للوهلة الأولى بدا أن الآنسة (ميدو) قد حصلت بواسطة البيانو، وغناء فتيات المدرسة برفقتها على ما يشبه مساحة كونية خارج مأساتها الشخصية، أتاحت لها ـ استغلالاً لدرس الغناء ـ قيادة العالم نحو التوحد مع آلامها .. بعد استلام رسالة انفصال من خطيبها تقوم الآنسة (ميدو) بتدريب الفتيات على مرثاة مؤلفة من التنهد والنشيج والأنين والصراخ دفعت بعضهن للبكاء، لكن هذه المرثاة ستتبدل إلى أغنية مبهجة بعد استلام الآنسة (ميدو) رسالة أخرى أثناء الحصة يتراجع خلالها خطيبها عن الانفصال.
في قصة (درس الغناء) لـ (كاثرين مانسفيلد) يبدو الأمر أكثر تجاوزاً لمجرد حيز من المواساة، أو من التحرر التعويضي، يتخطى ظلام الحدود الفردية، استعملته الآنسة (ميدو) لكسب غنيمة قد تكون أكثر ما يحتاجه إنسان يجرّب تعاستها وهو التضامن الجماعي ـ خاصة لو كان غنائياً ـ مع يأسها الحاد .. العزاء الذي سيتحوّل بعد لحظات إلى تشارك في السعادة .. إن توظيف درس الغناء كان أقرب لامتلاك نطاق لازمني أتاح للآنسة (ميدو) اللعب بالزمن الواقعي .. غناء الفتيات الصغيرات كان عودة تخييلية بمأساتها إلى الخلف، أي حيث لا تزال في مرحلة عمرية يمتد أمامها مستقبل يختزن وعداً باستدراك هذه المأساة .. كانت الآنسة (ميدو) في الثلاثين، وكان خطيبها (باسيل) في الخامسة والعشرين، وكانت خطبتهما معجزة بالنسبة لها .. أعاد غناء الفتيات للمرثاة الآنسة (ميدو) إلى أن تكون واحدة مثلهن: فتاة صغيرة، آلامها ليست نهاية العالم.
هذا الرجوع بالزمن لم يكن قاصراً على اكتساب الآنسة (ميدو) لحياة الفتيات الصغيرات وحسب، وإنما كان درس الغناء طريقاً لعبورها نحو ماضيها الشخصي أيضاً .. بمساعدة المرثاة حصلت الآنسة (ميدو) على استرداد خيالي جعل من لحظة التعاسة هذه مجرد حدث ينتمي إلى البداية، وبالضرورة سيتحوّل إلى دافع لخطوات بديلة، تسير بحياتها نحو نسق آخر لا ينتهي بها إلى اليأس الذي يفتتها الآن.
لكن ـ ولن يكون هذا غريباً ـ ربما يكون اختيار الآنسة (ميدو) لهذه المرثاة تحديدأً لتدريب الفتيات على غنائها بالتزامن مع مأساة انفصالها عن خطيبها، وحرصها شديد الصرامة على أن تؤدي الفتيات الأغنية بالانضباط التعبيري التام لانفعالاتها؛ ربما يكون هذا الاختيار بمثابة إغلاق لباب الكون بعد خروجها منه .. إطفاء أضواء العالم الذي طردها من رحمته .. ربما لم يكن درس الغناء استعارة متوهمة لحياة الفتيات الصغيرات، تساعد الآنسة (ميدو) على ترويض آلامها حينما تكون واحدة منهن، بل على العكس ربما كان طريقة لأن تجعل حياتها هي حياتهن .. أن يصبح التنهد والنشيج والأنين والصراخ أسس حتمية لقدر الفتيات أيضاً، لن يمكن تغيير المصير الذي سينتهي إليه .. كأن الآنسة (ميدو) كانت تقول لنفسها أثناء درس الغناء (إذا لم يكن لي حظ من السعادة، فلا ينبغي أن يكون لأحد من بعدي حظ منها) .. قد يكون تبرير ذلك التفكير في وعيها أنه ليس نتيجة رغبة في هيمنة بؤسها على الآخرين، بل نتيجة إدراك حقيقة الطبيعة الظالمة للوجود التي لا يمكن الهروب منها .. بعد استلام رسالة أخرى من خطيبها يخبرها من خلالها أن تنسى ما قاله عن الانفصال في رسالته السابقة، ستفتح الآنسة (ميدو) باب الكون الذي أغلقته، وستضيء العالم من جديد، وستعطي الفتيات قدراً مختلفاً، ومصيراً مغايراً بواسطة أغنية أخرى تليق بسعادتها.
إن (كاثرين مانسفيلد) في هذه القصة تمرر ما يشبه وثيقة منغّمة عن الذات الأنثوية في حالاتها المتبدلة: الأمل .. الحب .. اليأس .. التحرر .. السعادة .. حتى يبدو (درس الغناء) كأنه لا يتعلق بالآنسة (ميدو) وفتيات المدرسة على نحو خاص بل برحلة المرأة عبر الزمن، وكيف لهذه الرحلة في علاقتها المرتبكة بالوجود أن تشتبك حالاتها النكوصية، والاستشرافية بواسطة الآخرين كمحاولة للتصالح مع لحظات الواقع التي لا تمر في سلام.
درس الغنــاء
كاثرين مانسفيلد
ترجمة: نجوى نجاتي
بيأس – بارد، يأس حاد – مدفون عميقاً في قلبها مثل سكين شريرة، قطعت الآنسة ميدو- بردائها التدريسي وقبعتها وحاملة عصا المايسترو- الممرات المؤدية إلى قاعة الموسيقى. فتيات من كل الأعمار، متوردات لبرودة الجو، يرغين بمرح إثارة الركض إلى المدرسة صباح يوم خريفي جميل، مسرعات، واثبات، مهتاجات، ومن غرف الصف الفارغة سمعت أصوات ضرب طبول سريعة، رنّ جرس، وصوت مثل صوت عصفور زعق، موريل. وبعدها سمع طرق من جهة الدرج ، طق- طق. أحد ما قد أوقع كرات التدريب الحديدية.
استوقفت مدرسة العلوم الآنسة ميدو.
“صباح الخيــر” صاحت بصوتها الجميل، وتشدقها المتصنع.” أليس الجو بارداً؟ قد يكون الشتـاء.”
الآنسة ميدو متشبثة بالسكين، حدقت بكره في معلمة العلوم. كل ما فيها كان حلواً، باهتاً، مثل العسل. لن تدهش لرؤية نحلة عالقة في جدائل ذاك الشعر الأصفر.
قالت الآنسة ميدو متجهمة: ” قاسي تقريباً”
ابتسمت الأخرى ابتسامتها المعسولة.
“تبدين متجمــدة” قالت. وعيناها الزرقاوتان متسعتان، وشعاع ساخر يبدو منها. ( هل لاحظت شيئاً؟)
قالت الآنسة ميدو: ” ليس سيئاً إلى هذه الدرجة” وألقت نظرة ازدراء على معلمة العلوم رداً على ابتسامتها ومضت..
أربعة أرتال، خمسة، ستة اجتمعت في قاعة الموسيقى. خفت الضجيج. وعلى المنصة قرب البيانو وقفت ماري بيزلي، الطالبة المفضلة للآنسة ميدو ، وعازفة الأدوار المصاحبة. كانت تدير الآلة الموسيقية وحين رأت الآنسة ميدو أطلقت صوتاً عالياً محذراً ” صه – صه- يا بنات!” . الآنسة ميدو- ويداها مقحمتان في أكمامها، وعصا المايسترو تحت ذراعها- خطت خطوة واسعة نحو الوسط، صعدت الدرجات، استدارت بحدة، قبضت على الحامل الموسيقي النحاسي، ركزته أمامها، وضربت ضربتين حادتين بعصاها طالبة الصمت.
“صمتاً، أرجوكم! فوراً!” وناظرة إلى لا أحد سبحت نظراتها فوق ذاك البحر من القمصان الصوفية الملونة، والوجوه المزهرة المحنية والأيدي، وربطات الشعر الفراشية المهتزة، وكتب الموسيقى المنشورة. كانت تعلم تماماً ما كانوا يفكرون ” ميدي غاضبة.” لا بأس فليفكروا ! ارتعشت أهدابها، رفعت رأسها فجأة، تتحداهم. ما أهمية أفكار هذه المخلوقات لشخص يقف هنا ينزف حتى الموت، يطعن في القلب، في القلب، بمثل تلك الرسالة.
(2)
…” أشعر أكثر وأكثر قوة أن زواجنا سيكون غلطة. ليس أنني لا أحبك. أحبك قدر ما أستطيع أن أعشق امرأة، لكن ، والحقيقة تقال، توصلت إلى نتيجة مفادها أني لست رجل زواج، وفكرة الاستقرار تملؤني فقط بالــ—” وكلمة “غثيان” كشطت قليلاً وكتب فوقها كلمة ” أسف“.
باسيل! مشت الآنسة ميدو نحو البيانو. وماري بيزلي التي كانت تنتظر هذه اللحظة، انحنت إلى الأمام، خصلاتها المجعدة سقطت فوق وجنتيها حين تنفست الصعداء قائلة ” صباح الخير آنسة ميدو” وتحركت إلى الأمام لتقدم لمدرستها أقحوانة صفراء جميلة. هذا الروتين الصغير للوردة يتبع منذ وقت طويل طويل، فصل ونصف تماماً. و كأنه جزء من الدرس يحدث حين يفتح البيانو. لكن هذا الصباح، بدل أن تثبتها في حزامها وهي تميل نحو ماري” وتقول شكراً لك ماري كم هي جميلة! افتحوا الصفحة الثانية والعشرين”، كيف كان رعب ماري حين تجاهلت الآنسة ميدو الأقحوان كلياً، ولم ترد تحيتها بل قالت بصوت جليدي ” الصفحة أربع عشر، رجاءً, ضعن علامات على النبرات بشكل جيد.”
لحظة صاعقة! توردت ماري حتى تجمدت الدموع في عينيها، لكن الآنسة ميدو عادت إلى الحامل الموسيقي، ورن صوتها عبر قاعة الموسيقى.
“الصفحة الرابعة عشر. سنبدأ بالصحفة الرابعة عشر. الآن مرثاة، يا بنات، لابد أنكم تعرفونها بعد كل هذا الوقت. سندرسها كلها معاً، وليس أجزاءً، كلها معاً. وبلا تعبير. لذا غنين ببساطة كاملة، أشيروا إلى تقسيمات الأزمنة باليد اليسرى.”
رفعت عصا الاوركسترا، و ضربت الحامل الموسيقي مرتين.
جاء صوت ماري منخفضاً في النغمة الافتتاحية ومنخفضة كانت جميع الأيدي اليسر، جالدات الهواء ومتوافقة تلك الأصوات الشابة النائحة: – ” بسرعة! آه، بسرعة تتحول ورود السعادة، بسرعة يتحول الخريف إلى شتاء موحش. . سريع الزوال! آه، بسرعة تتلاشى بهجة الموسيقى من الأسماع.”
يا للسماء، ما الذي يمكن أن يكون أكثر مأساوية من هذه المرثاة ! كل نغمة منها تنهد، نشيج، أنين حداد مخيف. رفعت الآنسة مود ذراعيها في الرداء الواسع وبدأت تدير الفرقة بيديها الاثنتين. “…. أشعر أكثر فأكثر أن زواجنا سيكون غلطة..” ضربت. وصرخت الأصوات: ” يزول بسرعة! آه، يزول بسرعة.” ما الذي أصابه ليكتب مثل هذه الرسالة! ما الذي دفعه لذلك! لا يتضح شيء منها. رسالته الأخيرة كانت تتحدث عن مكتبة من شجر البلوط المدخن كان قد اشتراها لكتبنا , “وحامل أنيق صغير للصالون” ، هكذا قال، ” قطعة متقنة جداً نقشت عليها بومة على قوس، تحمل ثلاث فراشي قبعات بمخالبها.” كم ضحكت لذلك! يا لتفكير الرجال أ يحتاج أحد ثلاثة فراشي للقبعات! وغنت الأصوات ” يتلاشى من الأسماع“.
(3)
“مرة ثانية” قالت الآنسة ميدو. لكن هذه المرة مقاطع.وبلا تعبير أيضاً.” ” سريع! آه سريع جداً.” وبإضافة كآبة الصوت المنخفض نادراً ما يمكن للمرء تجنب الارتعاد ” تذبل ورود السعادة.” حين جاء لرؤيتها آخر مرة، كان باسل قد وضع وردة في عروته. كم كان أنيقاً في تلك البزة الزرقاء الفاتحة، وتلك الوردة الحمراء الداكنة! أدرك ذلك أيضا. لم يستطع تجاهل الأمر.أولاً عبث بشعره ثم بشاربه، وبرقت أسنانه حين ابتسم.
” زوجة المدير ما زالت تدعوني للعشاء. أمر مزعج جداً. لم أحظى بأمسية منفرداً بنفسي في ذاك المكان.”
” ألا يمكنك الرفض؟”
” أوه، حسناً، ليس مفيداً لرجل في مثل مكانتي أن يكون غير شعبي.”
عولت الأصوات ” الوزن الموسيقي المرح” أشجار الصفصاف، خارج النوافذ العالية الضيقة، تحركت مع الريح. لقد فقدت نصف أوراقها. الأشجار الصغيرة المتشبثة تتلوى مثل أسماك رصت ضمن صف. “… أنا لست رجل زواج…” كانت الأصوات قد سكتت، والبيانو ينتظر.
” جيد جداً” قالت الآنسة ميدو بنغمة مازالت غريبة ومتحجرة مما جعل الفتيات الأصغر سناً يشعرن بالخوف فعلاً. ” وبما أننا الآن قد تعرفنا عليها، سنغنيها مع التعبير. التعبير بقدر ما تستطيعون إضافته إليها. فكرن بالكلمات يا بنات. استخدمن مخيلتكن. ” سريع! آه سريع جداً” صرخت الآنسة ميدو. ” هذا يجب أن يطلق بعنف – عالي، نغم شديد قوي – مرثاة. ثم وفي السطر الثاني، شتاء جاف، اجعلن جاف تصدر وكأن ريحاً باردة تهب من خلالها. جـــــاف!” قالت ذلك على نحو بغيض مما جعل ماري بيزلي على المنصة الموسيقية، تلوي ظهر كتابها. ” السطر الثالث يجب أن يكون متصاعداً دفعة واحدة. زائل! آه، الوزن الموسيقي المرح. كسر على الكلمة الأولى من السطر الأخير، يمضي، ثم على الكلمة بعيدا ًيجب أن يبدأ بالموت.. بالتلاشي… إلى أن تصلن الأسماع ، لتكون لا أكثر من همس ضعيف.. يمكنكن خفض أصواتكن قدر ما ترغبن تقريباً عند السطر الأخير. الآن، رجاءً.”
مرة ثانية ضربتان خفيفتان، رفعت ذراعيها من جديد. ” سريع! آه، سريع جداً”.- “.. وفكرة الاستقرار تملؤني بالغثيان لا غير—” الغثيان كانت الكلمة التي كتبها. مثل قول أن خطوبتهما قد فسخت نهائياً. فسخت! خطوبتهما! لقد تفاجأ الناس كثيرا حين خطبت. معلمة العلوم لم تصدق ذلك بدايةً. لكن أحداً لم يفاجأ بقدرها. كانت في الثلاثين. وباسيل كان في الخامسة والعشرين. كان الأمر معجزة، ببساطة، معجزة، أن تسمعه يقول بينما كانا يتمشيان خارجين من الكنيسة في تلك الليلة المظلمة جداً، ” تعرفين، بطريقة أو أخرى، لقد أغرمت بك.” وكان قد أمسك بطرف وشاحها المصنوع من ريش النعامة. ” يرحل بعيداً عن الأسماع.”
(4)
“كررن! كررن!” ، قالت الآنسة ميدو . ” المزيد من التعبير يا بنات! مرة ثانية!”
” سريع! آه، سريع جداً.” الفتيات الأكبر عمراً أصبحن قرمزيات اللون، بعض الأصغر سناً شرعن يبكين. قطرات كبيرة من المطر تضرب النوافذ، ويمكن للمرء أن يسمع الصفصاف يهمس، “.. ليس الأمر أني لا أحبك…”
” لكن حبيبي، إن كنت تحبني” ، فكرت الآنسة ميدو ” لا أبالي كم ، أحببني أقل ما ترغب” ، لكنها تعلم أنه لا يحبها. لم يبالي كثيراً بكشط تلك الكلمة ” غثيان” ، بحيث لا تتمكن من قراءتها! ” سريعاً يتحول الخريف إلى شتاء جاف” عليها أن تغادر المدرسة لتختفي في مكان ما. ” يرحل بعيداً” بدأت الأصوات تخفت، تتلاشى لتصبح همساً.. لتزول تماماً..
فجأة فتح الباب. فتاة صغيرة ترتدي الأزرق تقدمت مرتبكة إلى الممشى، مائلة الرأس، تعض شفاهها، وتفتل السوار الفضي في معصمها الوردي الصغير. صعدت الدرجات ووقفت أمام الآنسة ميدو.
” حسن، مونيكا، ما الأمر؟”
“أوه، إن سمحتي” ، قالت الفتاة الصغيرة، لاهثة، ” الآنسة وايت تريد رؤيتك في غرفة المديرة.”
“حسن جداً” ، قالت الآنسة ميدو وتوجهت نحو الفتيات، ” سأدعكن لأخلاقكن للتحدث بهدوء بينما أكون خارجاً” . كنّ مقهورات جداً لفعل أي شيء سوى ذلك. أغلبهن كنّ ينظفن أنوفهن.
كانت الممرات صامتة وباردة، رددت صدى خطوات الآنسة ميدو . والمديرة جالسة وراء مكتبها. لبرهة لم ترفع بصرها. كانت كالعادة تفك نظارتها، التي علقت بعقدة ربطة عنقها. ” تفضلي بالجلوس آنسة ميدو” ، قالت بلطف بالغ. ثم التقطت مغلفاً زهرياً من حاملة الأوراق. ” أرسلت في طلبك الآن لأن هذه البرقية أرسلت لك.”
“برقية لي، آنسة وايت؟”
باسيل! لا بد أنه انتحر، جزمت الآنسة ميدو. امتدت يدها، لكن الآنسة وايت سحبت البرقية لبرهة.” آمل أنها ليست أنباءً سيئة” ، قالت بنبرة أكثر من لطيفة. ومزقت الآنسة ميدو المغلف لفتحه.
قرأت:
” لا تعيري انتباهاً للرسالة، لابد أني كنت مجنوناً، اليوم اشتريت حامل قبعات – باسيل ” ولم تستطع إبعاد عينيها عن البرقية.
(5)
” آمل ألا شيء خطر جداً” قالت الآنسة وايت منحنية إلى الأمام.
” أوه، لا ، شكراً لك آنسة وايت وتوردت الآنسة ميدو ، ” لا شيء سيء على الإطلاق… الأمر” – وضحكت ضحكة صغيرة معتذرة – ” إنها من خطيبي يقول أن … يقول أنه—” وحل صمت. قالت الآنسة وايت
” فهمت”. ثم صمت آخر. ثم – ” ما زال لديك خمس عشرة دقيقة أخرى لحصتك، آنسة ميدو، أليس كذلك؟”
” بلا آنسة وايت ” . نهضت وركضت نحو الباب.
“أوه، لحظة فقط آنسة ميدو” ، قالت الآنسة وايت. ” يجب أن أخبرك أني لا أوافق أن تستلم مدرساتي برقيات مرسلة لهن خلال ساعات المدرسة، إلا في حال أخبار سيئة جداً مثل الموت” ، أوضحت الآنسة وايت ”
أو حادث مؤلم جداً أو شيء من هذا القبيل. الأخبار الجيدة آنسة ميدو، تنتظر دوماً ، كما تعرفين”
على أجنحة الأمل أجنحة الحب أجنحة السعادة، عادت الآنسة ميدو إلى قاعة الموسيقى، صعدت الممشى، صعدت الدرجات، واصلة إلى البيانو.
قالت: ” الصفحة اثنان وثلاثون، ماري” ” الصفحة اثنان وثلاثون” والتقطت الأقحوانة الصفراء ورفعتها إلى شفتيها لتخفي ابتسامتها. ثم استدارت إلى الفتيات، دقت بعصاها ” الصفحة اثنان وثلاثون يا بنات، الصفحة اثنان وثلاثون.”
“جئنا اليوم هنا مع ورود على المحمل، مع سلال الفاكهة وشرائط الأحذية، للتهنئة ..
” توقفن! توقفن!” ، صرخت الآنسة ميدو ” هذا قبيح. هذا بغيض” وأضاءت محدثة فتياتها.” ما بكن جميعاً؟ فكرن، يا بنات بما تغنين. استخدمن مخيلتكن. ” والورود على المحامل. سلال الفاكهة وشرائط الأحذية و تهنئة” واندفعت الآنسة ميدو: ” لا تظهرن حزينات هكذا، بنات. يجب أن تكون الأصوات دافئة، مرحة ، متشوقة. تهنئة . مرة أخرى . بسرعة. كلنا معاً. و إذاً الآن!”
وهذه المرة علا صوت الآنسة ميدو فوق جميع الأصوات الأخرى – ممتلئاً عميقاً، غنياً بالتعبير.