

فمن خلال مقطع ” تمرين ” تسرد لنا الكاتبة ما آل إليه الإنسان من وحشية وغلظة، فهو يقتل وكأنه يمارس عملاً يدوياً وبصورة آلية ديناميكية لا مكان فيها للمشاعر أو الأحاسيس، بل هو القتل من أجل القتل !! فتقول على لسان القاتل  ” كنت قد حاصرته أخيراً، في الركن بين حافة البوفيه والجدار، واستجمعتُ قوتي، وطعنت الطعنة الأخيرة، بعد عدة طعنات أخطأت طريقها للقلب . ” ( ص40 ) .

وفى مقطع ” قهوة باللبن ” وبدون أن تضع الكاتبة نهاية لها، ولكننا نستشعر أن هناك جريمة قتل قد حدثت بالفعل، دافعها الحقد والغيرة من هذا الرجل الذي يراه يعيش سعادته مع المرأة الجميلة التي يحبها وتحبه، فتقول الكاتبة على لسانه ” – امرأة شديدة الجمال تلك التي معه .

قلت وأنا أفسح مكاناً على طاولتي، كي يضع النادل الفنجان شممت الرائحة التي أحبها، للقهوة السميكة الفوّاحة، حين يحدها اللبن، بنكهته المائعة الخافتة، فتكون تلك الرائحة المميزة المشبعة . رشفت أول رشفة فشعرت براحة واستمتاع، كان يستعد للخروج عندما ركّزت بصري على عينيه، فعرفت أنني سأناله، أخرج العشرينات من جيبه، ودفع الحساب، وترك الهبة . ” ( ص41 ).

  فكان  القتل جزاؤه للتخلص منه وحرمانه من هذه السعادة، ولتعيش المرأة حزينة على فقدها له وحرمانها منه !!

وفى مقطع ” ليال غير قصيرة ” نأتي إلى نوع آخر من القتل، وهو ما عرفناه تحت مُسمى     ” مع سبق الإصرار والترصد ” !!، من خلال قاتل لا يفرق في قتله بين رجل أو امرأة والذي يقول عن مهنته – يا للعجب – التي يمارسها ” مهنة متعبة، أجلس بالساعات في البرد والحر ،متتبعة الذي يخطو أمامي، مشيتُ مرة من العتبة إلى شبرا، في نهار صيفي كأنه النار وراء تلك المرأة التي سُرق كيس نقودها في الأتوبيس، وكنت ألعن الحرامي في كل لحظة . ” ( ص42 ) .

في مقطع ” فوق الجبل ” تبلغ السخرية مداها، فهي تحكى عن اجتماع يضم القتلة من رجال ونساء، وكل منهم يستعرض وسيلته في القتل ليفوز بالجائزة التي ستُمنح لأغرب طريقة قتل وهى ” التاج الفضي ” !!، والتي فاز بها الوافد الجديد والتي تصفه الكاتبة قائلة ” وهو سمين .. أبيض .. وجهه مشرب بحمرة ، اختلط في شعره الأبيض بالأسود ” ( ص43 )، ولكن العجيب في حكايته أنه لم يستعمل سكيناً في يده، ولم يلجأ للخنق كما فعلت المرأة ذات الأظافر الطويلة – كما وصفتها الكاتبة – وحكايتها مع المرأة التي أغرقتها في البحر، ولكنه قاتل بأسلوب جديد، فهو يقضى على ضحيته بقتلها معنوياً !!، فيقول ” ورشرتُ حوله المسحوق، ثم أتيتُ بجردلٍ كبير مملوء بالماء، ودلقته عليه، فصنع المسحوق فقاقيع كثيرة … وأتيتُ بجردل ثان، حتى غطت الفقاقيع الرجل،وضعتُ الشريط في الكاسيت، وأدرته .. فانبعثت الموسيقى الصاخبة . كنت أرى الرجل يقاوم على إيقاعها وسط الفقاقيع التي لا يبدو من تحتها، حتى اختنق ! ” ( ص44 ) .

 فهو يدفع القتيل إلى التخلص من حياته بنفسه، ليتخلص من الشقاء الذي يعانيه في حياته، سواء في عمله أو حتى في منزله من خلال الإعلانات الفجة التي يشاهدها أمامه من خلال جهاز ” التلفاز “، ويرى كيف يعيش ” الآخرون “، وكيف يستمتعون بحياتهم من خلال الفيلات والقصور التي يعيشون فيها وحياة البذخ والرفاهية التي يتمتعون بها .

و في مقطع ” أيادٍ بيضاء ” يفوز صاحبها ” بالتاج الذهبي ” !!، فهو القاتل بإحترافية، يقتل ويشرب من دم قتيله وكأنه ” دراكولا ” كما نراه في الأفلام الأجنبية !!  فيقول ” لم أرض أن أطعنه طعنة قاتلة من أول مرة، يأخذ الطعنات ويجري، دمه يسيل على السجّاد، وفي الأركان، طعنات متوالية، أخطأتُ فيها القلب عن عمد، لكنه جرى للمكان الذي أريده بالضبط، فضيّقت عليه الخناق في الركن الصغير، بين البوفيه والجدار وبطعنة واحدة نافذة إلى القلب،    أرحته .. نزعتُ السكين، شربت الدماء المتفجرة منه، شربتُ حتى ارتويتُ، ثم تركته يهوي، لعقت الدماء العالقة بيدي، فبان لونها الأبيض . ” ( ص45 ) .

ونستشعر هنا أنه القاتل في مقطع ” تمرين ” وكأنها كانت بالفعل تدريباً أو نستطيع أن نقول   ” بروفة ”  لجريمة قتل يستعد لها !!

نماذج من القتل الوحشي استعرضتها لنا الكاتبة لتفضح من خلالها سلوكياتنا وتشير إلى الوحشية واللآدمية التي أصبح عليها إنسان هذا العصر والتي تفوّق فيها على الجد الأكبر ” قابيل ” البرئ منهم ومن أفعالهم، فهو لم يكن بهذه القسوة، ولم يقتل لتلذذه بالقتل، بل على العكس فدوافعه لم تكن إلا غيرته من أخيه ومن حب والديهما ( آدم وحواء ) له وتفضيلهما عليه . 

إنسانيات

تحت هذا العنوان تقوم الكاتبة بالشرح ” الفلسفي ” لبعض الكلمات التي نتداولها بشكل متكرر، ولكنها هنا تقدمها بأسلوب يغلب عليه النظرة الإنسانية، التي تعلو من قيمة الإنسان، وتضعه في المكانة التي يستحقها وتليق به .

تتناول الكاتبة ” القهر ” الذي يتعرض له الإنسان في كل مكان، والذي يأخذ صوراً متعددة، طمس الهوية، اللغة، الخوف، محاربة العلم، نشر الجهل، إهمال الثقافة، محاربة المثقفين  و أصحاب الفكر والزج بهم في السجون أو تشريدهم .

لكن من قلب كل مظاهر القمع هذه يظهر أناس شرفاء لا يهابون ولا يعرفون الخوف، بل هم يملكون من الشجاعة ما يدفعهم إلى تحمل كل أنواع التعذيب التي يتعرضون لها من جراء معارضتهم، والتي تقول عنهم الكاتبة ” جرى الكثير من الإنسان إلى النار ذاتها، فاحتضنتهم، وكنت أراهم كراقصي الإيقاع داخلها، وحسبت أنه يستمتعون بشكل ما، فقد تحرروا من خوفهم . أحرقتهم النار، ولم يبق منهم سوى شجاعتهم وشرفهم ” ( ص52 ) .

 ثم تستكمل لتفضح هؤلاء الجبناء الذين قتلهم الخوف، فصاروا موتى وهم أحياء، فتقول “، أما نحن من وجدنا كهفاً،واختبأنا فيه عشنا، ولكن عيش المذلة والجًبن، وكان علينا أن نُكفّر عن خطيئة حياتنا بإهمالها هذا الإهمال البشع، الذي جعلنا في النهاية، لا نعيش الحياة . ” ( ص52 ) .

وهكذا نستبين من خلال السرد للكاتبة، أن هناك موتى ولكن أحياء بذكراهم وتاريخهم البطولي المُشرّف والشجاع، فهم ماتوا في سبيل مبادئهم الني آمنوا ونادوا بها، في حياة كريمة للإنسان، ومناهضة كل ألوان الظلم والقمع التي يتعرض لها، ودفعوا ثمنها غالياً، وهو حياتهم نفسها، أما هؤلاء الأحياء الذين قتلهم الخوف والجبن والذي استمرأوا العيش فيه، لكي يحافظوا على حياتهم ويظلوا أحياء، ولكنها حياة كالموت، أن لم تكن أقسى وألعن !!

وبنظرة متأملة إلى غلاف الرواية، واللوحة المرسومة عليها، نجدها لشخص مقهور، مجهول المعالم، مجهول النوع ( ذكر – أنثى )، وكأنها تجسّد القهر بمعناه الأعم والأشمل، يجلس في انكسار، والقط المفتوح العينين القابع في الظلام، تعبيراً عن الخوف، والسلالم التي تظهر في الخلفية على استحياء، وكأنها تدعوهم إلى الهروب، فهي وسيلتهم للخروج إلى النهار .. نهار الحرية .

ثورات الشعوب ضد القهر والظلم

وتأتى اللحظة الحاسمة، لحظة الصحوة، اللحظة التي تخرج فيها الحناجر صرخاتها ضد الظلم ، ضد الخرس، صرخات تنادى بالعدل والمساواة، تتحول إلى ثورة تنادى بإنسانية الإنسان في كل مكان دون أي تمييز لدين أو لغة أو لون، وتعبر الكاتبة عن هذه اللحظة فتقول ” أخذنا في الصراخ ، والكلام بأعلى صوتينا، كأننا جموع الأنثى, وجموع الذكر عبر التاريخ, فقط أصواتنا تخرج بكل قوتها, من نفوسنا وتمر على حناجرنا, لم أسمعه، لم يسمعني، إذ كان كل منا لا يستطيع إيقاف تدفق الكلمات, التي تداعت لتُعيد حياة كاملة, عاشها الإنسان عبر أزمنة مختلفة, وحين هدأ إيقاع الكلمات, وبدأنا في السمع, توقفنا .. لقد أدركنا أننا كنا نتحدث بلغاتٍ كثيرة, مختلفة لم نعرفها من قبل . ” ( ص54 ) .

ثم تنتقل الكاتبة بنا إلى مفهوم ” الحب ” ، تلك الأحاسيس التي بداخل الإنسان, والتي يتعامل معها البعض وكأنها عورة أو دنس يجب التطهر منه !!, والخلط بين الحب بأحاسيسه ومشاعره النبيلة التي يحملها ويعبّر عنها, والعلاقة الجنسية الغريزية اللازمة للعملية الإنجابية !!, ولكن الكاتبة وببراعة تفصل بين المفهومين فتقول ” الحب, نعم .. تلك هي الكلمة, التي كنت تبحث عنها, والغريب أن مرور يدك على جسدها لم يثر فيك الرغبة الجامحة كما توقعت, بل أثار فيك الميل إليها, والاستئناس بها، رأيتها حين لمستها كبدن لدنيا جديدة, تفتحت أمامك, وأردت أن تعيشها . ” ( ص58 ) .

في نقلة مفاجئة تأخذنا الكاتبة إلى عالم ” الخيال “، ذلك العالم الواسع الرحب السابح في الكون، لا يحده بصر ولا يطوله ذراع، وفى عبارات بليغة يغلب عليها طابع الفلسفة، تصوغ لنا الكاتبة بأسلوبها الرصين، رؤيتها والتي تأخذ شكل الروشتة التي بها ترتقي بخيالك، وأظن أنها ثاقبة ولا تقبل الاختلاف معها، فهي تقول ” أطلق لخيالك العنان، طَهّر قلبك، إسمو بروحك، إرتفع .. إرتفع . ” ( ص73 ) .

والكاتبة ترى الخيال كالطائر الذي يسبح في الفضاء بجناحيه، ولكنه كما يحتاج الطائر للتدريب حتى يتعلم الطيران، فعليك أنت أيضا أن تتدرب على شحذ خيالك، والخطوات تذكرها الكاتبة من خلال هذا ” الديالوج “، فتقول ” قال :

– لا تنظر حولك، بل انظر داخلك، إغمض عينيك، ماذا ترى ؟

قلتُ :

– ظلام .

قال :

– انتظر .. هل أتتْ بقعة الضوء من قلب الظلام .

قلت :

نعم .

قال :

– إذاً .. إفرد جناحيك، وطر إليها .

قلت :

– ليس لي جناحان .

قال :

– سينبتان، إطلق لخيالك العنان، طَهّر قلبك، إسمو بروحك، إرتفع .. إرتفع .

صرختُ :

– أنا أطير .. أنا أطير . ” ( ص72 ) .

ولا تغفل الكاتبة من خلال سردها، أن تشير إلى المعاناة التي يكابدها أصحاب الفكر الذين يعتمدون على الخيال في نقل أفكارهم إلى الواقع، وخروجها إلى النور،والتي يعقبها الهدوء النفسي ،  فتقول عنهم ” ونفذتُ من فوّهةٍ بيضاء لامعة، ونفَذ معي المغني، كأنني صعدتُ إلى بلاد تنيرها شمس بيضاء، كل شئ حولي منير، كل شئ هادئ هدوء المعرفة، لامع لمعة الحق، متسق إتساق النفس السوية . ” ( ص75 ) .

وتلك هي النهاية التي ينشدها كل إنسان يعمل بجد من أجل أن يسمو ويرتقى، أن تكون المعرفة والحق هما سلاحه الذي يصل به إلى النجاح الذي يرتقبه ويحرص على بلوغه واعتلاء قمته .

فالكاتبة تدعونا إلى المحافظة على إنسانيتنا والدفاع عنها من كل من يحاول انتزاعها منا ليحولنا إلى قطيع من الحيوانات يسهل عليه قيادته، كما تندهش من هؤلاء المتشددين، أصحاب العقول المتحجرة، التي تهاجم كل ما هو جميل وراقي من الفنون كالغناء والموسيقى التي تهذّب النفس وترتقي بالمشاعر والذوق، بل واتهام أصحابها بالكفر !! ، ولكنها تعود لتفضحهم وتكشف مؤامراتهم، وتعلنها صارخة في وجوههم قائلة ” فقد استقرت داخلي الإجابة، هم لا يريدون إنساناً مكتملاً، يعزز قدراته، ويثقُ بنفسه ومن ثم يحبها، ويصبح من الصعب عليه فقدانها، لقد كنت دائماً أسأل، لماذا لا يقاوم أحدهم، بل يسير بقدميه إلى جهاز التجميد، أو الغاز . ” ( ص78 ) .

تعود الكاتبة لتتحدث هنا عن نوع آخر من المعاناة، تلك المعاناة التي تعيشها ” الأنثى ” في المجتمعات المغلقة، التي لا ترى فيها إلا جسد يثير الغرائز والشهوات، فتقول على لسانها ” كان كل شئ من حولي، منذ ولادتي، يبعدني عن كوني إنسانة، أنا دائماً بين العطش إلى حد الجفاف، وبين الرواء إلى حد السعادة، حالة البين بين، بين كوني أنثى يريد لها المجتمع أن تمشي كرجل، وتتحدث كرجل، ويرمون على كاهلي، كل يوم بعبء أكبر، حتى صارت المتع أعباء، فالتعليم يحوّلني إلى آلة للحفظ، والشهادة العليا، تسلمني إلى عمل غبي، وأنوثتي يُنظر إليها على أنها فجور، فأخبأها وأمحوها، أقص شعري باستمرار، وأرتدي البنطال، أخبئ ثدييّ تحت البلوزات الفضفاضة، أحفّز نفسي على خوض المعارك كنمرة، وأدفن قلبي تحت رماد الكبرياء . ” ( ص95 ) .

أسطورة إيزيس وأوزوريس

على غرار أسطورة إيزيس أوزوريس، تنسج لنا الكاتبة ” نجلاء علام “، قصة حب نشأت على شاطئ البحر، فالحبيب على الشط ناحية الشمال حيث رحل ” أوزوريس ” مع الرجال، والحبيبة على الجانب الجنوبي حيث استقرت ” إيزيس ” انتظاراً لعودته .

وتبدأ قصة الحب برسالة تكتبها الحبيبة إلى ” مجهول “، وتضعها في زجاجة، وتلقى بها في البحر تساير الأمواج حتى تستقر بها على الشط المقابل، ليتلقاها سعيد الحظ، الذي ما أن تقع في يده الزجاجة، يسارع بإخراج الرسالة منها، ويسارع بقراءة فحواها، ووجدها تقول ” أنا من الشاطئ الآخر، أرسل ما تبُوح به النفس لك يا من تسكُن الشاطئ المقابل، فربما تراني في كلماتي، فأجبْ رسالتي، فإني أريدُ أن أراك ” . ( ص66 )، فيبادرها بالرد هو أيضا، ويرسله في الزجاجة، لتكون هي رسول الغرام بينهما، فهو كان في أشد الحاجة لهذه المشاعر التي حُرم منها طوال عمره الذي قضاه في العمل، فتقول الكاتبة عنه ” أقلقته وحدته، أنه لا يرى في المرآة غير وجهه المبتسم تارة والمستهتر تارة، الجدي إلى أقصى درجات الجد تارة، أقلقه أنه جرَّب المشاعر كلها ولكن ايّاً منها لم يسكن فؤاده، وارتد للبحرِ يبثه رؤاه وأحلامه، مشاعره وذكرياته وأمنياته . ” ( ص66 ) .

وتشاء الأقدار أن تصل  الزجاجة وبداخلها الرسالة المُنتظرة على شوق بالجانب الآخر من الشط، لتجدها لا تحتوى إلا على كلمتين ” أنا أوزوريس .” ( ص67 )، لتقوم هي بالمسارعة بكتابة الرد الذي يقطر عذوبة كما سطرته ” نجلاء علام ” فتقول ” نعم، أنا .. أنا نصفُ وجهك في مرآة الشاطئ، أنا امتدادُ ذراعك عبر البحرِ، أنا انتقال قدميك من أرضٍ لأرض، أنا نصف قلبك، أنا إيزيس ” ( ص67 ) .

يلتقي الحبيبان، والذي تعبّر عنه الحبيبة ( إيزيس ) بتلك الكلمات التي صاغتها الكاتبة بنعومة قائلة ” كنا دائماً نتبادل الاحتياج لبعضنا، والآن صرنا نستحق هذا اللقاء الكريم . ” ( ص68 ) .

لعبة الأسماء

وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (33) “ سورة البقرة .

في قالب من المزاح يدخل الحبيبان في لعبة اختيار الأسماء لكل منهما, فهي تختار اسم ” إيزيس ” الذي اختارته لها أمها وأحبته، واختار هو لنفسه اسم ” أوزوريس ” ليتماشى مع الأسطورة الشائعة، ولكنها ترفضه وتختار اسم ” آدم ” قائلة ” لا .. بل أنت آدم، أول الرجال، من تجسّدت فيه الإنسانية، وشمل حواء برعايته . ” ( ص69 ) .

وبعد تداول عدد من الأسماء الشائعة في زمانهما كأيزيس ، أفروديت وبلقيس للنساء، وأوزوريس، الأسكندر وهانيبال للرجال، يتفقان على اختراع أسماء جديدة تكن لهما فقط، فيختار لها اسم ” ديما ” ( وهو اسم عربي يعنى قوة الشخصية )، وتختار هي له اسم  ” جبل ” ، وتُنهى الكاتبة اللعبة قائلة على لسان ” إيزيس ” التي تحوّل اسمها إلى ” ديما ” قائلة ” إستأنسنا الاسميْن، واتفقنا أن نغيرهما كلما احتجنا ذلك، وشعرنا أنهما لم يعدا يعبران عنا . ” ( ص70 ) .

البحث عن سر الحياة

إستمرارا في تناول ” المزاوجة ” للكاتبة ” نجلاء علام ” في روايتها ” الخروج إلى النهار “، فهي هنا تقوم بالربط بين حدثين، ” الميلاد ” هو المشترك بينهما، فالحدث الأول هو ثورة 25 يناير 2011 ، والتي قامت بخلع الرئيس ” مبارك “، ليُكتَب للبلاد ساعتها ” ميلاد جديد “، والحدث الثاني هو ميلاد ” آدم وحواء “، ولاختيار الكاتبة للأسمين دلالته، فهو ميلاد جديد على أرض جديدة، بخلقٍ جديد، ولتعم الفرحة الزوجين، وتشاركهما الفرحة، الجماهير الغفيرة والمحتشدة بالميدان، وكأنها بذلك قامت بالربط بينهما، وقامت بالإمساك بالحدثين ( الميلاد – خلع الرئيس )، ليصبحا واحداً .

فعندما تتحدث عن الحدث الأول ( ميدان التحرير )، تقول ” كانت جموع من الناس، تملأ الشوارع والميادين، تهتف بسقوط النظام، كانت الأرض من حولي ندية خضراء، تحتضن البحر وأشجار الزيتون، تطلعت للوجوه، فإذا بها تحمل طيبة الأرض، وعندها خطر لي أن هنا قد خبأت الأرض سر الحياة . ” ( ص80 )، ثم تستكمل ” وهكذا رأيتني داخل الميدان، أهتف :

– تقدمي مني أيتها المشاعر، إنفذي داخل مسامي، انفضي قلبي من سكونه، أيقظي روحي التي خبت، وأحيي داخلي عالماً من الصور والأحلام . ” ( ص81 )، ثم تستمد قوتها وشجاعتها من نساء بطلات في التاريخ، يشجعونها ويشدّون من أزرها . فتقول ” تزورني إيزيس في الحلم، تهمس لي :

– أحيي الوطن .

تحيطني الملكة تي، يجلجل صوتها داخل أعماقي :

– انظري إلى عينيّ، خذي مني الإصرار والشموخ .

تتراءى لي كليوباترا بتاجها، تجلس على العرش، وتشير لي وأنا واقفة في بلاطها منتظرة، أتقدم منها فإذا بها تصفق للكاهن، الذي يحمل سلة مليئة بالأفاعي، تدس يدها في السلة، وتقول :

  – ها أنت ترين، أنني أدفع حياتي ثمناً لكرامتي . ” ( ص81 ) .

ونلاحظ هنا أن في هذا الحدث يتدخل راوي آخر ” امرأة تخطت الثلاثين .. وحيدة ” ( ص101 ) ، والتي تروى ما شاهدته فتقول ” ورأيتهم يأتون من كل اتجاه، لم أساوم نفسي في البقاء معهم، فخروجي من الميدان كان معناه ألا أنظر في المرآة بعد اليوم . ” ( ص101 ) .

وكأن الكاتبة هنا  تعمّدت بمشاركة ( الراوي ) لها فى قص هذا الحدث تحديداً، أن تُشير إلى المشاركة من مختلف جموع الشعب في الاحتشاد والثورة .

ثم تواصل مشاهدتها في الميدان، ولا يخفى هنا توجسها وخوفها من المستقبل، وكأنها تشعر أن هناك ما سوف يحدث فى الأفق،  فتقول عنها ” هل للسعادة أعراض جانبية، تصيبك بذلك القلق الهامس، وتجعلك تخاف من فقدها، مرت الأيام سريعاً، واكتملت السعادة، وجاء الانتصار سريعاً مدوياً، وكبر الخوف ” ( ص102 ) .

ولكنها تتغلّب على الخوف الذي تشعر به بداخلها، و تعيش الفرحة والابتهاج مع جموع الشعب فى كافة الميادين بأنحاء البلاد، فتتراجع عن خوفها وتنقل إلينا بصورة بليغة    ” الكرنفال ” الإحتفالى الذي يعيشه الميدان، فتقول ” إلى صباح جديد عبرنا، تزينه شمس دافئة وسماء محبة، كنا نقف على عشب أخضر وسط ميدان، وكانت أنفاس الجموع المحيطة بنا تدفئنا، وتنزع عنا شعور الغربة، وكأننا كنا لهم البشارة، إذ انطلقت الاحتفالات في كل مكان في الميدان . ” ( ص103 ) .

ننتقل إلى الحدث الثاني والموازى للحدث الأول، وهو ميلاد الجنين، ولكن هنا يختلف الحال، ففي الحالة الأولى، استمرت الأحداث لمدة ( ثمانية عشر يوماً )، أما في الحالة الثانية فمدته ( تسعة اشهر )، تعيش فيه الأم مراحله المختلفة حتى يخرج مولودها إلى النور، وتستعرض لنا الكاتبة هذه المراحل، فتقول عن الحمل وآلامه ” ” أفتح عينيّ وأنا ألهث، وعرق غزير يتصببُ مني، يدي مكورة حول بطني، كأنها تحميها، أتألم لوقع الخبط في ظهري وبطني، كأن شيئاً يحفر داخلي، وعلى قدر ما يصيب من الألم يعطي من اللذة . ” ( ص98 ) .

وعن لحظات الحب والغزل التي تدور بين الزوجين، يقول الزوج لزوجته عن الجنين الذي تحمله ” طفل يشبهك، يعيد للبشرية ما اقتص منها، يلعق جراحك، ويشعرك بالاكتمال، طفل يشعرك بالوجود، أحد تحن إليه وترجوه، طفل فيزيقي سيفخر بنفسه، ويحب الحياة . ” ( ص99 ) .

ولا تنسى الزوجة الدور الذي كان يقوم به الزوج خلال هذه الفترة، تعبيراً عن حبه لها، وتقديره للمتاعب والآلام التي تشعر بها، فتقول عنه ” أما هو، فصار يدللني، يرعى نبتتي ويرويها، يتخيّر أسماءّ للمولود القادم، ثم يعود ويبحث عن غيرها، كان ينام جالساّ حتى يتيح لي فرصة، كي أتمدد بكامل جسدي، وشعرت للمرة الأولى، ويده تمر عليّ، إنها تحمل حناناً وعطفاً كأنها يد أب . ” ( ص99 ) .

نصل هنا إلى نقطة التقاء الحدثين، وهى اللحظة الفارقة، التي تأذن بميلاد جديد، لبلد عانت من القهر والظلم والفساد طوال ثلاثين عاماً من حكم رئيسها المخلوع، ولزوجين فى انتظار مولودهما الأول، وعن هذه اللحظة تقول الكاتبة ” ” لففنا آدم وحواء بقماشٍ أبيض يكسوه العلم، صعدنا تحت إلحاح الجموع إلى أعلى منصة في الميدان، قالوا إنهما التجسيد الحي للانتصار، ويجب أن تراهما الأرض كلها، وعندما وصلنا رفعناهما وسط هدير البشر، وانطلقت الاحتفالات، ولكن كان هناك غراباً أسطورياً يُحلّق في السماء . ” ( ص104 )، ثم تعود وتكرر في عبارة موجزة بليغة ما مر من أحداث جسام فتقول ”  كنا نرغب في ميلاد جديد، وقد جاء .. ” ( ص104 ) .

على هامش ميدان التحرير

تفاجئنا الكاتبة فى وسط كل هذا الزخم من الأحداث، والتي دفع الكثير من الشهداء ثمنها من أرواحهم، وهنا لابد أن لا نغفل الإهداء الذي صدرته الكاتبة فى روايتها ” إلى الشهيد المبتسم “، فى قلب كل هذه الأحداث، وعلى نغمات أغنية ” فيروز ” ( خايف أقول اللي في قلبي )، تولد قصة حب بين فتى وفتاة جمعهما ميدان التحرير، ورأت فيه فتى أحلامها فتقول عنه  ” هذا الرجل يطاردني في الميدان، يوزّع الماء والتمر، يُطمئن الفتيات الفزعات، ويذود عنهن حين تهجم الشرطة أو البلطجية، رأيته يوقع حصاناً في موقعة الجمل، ويرد للشرطة قنابل الغاز، فيختنقون بها، خمنت أنه في نهاية الثلاثينيات، ولكنه يبدو أكبر من هذا، يبدو أن اليأس أخذ منه الكثير، كانت عيونه تلاحق عيوني، في كل مكان بالميدان، لكننا لم نتحدث من قبل . ” ( ص82 ) .

ويأتي اللقاء الذي تصفه الكاتبة بشاعرية ونعومة وأسلوب غاية في الرقة، فتقول على لسان الفتاة  ” قلبي كان واجفاً حين امتدت يدي، لكنك بحنان أودعتها عُشاً طيباً بين يديك، واحتوتني عينيك، فوجدتني كمهرة تعلمت الصهيل لتوها، تصهل وكأنها تشدو، تندفع في المضمار ثم تحمحم، تداري فرحتها بك، أو تحاول، لكن اللسان الذي لم يعتد الخروج من مكمنه، قال كلمة واحدة، كلمة خرجت مرتعشة كأنها ترجو اكتمالها :

– صباح الخير . ” ( ص83 ) .

ثورة الياسمين بتونس

بعد كل هذه الأحداث التي مرت بها البلاد تتحين الكاتبة الفرصة للذهاب إلى ” تونس الخضراء ” تشارك شعبها هناك فرحتهم بثورتهم ، ثورة الياسمين ، فتقول عن رحلتها : ” وهبطت الطائرة، الهدوء والبساطة يغمران كل شئ حولي، عيناي لا تفرّقّان بين غني وفقير، الأبنية متشابهة، كلها مكسوة باللون الأبيض، الشوارع متشابهة، الناس هنا عمليون، لكنهم يجيدون الاستمتاع بأوقاتهم، ” ( ص86 )، وهناك نستمع إلى ” سي حميد ” التونسي يقول عن ثورتهم ” لولا وحدتنا لضعنا، قضينا الليالي والأيام، في شارع ( بورقيبة )، نقاوم الشرطة، و( بن علي ) في قصره يرتجف، لم يكن ( بوعزيزي ) مُفجّر الثورة وحده، بل سبعة عشر عاماً من الخوف والترقب . ” ( ص87 )، وعن تخوّف ” روز ” الفلسطينية من حركات الإسلام السياسي، تجيبها الكاتبة بثقة تنم عن وعى بتاريخ بلدها عبر العصور المختلفة، والملمات التي مر بها ” هذا الأمر لا يقلقني كثيراً، خاصة أنني أعوّل على طبيعة الإنسان المصري المنبسطة، والتي تنفر من القيود والمغالاة، هذه الطبيعة هي التي أجبرت الإمام الشافعي على تغيير بعض من مذهبه، ليتواءم مع طبيعة المصريين، عندما نزل إلى مصر، ولابد أن تنتصر هذه الطبيعة في النهاية، حيث هضمت كل الحضارات التي مرت بها من قبل، دون أن تتخلى عن سمتها . ” ( ص94 ) .

وكانت آخر كلماتها وهى تغادر ” تونس ” بعد نهاية رحلتها هناك ” ومثلما ذهبت بأمل، يتحرك داخل صدري، عدت وأنا موقنة أننا فقط لا نحتاج حرية وكرامة ورفاهية، بل أيضاً نستحقها . ” ( ص97 ) .

الطوفان وسفينة نوح

في الختام تتمنى الكاتبة حياة جديدة بخلق جديد في أرض جديدة، ينشرون فيها الخير ولا مكان فيها للشرور والآثام التي غرقت مع الأرض الغارقة ” هذا هواء مخلوق الآن، لم يتنفسه أحد من قبل، يا بني اثبتوا أنكم تستحقون هذه الفرصة .

ثم نزلوا من السفينة يسعون في كل اتجاه ” ( ص100 ) .

الرواية رحلة ممتعة جابت بنا من خلالها الكاتبة ” نجلاء علام ” إلى عوالم شتى، بأسلوب يغلب عليه الجانب الفلسفي الذي يدفعك إلى التفكير والتأمل، وبلغة تتشكّل طبقاً للأحداث التي تقوم بسردها، ولكن الرقى والنعومة هما السمتان الغالبتان على لغتها .

…………

نشرت هذه الدراسة بمجلة الرواية – ملف خاص- العدد 15 – يونيه 2015 .

 عودة إلى الملف

مقالات من نفس القسم