البلاغة العربية من الاحتفاء بالمتكلم إلى الانشغال بالجمهور.. قراءة في كتاب “لماذا يصفق المصريون؟”

موقع الكتابة الثقافي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

 

محمد السيد غريب

لقد شُغِلَت الدراسات الأكاديمية العربية البلاغية بالدراسات الخاصة بالأدب الرسمي والقرآن وصناعة الإنشاء. فالأولى تتخذ من الأدب الرسمي موضوعًا لها واستخلاص الخصائص الجمالية للنصوص الجيدة بهدف تنمية الذوق الفني، والثانية تتخذ من القرآن موضوعًا لها بهدف التعليل لإعجاز القرآن البياني، والثالثة مجرد نقد نظري أو قواعد للمتكلم يسير عليها لكي يكون كلامه جيدًا ومؤثرًا، ومن ثم السيطرة على المخاطَب وإقناعه، بل خداعه وأسْره من خلال اللغة، في الخطب الدينية والسياسية؛ إذ إن الأخيرة تتخذ من المتكلم في الخطابات اليومية موضوعًا لها.

 

وواضح أن هذه المناهج في علم البلاغة نشأت في كنف نصوص معينة، لها طبيعة خاصة لا تتفق – بطبيعة الحال – مع نصوص خطابات الحياة اليومية من حيث خدمتها للمخاطب؛ لأن المنهج الأخير يستهدفه بشكل سلبي. وهناك نصوص لا بد أن تُدْرَس في إطار بلاغي تواصلي، والمناهج السابقة تم تفصيلها على نصوص محددة بأغراض محددة. وهذه النصوص التي يتوجه إليها الدرس البلاغي الحديث هي الخطابات السياسية، وإعلانات الصحف، وخطب الدعاة،واستجابات الجماهير إزاءها. وهذه النصوص لا تدرس على أنها نصوص بلاغية؛ وفقا لانشغال الدراسات الحالية بالمكتوب في الصحف عن الشفاهي، أو تحرجًا منهم لدراستها لتضمنها اللهجة العامية. ومن ثم، فإنه لا يتم إهمال دراسة الأنشطة اللغوية الشفاهية فقط، بل يهمل معها العلامات التواصلية المصاحبة للكلام.

وفي أثناء ابتعاد هذه المناهج عن المخاطَب وتلقيه للخطابات الجماهيرية التي تستهدفه يوميًّا – خرج الدكتور “عماد عبد اللطيف” بكتابه: (لماذا يصفق المصريون؟: بلاغة التلاعب بالجماهير في السياسة والفن) الصادر عن دار العين في طبعته الأولى عام 2009. ويقدم المؤلف فيه منهجًا جديدًا في البلاغة العربية أسماه: “بلاغة الجمهور”. وهو منهج يتخذ من استجابات الجماهير أمام الخطابات الجماهيرية موضوعًا لها، مثله مثل منهج البلاغة الإنشائية، ولكن الفارق بينهما أن الثاني تقدم للمخاطَب إرشادات ومعارف ليكون كلامه مؤثرًا وبليغًا، والأول يوجه للمخاطَب إرشادات ومعارف أيضا تُمَكِّنه من تقديم استجابات بليغة يقاوم بها الخطاب السلطوي الذي يواجهه يوميًّا؛ لأن هذه الخطابات تتجاهل المخاطب تمامًا وتتجاهل استجاباته.

ومشروع “بلاغة الجمهور” بلوره المؤلف وحدَّد معالمه وموضوعاته ووظيفته وأدواته الإجرائية وعلومه البينية – حدد كل هذا في بحث أكاديمي نُشر في عام 2005م بعنوان: (بلاغة المخاطَب: البلاغة العربية من إنتاج الخطاب السلطوي إلى مقاومته). وعنوان البحث له دلالته على اهتمامه بالجمهور بدلا من الصورة السلبية للبلاغة الإنشائية التي مكنت المتكلم من السيطرة على المتلقي. وكذلك تحدث عن هذا المشروع أيضا في بحث منشور بمجلة “ثقافات” البحرينية عام 2009م، بعنوان: “من الوعي إلى الفعل: مقاربات معاصرة في مقاومة الخطاب السلطوي”، وتحدث عن بلاغة الجمهور بوصفها واحدة من المقاربات المعرفية التي ظهرت في العقدين الأخيرين والتي هدفها مقاومة الخطاب السلطوي، وهي: التحليل النقدي للخطاب، والبلاغة النقدية، والكلام المضاد، وبلاغة الجمهور.

والكتاب – موضوع البحث – يدرس ظاهرة شفاهية تواصلية غير لغوية، تصاحب نصوصًا لغوية في الأساس، أو تمثل استجابة لنصوص استخدمت اللغة بكيفية معينة خلقت تلك الاستجابة. والكتاب ليس بعيدًا عن البحث في هذه الأسباب؛ أعني الآليات المعينة التي يُعْتَمَد عليها لتحقيق السيطرة على الجمهور ونصب الفخاخ لهم. ليضع هذا السلوك اليومي موضع المساءلة في أبعاده النفسية والاجتماعية والسياسية.

والتصفيق ظاهرة معقدة؛ إذ تدخل في دراستها علوم بينية مثل البلاغة وعلم النفس والاجتماع والسياسة والإعلام. وهذا من شأنه أن يجعلها ظاهرة مشتركة الدراسة بين المتخصصين في هذه العلوم. وهي مركَّبة لأنها نتاج خطابات استخدمت اللغة بكيفية معينة في سياق معين، صاحبتها ظواهر سيميوطيقية، وتنوعت وفقا لطبيعة الجمهور وثقافته، وعلاقته بالمتكلم، والوسيط الناقل لهذه الخطابات – فكلها مجالات للدراسة في هذه الظاهرة.

يتكون الكتاب من تمهيد وفصلان وخاتمة، ويقع في 239 صفحة. والتمهيد عنوانه: ” التصفيق من عصور الفراعنة إلى عصر الجماهير المحتشدة “، وتناول فيه سيميوطيقا التصفيق في الحضارات القديمة المختلفة؛ في عصر المصريين القدماء، واليونان، والمسيحيين، والعبرانيين، والعرب قبل الإسلام وبعده. وتكشف النقوش المصرية القديمة عن أن قدماء المصريين استخدموا التصفيق بمصاحبة الإيقاع، بوصفه وسيلة ترفيهية. أما اليونانيون فقد عرفوا التصفيق بوصفه مهنة، ولها أجر، وليس مجرد ممارسة. وكان يُستخدَم في عروض المسرح أمام لجان التحكيم. واستخدمه العبرانيون للتعبير عن الفرح. كما استخدمه المسيحيون علامة على الاستحسان في الكنائس، وكان جزءًا من ممارسات العرب الشعائرية التي تُؤدَّى أمام الحرم المكي. واستمر لدى المتصوفة المسلمين وسيلة للعبادة، مرددين ابتهالاتهم بوضع معين لليدين في التصفيق.

ثم انتقل إلى الكلام عن التصفيق في العصر الحديث وأغراضه المختلفة. وتوصل إلى أن التصفيق أصبح ممارسة شعبية جماعية في الحفلات والصالونات الأدبية والخطب السياسية على اختلاف العمر والجنس. وأنه وسيلة تربوية يفعلها الأبوان أمام طفلهما الذي لا يتكلم ولا يمشي ليحاكيهما على سبيل الدعابة، أو للتعبير عن التشجيع. وأن التصفيق بوصفه ممارسة اجتماعية تول إلى ظاهرة يعرف ممارسوها أوقاتها المناسبة وأعرافها؛ وفقا لوسائل الإعلام وانتشارها وتأثيرها، وخصوصًا في عصر العولمة، ليتحول إلى عرف عالمي.

وبعد ذلك تحدث عن الدافع وراء اختيار التصفيق دون غيره من الأشكال التواصلية – موضوعًا للدراسة. وهو أننا نمارسه عن غير وعي مسبق بوظيفته وأثره لدى المتكلم، وبالتالي يكون تصفيقا سلبيًّا غير حر. ومن هنا يأتي الدور التربوي لبلاغة الجمهور ليعي المتلقون جيدًا الأبعاد والاجتماعية والسياسية.

والفصل الأول – وعنوانه التصفيق بين الحرية والقهر، والرضا والغضب، والفرح والحزن: وحدة الفعل وتنوع الدلالة – تناول فيه عدة قضايا:

أ-أن فعل التصفيق في اللغة العربية له معنى انطباق الشيء على مثله محدثًا صوتًا، ولا توجد في اللغة العربية إلا كلمة واحدة تؤدي هذه الدلالة. في حين أن اللغة الإنجليزية فيها مفردتان تؤديان دلالة التصفيق، وهما: clappingو applause، فضلا عن التعبيرات الإنجليزية الطلبية التي تحمل الدلالة نفسها.

ب-تحدث عن أوضاع اليدين في التصفيق بين مد اليدين إلى الأمام، ورفعهما إلى أعلى، ومد أطراف الأصابع على باطن اليد. وكذلك وظيفته من حيث الدلالة الانفعالية مع ذكر الأفعال والأقوال المصاحبة لكل تصفيق انفعالي؛ فتصفيق حالة الغضب يختلف وضع اليدين فيه عن التصفيق في حالة التعجب أو التأسي، عنه في حالة السحر، عنه أيضا في حالة التصفيق الطلبي والاستحساني، وكذلك في وقت الجنائز. وفرّق بين كمّ التصفيقات في كل نوع، وشدتها من بطئها..إلخ.

جـ-وللتصفيق أنواع من حيث الاستعداد النفسي المسبق؛ حيث يوجد تصفيق حر وآخر إجباري، وتصفيق تلقائي وآخر معد سلفًا، وتصفيق مجاني وآخر إجباري، وتصفيق متصاعد وآخر بطيء. ولكل شكل تجلياته الصوتية من حيث شدته.

د-ثم تحدث عن بدائل التصفيق بوصفها استحسانًا عند كل من فاقدي السمع والأصوليين والموسيقيين، فالفريق الأول لديه الإشارة بالأيدي بديلًا، والثاني لديه التكبير والتحميد والتهليل، والثالث لديه الضرب بأيديهم على آلاتهم أو أفخاذهم.

القسم الثاني من الفصل الأول تحدث فيه عن سياقات التصفيق في المجتمع المصري، واكتفى بالسياقين: الغنائي والموسيقي، والثقافي والتعليمي في هذا الفصل. في السياق الموسيقي والغنائي تتبع فيه تطور وظيفة التصفيق في الغناء المصري القديم حتى عصر التحديث وانتشاره بدرجة كبيرة وفقًا لزيادة الفرق الغنائية ووجود آلات التخت الشرقي والآلات الحديثة، وانتشار وسائل الإعلام التي اطلع المصريون من خلالها على ما يفعله الغربيون في هذا السياق. ووصل إلى أن التصفيق في الغناء الشعبي يعد وسيلة بسيطة للإيقاع، وكان يستخدم في وسط الأغنية لملء فراغات الكلام. أما في العصر الحديث تحولت وظيفة التصفيق إلى الاستحسان وهي موضوع الكتاب؛ لأن الاستحسان يعد استجابة لمثير. وأصبح التصفيق في العصر الحديث يأتي بعد الأغنية أو بعد أحد أجزائها لطلب إعادة هذا الجزء أو ذاك. وكان التصفيق في ذلك الوقت يشغل حيزًا زمنيًّا ليس قليلًا في الحفل، وكان يصاحبه الهتاف والصفير أيضًا. وانطلاقًا من الدور المهم للتصفيق في التأثير على الجمهور غير المشارك ـ فإن هناك مطربين في جيل الستينات كانوا يمارسون خداعًا كبيرًا على المستمعين بوضع تسجيلات تصفيق قديم إيهامًا للجمهور بأنه تصفيق حقيقي. أما التصفيق في الثمانينات وظهور الأغنية السريعة، وحل الغناء الراقص محل الطرب – أصبح للتصفيق وظيفة أخرى هي المؤازرة؛ أي استجابة لطلب صريح بالتصفيق وليس راجعًا إلى مضمون الأغنية. وهذا التغير الوظيفي أرجعه المؤلف إلى طريقة تلقي الأغنية؛ ففي الستينات كان التلقي للأغنية جلوسًا، وبعد ذلك أصبح التلقي وقوفًا بمصاحبة الرقص، فضلًا عن الطبيعة العمرية للجمهور في الفترتين، وكذلك التغير الثقافي. وأوضح ملحوظة في غاية الأهمية تخص التواصل بين الثقافات؛ إذ إن استجابات المصريين في أثناء الأغاني قد يفهمه أصحاب الثقافات الأخرى على أنه تشويش.

يُنهي المؤلف الفصل الأول بالكلام عن التصفيق في السياق التعليمي والثقافي. مستنتجًا أن وظيفة التصفيق في هذا السياق تنوعت بين تشجيع واستحسان وتقدير. كما أن التصفيق يكون فيه عفويًّا دون سابق تجهيز أو وضع قيد، ما عدا تصفيق المدارس الذي يكون نتيجة لطلب المُعَلِّم صراحة بالتصفيق لطالب مجتهد. وأوضح أن التصفيق في المناظرات الفكرية والندوات يكون موجهًا أيديولوجيًّا، ويمكن أن يحسم النتيجةَ وفقًا للتحيز المسبق غير الموضوعي.

التصفيق في الخطب السياسية

لما كانت الخطابة السياسية أهم أشكال الخطاب التي يتلقاها المواطن يوميًّا دون غيرها ـ لما كان الأمر كذلك، فإن الكتاب خصًّ الخطب السياسية بفصل مستقل يتحدث عنها لما بها من خصوصية قد تُغّيِّر من مصائر الشعوب، ومن ثم أصبح التصفيق جزءًا من متن الخطبة، ويشغل حيزًا زمنيًّا فيها؛ لأنه مقصود لذاته، خصوصًا إذا كان ميدان الدراسة هو الخطب السياسية المصرية في العصر الجمهوري. والفصل الثاني به تفريعات وعناوين كثيرة. ويمكن لي أن أضمها في ست قضايا أساسية هي:

أ-أسباب التصفيق في السياق السياسي المصري في العصر الجمهوري. وقسمها إلى أسباب خطابية وأخرى غير خطابية. والأسباب الأولى منها ما يعود إلى المضمون وأسماه التصفيق غير المستدعى، ومنها ما يعود إلى الأشكال البلاغية وأسماها فخاخ التصفيق المستدعى. والأسباب الأخرى ترجع إلى علاقة الجمهور بالسلطة.

ب-تقديم أسباب تاريخية لظاهرة انعدام وجود تصفيق في الخطابة السياسية العربية القديمة في العصور الإسلامية.

جـ-وظائف التصفيق في الخطاب السياسي المصري المعاصر، وبيان التحولات الواضحة في هذه الوظائف.

د-الظواهر المصاحبة للتصفيق مثل الهتاف شعرًا ونثرًا، والتكبير والتحميد والتهليل، والإشارات الجسدية.

هـ-طبيعة الجمهور ودوره في التلقي: مشاركًا كان أو غير مشارك.

و-تجليات العلاقة بين التصفيق والواقع السياسي في أشكالها المختلفة.

والمادة العلمية موضوع الدراسة والتحليل هي خطب الرؤساء المصريين في العصر الجمهوري: محمد نجيب، وجمال عبد الناصر، ومحمد أنور السادات، ومحمد حسني مبارك. وأرى أن السبب وراء اختيار تلك النصوص بالتحديد لهؤلاء الرؤساء فقط دون خطب الانتخابات الحزبية مثلا في تاريخ مصر قبل ثورة 1952م أو بعدها – راجع إلى ما ذكره من تحولات طرأت على الخطابة السياسية المصرية من الملكية إلى الجمهورية، ذكرها في كتابه: ” استراتيجيات الإقناع والتأثير في الخطاب السياسي: خطب الرئيس السادات نموذجًا “، الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب عام 2012م. وهذه التغيرات تتضح في تحول الخطابة من الأصوات المتعددة إلى خطابة الصوت الواحد، ومن الخطابة الحزبية إلى الرئاسية، ومن عصر الجماهير المحدودة إلى عصر الجماهير المحتشدة، أو (عصر الجماهير الغفيرة) بتسمية الدكتور جلال أمين في كتابه الذي يحمل الاسم نفسه، الصادر في طبعته الأولى عام 2003م عن دار الشروق.

علَّلَ الكتاب لعدم وجود تصفيق في الخطابة العربية القديمة في السياق السياسي بكونها خطابة سياسية ودينية معًا، وكانت تلقى على المنابر، وتُفْتَتح بالنصوص الدينية وتُخْتَتَم بها؛ الأمر الذي يجعل التصفيق أمرًا غير مستحسن. إضافة إلى قراءة خاصة لأحاديث نبوية خصت التصفيق بالنساء وعدته أمرًا معيبًا من الرجال.

قسَّم الفصلُ التصفيقَ في خطب السياسة وفقًا للاستعداد النفسي المسبق أو اللاحق إلى عرفي واستحساني، والتصفيق العرفي له مواضع في بنية الخطبة لا تخرج عنها؛ لأنه يحدث بشكل منتظم مثل التصفيق في مفتتح الخطبة وختامها، وللمفتتح والخاتمة. وبعد ذلك تحدث عن نمطي تحفيز الجمهور للإتيان بالاستجابة، وهذان النمطان يشكلان نوعي التصفيق: المستدعى وغير المستدعى؛ الأول راجع إلى أسباب مضمونية في الخطبة، والثاني راجع إلى أساليب بلاغية.

والتصفيق الناتج عن مضمون الخطبة غالبًا ما يستخدم فيه الخطيب أساليب صوتية لتكون رسالة للجمهور بأنه رسالة للجمهور بأنه قد حان موعد التصفيق حتى يكون التصفيق جماعيًّا وليس فرديًّا مترددًا ومتقطعًا فاترًا. ومن هذه الأساليب مدح الخطيب ذاته، وذلك من خلال معجم خاص يردده الرئيس عن نفسه مثل حب الوطن والتضحية من أجله والحرص على مصالحه، فضلا عن صفات الحكمة وتقدير العواقب والنزاهة، وكلها ألفاظ مُزَيَّنَة بالأنا المنفصلة والمتصلة.

وفي مقابل وصف “الأنا” يستخدم السياسي ضمير “هم” المضاد في نظره للـ”ـنحن”. والـ”نخن” متغيرة من فترة تاريخية لأخرى. ففي فترة عبد الناصر كان الآخر هو الصهيونية والإمبريالية، وفي عهد السادات كان الآخر هو الشيوعيين والمثقفين المأجورين، وفي فترة مبارك كان الآخر المعارضة التي لا تريد الاستقرار. وكسبًا لتأييد الجمهور ـ يلجأ الرئيس لاستخدام تقنية الإعلان عن قرار، إيهامًا منه لهم أن هذا القرار أو ذاك في مصلحتهم. وكذلك تأتي تقنية مدح مواقف أو سياسات معينة ضمن أساليب التصفيق المستدعى، مثل مدح سياسة الاشتراكية في عهد ناصر، وسياسة الانفتاح والرأسمالية والسلام مع إسرائيل في عهد السادات، وسياسة الأمن والاستقرار في عهد مبارك.

وهناك أساليب أخرى يستخدمها الخطيب السياسي لإيقاع الجمهور في التصفيق أسماه: “فخاخ التصفيق”. وهي مجموعة تقنيات لغوية وبلاغية وأدائية، مجتمعةً معًا؛ تحقيقًا لهذه الغاية، وهي جلب التصفيق من الجمهور بشكل لا إرادي. ومن هذه الفخاخ، ذكرُ اسم شخص أو حدث يتلقاه الجمهور بتصفيق حارّ. وهي متغيرة من فترة إلى أخرى؛ فمثلًا يصفق الجمهور لذكر جمال عبد الناصر لفكرة (القومية العربية)، أو يصفق لذكر السادات لثورة 1952م أو لقتال حرب 1973م.. وأورد نماذجَ كثيرة لهذه التقنية.

وكذلك تُعد الفكاهة والمفارقة تقنية فعَّالة في الخطبة السياسية المصرية، ومثال شهير على ذلك سخرية عبد الناصر من سجنه للإخوان في خطبة له في ذكرى الوحدة 1966م. ومنها ـ أيضًا ـ تقنية التكرار لكلمات بعينها تخص أفكارًا يتبناها النظام، أو أحداث لها تقدير عند الجمهور. وأهمها على الإطلاق القوائم ثلاثية الأجزاء، والثنائيات المتقابلة.

ثم تناول عدة عوامل مؤثرة في مدة التصفيق وشدته، وهي تخص العلاقة بين الجمهور والسلطة، وتفاوت السلطة. وكلها – كما يتضح – عوامل غير خطابية. وذلك كأن يكون المتحدث ذا مكانة صادقة لدى الجمهور، ومن هنا ينال المتحدث تصفيقًا أشدَّ وأطول. وتفاوت السلطة تعني من يملكون السلطة ومن لا يملكونها؛ إذ إن التصفيق يكون منصبًّا ومتجهًا إلى من يمتلكها فقط؛ كأن يصفق الجمهور للرئيس وليس لنائبه، أو للوزير وليس لمستشاره.

ثم انتقل إلى ظاهرة مهمة تحتاج إلى درس مفصل، وهي ظاهرة مصاحبة للتصفيق، ألا وهي الهتاف. وتناول أنواعه من حيث: كونه فرديًّا أو جماعيًّا، وكونه نابعًا من مؤيد للخطيب أو معارض، أو كونه شعريًّا أو نثريًّا، وكونه فصيحًا أو عاميًّا، وكونه مصاحبًا للتصفيق أو حالًّا محلَّه منفردًا، وما إذا كان متزامنًا مع التصفيق أو سابقًا عليه، وإذا كان مصاحبًا للتصفيق: هل الثاني موجه للهتيف أم للخطيب أم لهما معًا؟ وكونه هتافًا فئويًّا أو عامًّا، ومن حيث رفض الخطيب له أو دعمه. ووصل من خلال تحليل الخطب الرئاسية المصرية إلى أنه في سياق انتظار السياسيين لهذه الاستجابات من تصفيق وهتاف، وإفساح الوقت أمام الجمهور لذلك – فإنه يندر أن يوقفهم الخطيب عن الهتاف؛ لأن هذا الأساس لتوطيد سلطته. وإيمانًا من الخطيب السياسي بدور هذه الاستجابات في توطيد سلطته – فإنهم – السياسيين – قد ابتكروا وظيفة الهتِّيفة والمصفقاتية في خداع الجماهير غير المشاركة في إعطاء صورة مزيفة لشعبيتهم. وأن الهتاف قد يأتي بديلًا عن التصفيق، وليس مصاحبًا له، وذلك عند الجماعات الأصولية، فيكون الهتاف تهليلًا أو تكبيرًا أو تحميدًا.

وتناول قضية أخرى تحت عنوان: “الجمهور المشارك وغير المشارك”. فالجمهور المشارك هو الذي ينتج استجابة تعد جزءًا من الخطبة نفسها، ويتلقاها مباشرة عن غير وسيط. أما الجمهور غير المشارك فهو يتأثر باستجابة الجمهور المشارك بلا شك؛ لأن الجمهور غير المشارك يتلقى الخطبة بغير معزل عن الاستجابات، فكلاهما في متن واحد. كما أن الجمهور غير المشارك يلجأ دومًا إلى الامّحاء في الذات الجمعية حتى لا يشعر بالانعزال، ورغبةً منه في الانسجام مع الجماعة، ومن جاءت أهمية وظيفة المصفقاتية والهتيفة للتضليل والخداع بشعبية الديكتاتور الزائفة.

وطوال الفصل نجد قضية تفرض نفسها في أثناء قضايا الفصل كله، ألا وهي: “العلاقة بين الخطبة والتصفيق، والواقع السياسي”. وتجلت هذه العلاقة في عدة أشياء تتبعتـُها في الفصل الثاني، وهي أن ظاهرة تأجير المصفقاتية تقلل من فعاليتها إذا كان الواقع السياسي مريرًا، ولا يصدقه الجمهور بل يشك في صحته، وصحة وجود رغبة حقيقية للتصفيق الموجود في الخطبة. كما أن الرئيس يحرص على جلب التصفيق خصوصًا في وقت الأزمات، لإيهام الجمهور أنه لا يزال قادرًا على الحكم، أو في وقت الانتصارات ليربط بينه وبينها. كذلك تعرض المؤلف للتصفيق الإجباري الذي يقوم به الأشخاص المأجورين بسبب وجود ضغوط خارجية، ليتأكد في النهاية أن التصفيق مرآة تنعكس عليها علاقات السلطة.

تتبع الكتاب تطور وظيفة التصفيق في الخطاب السياسي. وذكر أن للتصفيق عددًا من الوظائف، ولكني أرى أن حزمة من الوظائف تندرج تحت (وظيفة الاستحسان). ومنها وظيفة (التأييد)، وهي تعني – ضمنيًّا – الاستحسان، وكثيرًا ما تكون في المناظرات السياسية، أو عند اتخاذ صاحب السلطة قراراتٍ وقتَ الأزمات، أو الكشف عن (الولاءات السياسية) في فترة الصراعات.

ولكن الذي التفت إليه وظيفتان مهمتان للتصفيق في الخطبة السياسية: التحريض السياسي، والتصفيق بوصفه فخًّا. والوظيفة الأولى تكون ردًّا على المعارضة الذي يناصبه صاحبُ السلطة العداءَ، ومثال ذلك التصفيق الشهير لقرار السادات حول عزل البابا شنودة في سبتمبر 1981م. والوظيفة الثانية هي إيقاع الناس في الفخ واصطيادهم من أجل تأييد قرار ما يصعب استحسانه، ويستخدم السياسي وقتها كثيرًا من المبالغات. ومثالها تلك المبالغة الشهيرة التي اشتملت عليها خطبة السادات في مجلس الشعب 1977م عن قراره للسفر إلى إسرائيل.

وفي موضع آخر في أثناء الكلام عن “المصفقاتية” تحدث عن تطور وظائف الخطبة السياسية حتى وصلت إلى (التضليل) الناتج عن تأجير أشخاص تصفق مقابل أجر للتأثير على الذين يتلقون الخطبة عبر وسيط. ليكون التصفيق المعَدُّ سلفًا، خداعًا وتشويهًا للتلاعب بالجماهير.

يُحْسَبُ للكتاب خوضه هذا المجال من الدرس البلاغيّ الجديد، الذي أعرض عنه الباحثون للأسباب التي سبق أن ذكرتها. وللكتاب الفضلُ – أيضًا – في التعريف بالدراسات الأجنبية حول هذا الموضوع، ولاسيّما دراسة “ماكس أتكينسون” عام 1984م بعنوان: “أصوات أسيادنا: اللغة ولغة الجسد في السياسة”، وغيرها من الدراسات التي تثبت أننا تأخرنا كثيرًا عن الإسهام في هذا المجال البحثي. وقد توصل الكتاب إلى نتائج مهمة من خلال تحليلاته للخطاب السياسي في مصر، وهذه النتائج تمثل تعميمات تخص استجابة الجمهور في سياق ما، وليكن السياق السياسي، بهدف توعية الجمهور لمقاومة الخطاب السلطوي.

لقد هَدَمَ المؤلف الجسر الذي أقامته المؤسسات الأكاديمية بينها وبين الجمهور العادي الذي يُحَصِّل ثقافته بنفسه؛ إذ إن العنوان يخلو من أي تقعيد مصطلحي. وهناك دليل آخر على ذلك؛ وهو أن البحث الذي اقترح فيه عماد منهج: “بلاغة الجمهور” ذكر أن للمنهج دورًا (بيداغوجيًّا)،وهذه الكلمة تعني الدور التربوي، وذكر كلمةَ (تربوي) في الكتاب، ولم يذكر المصطلح العلمي الذي وجد في إطار أكاديمي لا يمتّ للجمهور بصلة.

وكذلك يلاحَظ هذا الأمر في عرْضه لتاريخ البلاغة العربية ونوعية الدراسات الجامعية التي تناولتها في البحث المتقدِّم على الكتاب، ولم يعرضه في كتاب هدفه توعية الجمهور العادي إزاء الخطابات التي يتلقاها. ودليل ثالث يؤكد اتصاله بالجمهور أن الكتاب منذ صدوره أُتِيحَتْ له فرص عدة للحديث عنه في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة. كما أن الجزء الخاص بعرض الدراسات السابقة عن موضوع البحث يأخذ طابعًا أكاديميًّا، ولكن القارئ العام يفهم دون تعمُّق أن الدراسات العربية خلت من هذا النوع من الدراسات.

على الرغم من أن مشروع “بلاغة الجمهور” يستعين بعلوم بينية مثل علم النفس والاجتماع والسياسة والإعلام – فإن هناك كتابين مُهِمَّيْن في هذا الشأن، ينبغي الرجوع إليهما في الطبعة الثانية، وهما: “سيكولوجية الجماهير” لغوستاف لوبون بترجمة هاشم صالح طبعة دار الساقي 1991م، وكتاب “علم نفس الجماهير” لسيغموند فرويد، بترجمة جورج طرابيشي طبعة دار الطليعة ببيروت 2006م. فكلاهما يدرس ظاهرة الجماهير الثورية والتكتلات الجماعية والزعامة الشعبية من وجهة نظر علم النفس الاجتماعي. وأهم شيء توقف عنده لوبون ما حلله من وسائل الإقناع التي يمتلكها محركو الجماهير مثل التأكيد والتكرار والهيبة الشخصية..إلخ.(انظر: سيكولوجية الجماهير 127 وما بعدها).

في طبعة حديثة عام 2012م، صدر عن دار العالم العربي بمصر – كتاب: ” الآراء والمعتقدات” لمؤلفه الفيلسوف الفرنسي السالف ذكرُه (غوستاف لوبون) بترجمة عادل زعيتر. في هذا الكتاب يقدم لنا المؤلف تفسيرًا وافيًا لظاهرة الآراء والمعتقدات، وطرق انتشارها، وكيفية تشكلها وحياة المعتقدات، والفرق بين الرأي والمعتقد.

والذي أريد التوقف عنده في هذا الكتاب – فكرةٌ تماسّتْ مع ما ذكره عماد عبد اللطيف عن: ” الجمهور المشارك والجمهور غير المشارك”. وقد عرضتُ الأسبابَ التي رآها تُفَسِّر تأثر الجمهور غير المشارك الذي يتلقى الخطب عن وسيط باستجابات الجمهور المشارك. وهذا التأثُّر أسماه غوستاف لوبون بـ: ” العدوى النفسية”، وعرفها بأنها: ” أمر روحي ينشأ عنه التسليم ببعض الآراء والمعتقدات تسليمًا غير إرادي..وتشاهَد في البشر والحيوانات، ولاسيّما عندما يكونون في حالة جماعة، وهي من التأثير بحيث تسيطر على التاريخ”. ومَثّلَ لوبون لسلطان العدوى النفسية بأنه: ” لا تلبث الرعشة التي تستحوذ على حصان الإصطبل أن تسري إلى الأحصنة الأخرى، ولا تلبس الكلاب أن تنبح بعد أن ينبح أحدُها، وعندما يهرب الضائن يتبعه بقية الضأن”. وأي معتقد يتأثر به الجمهور غير المشارك، لا تتدخل فيه أية قيمة عقلية. (انظر: الآراء والمعتقدات لغوستاف لوبون ص 165 وما بعدها).

يذكر الكتاب أسباب هذه العدوى تتقارب رؤيته مع لوبون. ولا بد من الرجوع إلى هذا الكتاب – الآراء والمعتقدات – من أجل الاستفادة من هذا الكتاب المهم الذي له خصوصيته التاريخية ومعاصرته لأحداث مهمة سجلها مؤلفه فيه وفي غيره من الكتب.

قد يبدو لبعض الباحثين أن ما أسماه عماد عبد اللطيف في فخاخ التصفيق أشكالًا بلاغية – ليست من مباحث البلاغة المعروفة وفقًا للنظرة التقليدية ذات الطابع المعياري المطلق. ومن الأشكال التي ذكرها عماد عبد اللطيف هي: المفارقة والتهكم والتكرار وغيرها، وذكر أنها حِيَلٌ لغوية وبلاغية وأدائية.

وقد شرح الدكتور صلاح فضل في كتابه: ” بلاغة الخطاب وعلم النص” الصادر عن لونجمان بمصر في الطبعة الأولى عام 1996م – شرح كيف يتكون الشكل البلاغي في البلاغة الحديدة، وفقًا للنصوص الحديثة، وخصوصًا في اتجاه “تحليل الخطاب” الذي يرى أن البلاغة نظام له بنية من الأشكال اللغوية هدفُها إحداث التأثير الذي ينشده المتكلم في موقف محدد، وأن هذه الأشكال البلاغية ليست زخرفية وإنما هي أساسية في بنية الخطاب، وهي في حالة تغير دائم وفقًا للظواهر المستجدة. وفصّل صلاح فضل هذا في البابين الثاني والثالث من كتابه السالف ذكرُه (90-293). ومن ثم، يحتاج كتاب عماد عبد اللطيف إلى تأصيل كل هذا ليتلقاه الباحثون الجدد دون شعور بالتناقض.

لقد علَّلَ الكتاب أسبابَ عزوف الباحثين المعاصرين عن دراسة أشكال التواصل والاستجابات الجماهيرية؛ انطلاقًا من عدم اقتناعهم بأنها تَهُمُّ الدرس البلاغي في شيء أو تستحق التوقف عندها. ولكن الحقيقة أن هذا النوع من الدراسة له روافد عربية في تراثنا، ويحتاج الكتاب إلى تأصيل نظري لما كتبه الجاحظ وابن جني عن أنساق التواصل غير اللفظية، وهي التي تندرج تحت مسمى الإشارة في مقابل العبارة.

يقول الجاحظ في كتاب البيان والتبيين في حديث عن أنواع البيان: ” وجميع أصناف الدلالات على المعاني من لفظ وغير لفظ خمسة أشياء.. أولها اللفظ، ثم الإشارة ثم العقد ثم الخط، ثم الحال التي تُسَمَّى نصبة. والنصبة هي الحال الدالة التي تقوم تلك الأصناف. ولا تقصر عن تلك الدلالات”(1/76). ويقول أيضًا في موضع آخر عن الإشارة التي قد تغني عن اللفظ والخط: ” وفي الإشارة بالطرف والحاجب وغير ذلك من الجوارح، مرفق كبير ومعونة حاضرة في أمور يسترها بعض الناس عن بعض، ويخفونها من الجليس وغير الجليس”(1/78). وفي مواضع كثيرة في هذا الكتاب، كلام عن أشكال البلاغة التواصلية غير اللغوية، وكذلك كتاب الخصائص لابن جني. وقد عقدت الدكتورة فاطمة المحجوب فصلا في كتابها: ” دراسات في علم اللغة” عن: “لغة الحركة الجسمية” والوظائف التي تؤديها هذه الحركة. (دار النهضة العربية 1976م). وهذا التأصيل يخص ما تكلم عنه عماد عبد اللطيف عن دلالات التصفيق من حيث عدد الكمّ،والمدى الزمني، وأوضاع اليدين عند التصفيق، وغير ذلك.

كما أني لا أتفق مع المؤلف في أن أساليب دفع الجمهور للتصفيق متعلقة بمضامين الخطبة أكثر من تعلقها بطرق التعبير عنه أو أدائه؛ فقد لاحظتُ من خلال خطب مبارك اعتمادَه على التنغيم الذي يُشْعِر بنهاية الكلام، مثل إمام الصلاة وتنغيمه في تكبيرة التشهد لتنبيه المأمومين.

ويؤخذ على الكتاب في تمهيده عدم توثيق المعلومات التي أتى بها، مثل توثيق معلومة استخدام المصريين القدماء للتصفيق بوصفه أداة إيقاع. وعند رجوعي إلى كتاب: ” الآلات الموسيقية الشعبية المصرية”للدكتور فتحي الصنفاوي، الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب 2000م – أن المصريين القدماء عرفوا أداة إيقاعية تسمى (المصفقات)، وواضح من الصور التي أوردها الصنفاوي أنها صُمِّمَتْ على أذرع آدمية، وبها ثقوب تركية موجودة عند الطرف العلوي؛ دلالة على أن كل زوج منها يُمْسَك في يد واحدة. كذلك في سياق حديثه عن التصفيق عند اليونان – ذكر عبارة: ” وتذكر كتب التاريخ أن نيرون قد أسَّس مدرسة خاصة لتعليم أصول التصفيق..”، ولم يوثق هذه الكتب التاريخية التي استقى منها تلك المعلومة.

وقد أضاف المؤلف أن الأصوليين لهم بديل عن التصفيق وهو التكبير والتحميد والتهليل، وفقًا لقراءة خاصة لبعض الأحاديث ولم يذكر واحدًا منها. وبالرجوع إلى المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي للمستشرق فنسنك – نجد أن كلمة “تصفيق” وردت في أحاديث كثير، منها حديث ورد في صحيح البخاري بكتاب “الأذان – باب من دخل ليؤم الناس فجاء الإمام الأول فتأخر الأول أو لم يتأخر جازت صلاته”. ورواه سهل بن سعد الساعدي: ” أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ذهب إلى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم فحانت الصلاة فجاء المؤذن إلى أبي بكر فقال: أتصلي للناس فأقيم؟ قال: نعم، فصلى أبو بكر، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتخلص حتى وقف في الصف، فصفّق الناس، وكان أبو بكر لا يلتفت في صلاته، فلما أكثر الناس التصفيق التفت فرأى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فأشار إليه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أن امْكُثْ في مكانك، فرفع أبو بكر – رضي الله – تعالى – عنه – يديه، ثم استأخر أبو بكر، حتى استوى في الصف، وتقدم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فصلى، فلما انصرف قال: يا أبا بكر ما منعك أن تثبت إذ لأمرتك؟ فقال أبو بكر: ما لابن أبي قحافة أن يصلي بين يدي رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ما لي رأيتكم أكثرتم التصفيق؟ من رابه شيء في صلاته فليسبح؛ فإنه إذا سبح التُفِتَ إليه، إنما التصفيق للنساء”. وواضح هنا أن التصفيق له دلالة نفعية، ويُمَثِّل مُثيرًا يتطلب استجابة، وليس العكس.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

محمد السيد غريب

باحث بكلية الآداب جامعة القاهرة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لماذا يصفق المصريون؟ – د. عماد عبد اللطيف

 دار العين – القاهرة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

خاص الكتابة

مقالات من نفس القسم