البحث عن “ماهية”.. عن رواية “جسم مثالي لرجل مهم”

جسم مثالي لرجل مهم
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

أكرم محمد

الافتتاحية ما بين العتبة والبناء

تبدأ رواية “جسم مثالي لرجل مهم”، تأليف الكاتب خالد البري، والصادرة مؤخراً عن دار العين،  بالحكاية الأولى، غير المكتملة، والممهدة للمحطة الأهم، شأن الحكايات الحياتية، لتبدأ، بالفعل، في وضع أول حجر في بناء فلسفي شديد الخصوبة، وكثير الأفرع، يتوحد مع بناء  كل أفرع الرواية، وأبنيتها؛ ليصبوا في البناء الفلسفي، الذي يأخذ الإنسان/ الراوي لكل ما يدور حوله وما يشغله كمحور للكون، مع الآلهة، ومحور للبناء، عن طريق “ربيع”، الراوي الذي كان طفلًا كرجل، قبل أن يكون رجلًا كإله، وهو ما يشكل جزء من نسيج البنية الفلسفية، الذي يشكل، بدوره، جزء من نسيج الكون، والإنسان وما حوله من ثنائيات..

تبدأ من اسم الفصل، الذي يحوي داخله بداية بناء روائي، تقوم أسسه على الحكايات، وما يقبع داخلها من رموز وإسقاطات، سواء فلسفية أو سياسية، تبني البنية الفلسفية.

وتبني الافتتاحية، ويبني الفصل/ المقطع الأول الشخصية، التي تبني بدورها الإنسان، لتكون الشخصية مرآة للإنسان، رغم اختلافها عن العامة، وليكون التدوين، في شكله البدائي للكتابة، هو أساس السرد، وأساس بناء عالم متكامل من الحكايات، التي تنبع من حكاية واحدة. يبني هذا التدوين بناء فلسفي للإنسان، ونظرته، وللفلسفة المحيطة به، عن طريق حكايات معاصرة وحكايات تاريخية، مثل: ست، وجب ونوت، وهي ثنائية تولد أفرع فلسفية، وسياسية، واجتماعية، فما بين التاريخ، والحكاية المعاصرة لطفل نشأ كرجل، تربض المرآة، التي تعكس بدورها بناء، لا يفهمه من يرويه، إلا في الوقت الذي يروي فيه، وهو في لندن..

الافتتاحية في عملٍ كهذا لا تمثل، فقط، فكرة عتبة النص بل تمثل بناء نص قصصي يمهد لنص روائي، لتكون المرايا السردية هي أساسه، تلك، التي تهبط من سماء التدوين إلى سحب جنات الرواية، بكل جوانبها، وشخصياتها، وفلسفتها، هذه التي تبني الإنسان، وتأثير النشأة، والماضي عليه، وتمرده، ونظرته لنفسه ومن وما حوله، وأخيرًا نظرته للسلطة، وعلاقتها بالكلاب، التي أخذت تتكاثر في (البلد).

                                  **

أما مع بداية المقطع الثاني فيبدأ العمل في أخذ القالب الأكثر واقعية، وقرب من الحقيقة، فيتضح من خلال الروي أن الطفل، المتلصص لحكايات والناشئ كرجل، يقطن في “لندن”، وهو جزء مهم من البناء الروائي، الذي يقوم جزء منه على ما يرويه التدوين، وروي الحكاية الناقصة، فيبدأ العمل في تشكيل ثلاثة جوانب للبناء الروائي، هم فقط بداية لبناء يقوم على أحجار عديدة، وهم: التدوين، الروي، النظر..

أما عن التدوين فهو السرد من منظور الشخص الأول، الذي يرويه البطل، وأما عن الروي فهي حكاية البطل، شخصيًا، التي تضفي بعدًا تشويقيًا، وآخر رمزي، والثالث هو النظر؛ فالنظر، ورؤية البطل يمثلون جزء مهم من هذا البناء، ونسبية الرؤية، ككل، تمثل جزء مهم من البناء..

“هل يموت الإله؟

البحث عن فلسفة”

                        (١)

ينحت البناء الفلسفي في رواية خالد البري الأخيرة على ثنائية متعددة الأطراف، والجذور، وهي ثنائية لا يمكن أن تكتب شأن باقي مثلياتها؛ لأنها ليست ثنائية واحدة، بل ثنائية متعددة الجذور، صاحبة أطراف واحدة، وهم: الإنسان، والإله..

البناء الفلسفي في رواية “جسم مثالي لرجل مهم” هو بناء يقوم على عدة أعمدة، وأحجار، يتحلقوا حول هذه الثنائية الأعظم، يمكن أن يختصروا في كلمة “ماهية”؛ ماهية الكون، والسلطة، والنظر، والنسبية، والشوق، والشك، المرتبط جزئيًا بالإيمان، والمجتمع، والآلهة، والحب، والحرية، والقواعد، والإنسان، والشهوة، والجنس، والماضي، والنشأة، والثواب والعقاب، والدين، ورؤية الإنسان لنفسه، والموت، والحياة، وهي واحدة من أهم الثنائيات، التي يمهد لها في الجزء الأول، وتظهر ذروتها في الثاني، والذكورة، سواء بمنظورها الأشمل كرمز للسلطة، ورؤية الإنسان لنفسه، والطبقية، والشهوة، والتمرد، أو بمنظورها الأقل شمولًا كمفهوم “الرجولة” في المجتمعات العربية..

يخلق الكاتب من هذه الأسئلة الفلسفية ثنائيات فلسفية، وسياسية، واجتماعية، تتمحور كلها حول الإنسان، القابع تحت ومع الآلهة، وكأنه مركز الكون، شأن الراوي، وكأنه مركز العمل، وهو بالفعل كذلك؛ لأنه يقطن تحت يد كاتب يتحكم في مصيره، ويضع له قوانين، ويعاقبه، ويحاسبه، ويعطيه، أحياناً، حريته، ويضع فوق رأسه الناموس، ويسجنه في سجن الموت..

كل جوانب الرواية في هذا النص تخدم البناء الفلسفي..

المشهدية، والشخصيات، والحوار في رواية “البري” الأحدث يصبوا في هذه الفلسفة، والثنائيات..الكل يبحث عنها، حتى البناء الدرامي، الذي يتحد معه ليربض البناء الدرامي داخل البناء الفلسفي في هذا العمل، وليس، كما المعتاد، أن يقطن البناء الدرامي داخل الفلسفي ويخدم عليه..

 يبحث الكاتب عن فلسفة، يتساءل من خلالها عن كنه كل شيء حول، وفوق، وتحت الإنسان، ويسأل “هل يموت الله؟”

أما مع بداية الجزء الثاني للعمل فيبدأ العمل في دعم ما تم التمهيد له في الجزء الأول، لكن بأسلوب أكثر سيريالية، وتاريخية، وتنظيم، كخلق الكون؛ فيبدأ من لحظة الخلق الأولى، وقبلها السلطة/ الإله، والفراغ، ثم العشق، ثم القواعد/الناموس، ثم التحرر، يتبعه ما يتبع من البناء..

هذا البناء، الذي يتطور في الجزء الثاني، بسيرياليته، وعبثيته، ليشمل الرمز الشامل، والآخر المحدود، مثل ثنائية السلطة/الإنسان، وتأثيراتها، وهي الرؤية الأشمل، أما الرؤية الأقل شمولًا هي الإسقاط للعصر الحالي، عن طريق الإشارة للـ”سرسجية”، وهو رمز يمكن التعامل معه كإشارة لتأثير موت السلطة، وغيابها وقمعها، في أن واحد، ككل، وممكن التعامل معها على أنها مجرد سقاط على أوضاع معينة، مثل: مشهد خطاب ست في المحكمة، وهو ما يبرز واحدة من أهم صفات البناء الفلسفي، وهو ثنائية الشمول/المحدودية الفلسفية.

و كذلك، فإن مع بداية الجزء الرابع تبدأ البنية الفلسفية في أخذ قالب اجتماعي، وفلسفي، سيان، مثل: الذكورية الشرقية، الحرية في العالم العربي/الحرية في العالم الغربي، وفلسفي، أحيانًا، مثل: الحقد البشري، ورؤية الإنسان لذاته، التي هي محور الكون، وكأنها تقترن مع الآلهة، مثلما قابل الإله “الزعيم”، في نهاية الجزء الثاني، تقابل “لميس” “ربيع”، ويقابل السرد الشخصيات، ليكونوا هم المحور، الذي يدور حوله الكون، وتبحث عنه الآلهة، وتنص على أساسه القوانين، فرغم بُعد الطبقات بين الآلهة، والبشر، يبقوا هم نسيج واحد لعالم، على الأقل روائي..

                                              (٢)

تتناغم، وتتوحد كل أبنية هذه الرواية مع بعضها لتصب في البناء الفلسفي، حتى ذاكرة العمل/ البناء الدرامي، والشحذ من السرد؛ ليخرج نسيج فلسفي من رمز واحد، متغير رغم تغير المكان، والزمان، والأجزاء، مثل: الكلب، الذي مثل العباد في الجزء الأول، ومن ثم في الجزء الخامس مثل العباد، الذين يحاولون التحرر، لكن نصفعهم يد السلطة، ذات العلامة المقدسة..

(٣)                                        

الشمولية في النظرة الفلسفية في رواية خالد البري، الأحدث، من أكثر ما يميز بنيتها الفلسفية، فيعرض النص رؤية أدبية، وفلسفية، كاملة، من قلم يكتب بأكثر من سن مدبب، وينظر بأكثر من عين، ويصور بعدسة واسعة، بدلًا من الضيقة التي يتسم بها السرد من منظور الشخص الأول، ولهذا؛ فإن السرد له دور كبير فهذه النظرة، مثل: الأب، الذي يرى سرده في كتابه السلطة من زوايا عديدة، وحتى “ربيع” نفسه، الذي يراها بنظرات مختلفة مع اختلاف الأزمان، والأمكنة، والأحداث، الكامنة في روحه.. تنظر الرواية للسلطة، بدايةً من الإلهية، التي ينبع منها كل شيء، وكل سلطة، من وجهات نظر مختلفة، لتطرح أسئلة فلسفية عديدة، تنتهي، وتبدأ بمشهد النهاية، الذي يقطع كل التأويلات، ويضع التأويل الأصدق، والأهم، وهو ثنائية الإنسان، والإله.

الشخصيات.. مرآة النظر

على شاكلة واحد من أهم أحجار البناء الفلسفي، تبنى، وتقدم الشخصيات، نظرًا لوجهات نظر البطل، التي تخلق مرايا تطل منها الشخصيات..

تقدم الشخصيات طبقًا لحوار تخيلي.

يسأل الكاتب سؤال : (( من يرى الشخصيات؟ ))

ويجيب: (( الراوي))

يسأل: (( من يحكي عنهم؟ ))

يجيب: (( الراوي..بطل الحكاية)).

هو هذا البناء، الذي يخلق، ويدعم البناء الفلسفي، ليكونوا كالبنيان، يشد بعضه بعضه..

لذا، فإن على الصعيد الفني يكاد القارئ يرى بعين الراوي..فلا يرى “أم حسين” مجرد أم طيبة بل يراها هذه المعشوقة، الفاتنة، المنساب قيظ عشقها على قلب الراوي، ويرى الأب كعالم بقضايا الكون وماهية الإله، وهذه التقنية الفنية تدعم البناء الفلسفي، فما بين النسبية الفنية والفلسفية يربض النص..

وبداية من الجزء الثاني تتحول الشخصيات، بشكل أوضح، إلى رموز، يحكي عنها الأب، وتدعم، كسابقتها، البناء الفلسفي، وتبنى وتقدم، كمن سلفها، عن طريق نظرة الراوي لها، وهو الأب، الذي يبني شخصيات آلهة، وهو يقبع تحتهم، لكنه، حتمًا، يعلم دلالتهم؛ لأنه، على عكس الطفل، الذي تحول لشاب، فإنه ناضج بما يكفي ليفهم شخوصهم، وليرسم مشهد أكثر فلسفية، وأكثر سيريالية، وكذلك عبثية، ويضع، بقصد وصدق، أساسات لبناء فلسفي لروايةٍ ما؛ ليدعم من خلالها البناء الفلسفي للنص الأول، الذي يقع داخله كل هذه النصوص..

و، كطريقة لإمتداد تأثير الراوي في بناء الشخصيات؛ فإن اللغة، بشكل كبير، مؤثرة في تقديم الشخصيات.. اللغة، التي كانت جنوبية، ممزوجة بالعصرية في الجزء الأول، وفلسفية، ناضجة، سيريالية، في الجزء الثاني، وعصرية، غربية، في الجزء الرابع..اللغة تشكل جزء أساسي في نحت الشخصيات وتقديمها، وبناء عالم، يؤثر في البناء الروائي، عن طريق الراوي، سواء “ربيع” أو الأب، سيان؛ فالإثنين تنساب لغتهم على قلوب الشخصيات، وعقولهم، من مرآة نظرهم، لتبعث بها على الأوراق، لتشكل عالم من الشخصيات، التي يؤثر المكان عليها، وتقوي،بهذا الفعل، فنيًا: بناء الشخصيات، وتقديمها، وفلسفيًا: تأثير المكان، والبيئة، والنشأة على الإنسان.

وعلى غرار تأثير النسبية في بناء الشخصيات، واقديمها، فإن العلاقات الإنسانية، التي تولد إسقاطاتي فلسفية، في هذه الرواية تأخذ مساحة واسعة؛ فنسبية العلاقة بين الإنسان ونفسه، حتى، وهي علاقة تتمثل في علاقة “ربيع” بنفسه، كونه إنسان إلأهي، وبغيره، كونه إنسان تكوِن  بناء لعالم روائي يقطن فيما بين الخيال والواقع، الذي يعود به الكاتب، بطريقة أحدث، إلى روايته “رقصة شرقية، الصادرة عن دار العين عام 2010، والمرشحة للقائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية “البوكر”، والتي يرسم من خلالها مشهد للعالم، والواقع، ويذهب من إطاره إلى الصورة الفلسفية الأكبر، والأكثر شمولًا، ويساعد في هذا العلاقات، سواء بين الآلهة والبشر أو البشر، وبعضهم، أو الآلهة وبعضهم، فيخلق من خلالهم، ومن خلال معاركهم وحبهم رموز فلسفية، فيعود إلى أهم جزء في بناء الشخصيات، وهو تقوية البناء الفلسفي، وتعطي، أيضًا، إحساس روائي بالصدق الفني، والبحث عنه في غياهب شخصيات واقعية، وأخرى غرائبية، وأخرى تحمل سمة الإثنين.

السرد، بدايةً من نقطة التدوين

                                              ((1))

السجية الأولى في الكتابة هي فكرة التدوين..التدوين بصدق أو كتابة الحقيقة، التي لا يحتاج المدون للبحث عنها؛ لأنها فقط حقيقة، لا يجب البحث عنها بل فقط تدوينها بصدق، بدايةً من تدوين الإله لحكايات عباده، وتدوين حكايات الآلهة، التي تشكل جزءًا أساسيًا في اللعبة السردية، وتحولاتها، وتناقضتها، وفي الفلسفة، وصراخها، المدوي صوته في أرجاء النص حتى حوائط السماء، القاطنة تحت قدم “رع”، هذا البطل المحوري للبناء الفلسفي، الذي يعبر عن السلطة، والثواب والعقاب، والخيانة، والحرية، والكون، والحب، هو هذا، الذي يلعب في تلابيب النص اللعبة السردية، التي يرويها الأب في ثنايا الحوار، المروي بدوره على لسان “ربيع”، البطل الأهم.

“ربيع” هو أساس السرد، الذي يمهد للجزء الثاني من السرد، وهو الجزء الثاني من النص، الذي يكتب بصوت فيلسوف ونظرة سردية مختلفة، وأهم ما فيه صوته، السينمائي أحيانًا، كأن يخلق الأصوات لتزيد السينمائية على المشهد، المبني على وصف مكثف، ومشاعر، وفلسفة.

صوت “ربيع” يمثل السرد، ككل،  و”الكتابة الصوتية” في هذا النص، أن تستمع لكل مشهد.. أن تستمع لمشهد عقاب السلطة الأبوية لربيع؛ بسبب معرفته أنه يتلصص على جسد معشوقته..أن يدون الراوي التفاصيل، ويصيغها “البري”؛ ليسمع الصوت بوضوحه، وعدم نقائه، والتشويش الدائر حوطه؛ فيكتب الأصوات: زووو، وصوت الطرق، وغيرها..

أما عن المشهدية الروائية، والآخذة القالب السينمائي، في الحوار، والوصف، والمبنية على عدة عوامل، أهمهم: الواقعية، والفلسفة، والمشاعر، والوصف المكثف، الذي يبني فكرة السينما، القاطنة في نص روائي، رغم عدم ذكرها، تقريبًا، فإنها مشهدية تبني حياة..تبني شخوص مجسمة، يحكي عنهم الراوي، الذي يحكي من منظور الشخص الأول؛ ليضفي على النص الشكل الصادق للمشاعر، والحكاية، وما بها من رموز، وإسقاطات.

المشهدية الروائية، والأصوات السردية في هذا النص تخلق اثنين من أهم ما يبني المشاهد وهم: الصدق الفني والفلسفي، والسينمائية المشهدية، وهذان النقتطان يشدوا بعضهم، ليقفوا على سطح البناء الأكبر، وهو البناء الروائي.. بناء المشهد يبنوا اثنين من عناصر البناء الروائي، وهم: الصدق، والسينمائية، التي تخرج من قلب التدوين.

                                                (2)

التشويق كلمة تحمل الكثير من المعاني في نص كهذا، فمن الممكن أن يقلل  التشويق الفني من قوة البناء الفلسفي، ويحول الرؤية العميقة لمحاولة للركض وراء أحداث، نائية عن عين القارئ، وقريبة من قلبه..

هذه هي الفكرة الأهم، التي يجب إجتنابها في نص روائي، تقوم أسسه على الفلسفة، حتى وهي تسقط على أحداث سياسية معاصرة فإنها تصب في المعنى الأشمل، و الفكرة هي أن يطغى البناء الدرامي على الفلسفي، لكن ذلك النص يقرر أن يأخذ الإثنين ليقووا النص، ككل، ويصبوا في مصلحة البناء الفلسفي، عن طريق الأحداث، التي تكتب بسرد تشويقي، يمهد كل حدث منه للآخر، ويأخذ كل منه من عالم لآخر، فتكون سمة التجريب في النص هي محاولة للتوازن، عن طريق السرد، السجية الأولى في الكتابة.

الجزء الثاني: ثنائية تخلق فنا.. عبثية تخلق فلسفة

مما أفصح عنه الكاتب في بداية العمل، ونهاية الجزء الأول هي واحدة من أهم ما يميز بناء المشهد الروائي، والبنية الروائية، ككل، وهي: السحر، وبالأخص سحر التاريخ، مقترنًا مع سحر الواقع العصري.

يدخل الكاتب في نهاية الجزء الأول إلى دهاليز السحر التاريخي، الذي يرمز لواقع إنساني؛ ليأخذ العمل القالب، الذي أخذه في المقطع الأول، وهو قالب الساحرية الواقعية..

ولذا فإن السحر  الروائي، والخيال الواقعي في هذا النص الروائي يشكل جزءًا أساسيًا من اللعبة، ويخلق، مع بداية الجزء الثاني الثنائية الفنية الأهم في الرواية، وهي ليست ثنائية واحدة بل هي عدة ثنائيات تقع تحت مسمى واحد وهو ” الإنتقال إلى الجزء الثاني”؛ فعندما انتهى الجزء الأول النهاية التشويقية، التي مهد لها سالفًا، وهي الدخول في عوالم كتاب “رع”، تأليف “أبو ربيع” بدأ الجزء الثاني بداية لا تأخذ شكل الجزء الأول، وباقي الأجزاء، ومن هنا تبدأ الثنائيات الفنية.. جزء أول/جزء ثاني، سرد إبداعي/سرد تقريري، في أوائل الجمل السردية، وتنتقل بعدها إلى السابق، لكن بسرد يختلف، جزءيًا -وليس كليًا- عن السرد الإبداعي لباقي الفصول، ليس، فقط، لتغير المنظور، بل لتغير اللغة، سواء الفلسفية، التي تغدو أكثر ظهورًا، أو اللغة المعاصرة، التي تظهر، أحيانًا، في الجزء الثاني؛ لتخلق حالة من العبثية ذات البعد الرمزي،  سرد من منظور الشخص الأول/ سرد من منظور شخص ثالث، في نظر قارئ كتاب الأب وليس في نظر قارئ رواية “جسد مثالي لرجل مهم”، الذي يراه من منظور الشخص الأأول، وهي لعبة سردية تخلق نص يقطن في نص، يقبع خلفه كواليس معلومة، بالفعل، لتبني عالم متكامل يبدأ بالواقع المعاصر، والجنوب المصري، وينتقل ل”كمت”، وعوالم الآلهة، التي مهد لها عن طريق البناء الفلسفي..

مقالات من نفس القسم