عبد الرحمن أقريش
تغيب الشمس، ترسم أفقا لغسق جميل وحزين، تتوارى، تغرق، تختفي بسرعة، ثم يهيمن الليل تدريجيا…
يمشيان بهدوء، يبدو الشارع صامتا، معتما، طويلا ومقفرا، تهب ريح قوية، تعوي، تصفر، ترتفع زوبعة من غبار، ترسم دوائر لولبية، تحمل معها بقايا أوراق وأكياس بلاستيكية سوداء وأخرى ملونة، ترفعها، تنفخ فيها، تتلاعب بها، ثم تنزل زخات خفيفة وباردة، تبتل الأرض، يستشعر هو رائحة التراب تملأ عليه كيانه، تلتفت هي، تنتبه إلى أنهما وحدهما، تشده من يده، تجذبه، تميل، تتكئ عليه، تضمه من الخلف، تقفز على ظهره، ثم تركبه، تعانقه، ينسدل شعرها على وجهه، يحجبه، تتشمم رقبته، تعضه، تقبله، تهمس، توشوش في أذنه…
تنزل من على ظهره للحظات، تضحك بفرح، ثم تمتطيه ثانية، تفركل برجليها، تأرجحهما في حركات غريزية كما تفعل الإناث منذ آلاف السنين، حركات قوية، منفلتة وجامحة، تضج بالرغبة والتحرش والتحريض على الفعل.
ثم يرتفع إيقاع المطر تدريجيا، ينزل مدرارا، يضرب بقوة، يخفت قليلا، تنفخ فيه الريح فيعود ويضرب بقوة أكبر، يبتلان، يجريان بفرح، يأويان إلى بوابة واقية لأحد المنازل، يغرق الحي في صمت رهيب، تهب ريح من جهة البحر، تنكسر الزخات تحت ضوء المصابيح المعطوبة، وفي كل مرة تنقطع الكهرباء وتعود في إيقاع منتظم مع قوة المطر.
بقيا هناك لساعات.
كم مر من الوقت؟
لا يدريان.
في الخلفية بعيدا، وفي الجهات الأربع للمدينة، يرتفع صوت الآذان، تعبث به الريح، تحمله، يسافر، يتلاشى للحظات، ثم يعود رجعا بعيدا.
كانا غائبين، منخرطين، وغارقين تماما، عناق، قبل واحتكاك جسدي رهيب ولذيذ.
ثم سمعا حركة الباب وهو ينفتح، خرج من البيت رجل بلباس مغربي أنيق، شعرا بالحرج، فسحا له المجال، وهما بالمغادرة، كان من الواضح أن الرجل يستعجل الذهاب إلى المسجد ليلحق صلاة الفجر مع الجماعة، أغلق الباب في حركات هادئة، وقبل أن يمضي، التفت إليهما، خاطبهما مبتسما.
– المطر قوي، يمكنكما البقاء، الأمر لا يزعجني!!