وذات يوم، خلال الغداء في أحد الفنادق عرفني الصديق مروان على شخص وقال في تعريفه: روائي مصري. تصافحنا بداية ثم تبادلنا بعض عبارات المجاملة إلى أن ودع أحدنا الآخر ومضى كل واحد في سبيله.
ظننت أن الأمر سينتهي عند ذلك الحد مثل كثير من المقابلات العابرة التي تتخللها مجاملات تبقى في مكانها ولا تغادر.
لكن اللقاء بالروائي المصري الجميل وحيد الطويلة لم يكن كذلك. وحيد ليس ذلك الشخص الذي يمكن أن تنسى ابتسامته وضحكته وثرثرته الجميلة وهو ينتقل من موضوع إلى آخر مثل فراشة تنتقل بين الزهور.
علق وجه الرجل الضحوك بذاكرتي. شيء ما جذبني إليه. أهو بهاء الحضور أم سحر الإبداع؟ لست أدري لكنني رأيتني في اليوم التالي، وقد أهداني نسخة من روايته البديعة باب الليل، ألتقي به مرة أخرى. هذه المرة كانت بموعد ضربه لنا في مكان لطيف غير بعيد عن الفندق. ذهبنا إليه أنا ومروان بعد أن قبلنا دعوته الكريمة. كان كعادته يدخن الشيشة. الشيشة التي لا يمكن للمرء أن يتصور هذا المبدع بدونها تماماً مثل القبعة الأنيقة التي يرتديها.
افترقنا بعد أن صرنا أصدقاء. تواصلنا، تراسلنا، ذهبت إلى القاهرة فأكرمني بمبالغة. ثم جاء إلينا زائراً في المانيا ليشيع بيننا الألفة والمحبة في شتاء أوربا الكئيب.
لا أريد أن أكتب كثيراً عن شخصيته. يكفي للمرء أن يلتقي به حتى يعرفه ويحيط بجوانب شخصيته الجميلة الدافئة.
باب الليل:
كانت هذه الرواية باباً أعبره للدخول إلى عوالم وحيد الإبداعية. كتاب جميل مكتوب بلغة سلسلة دافئة. رواية تونس ومقاهيها والقضية الفلسطينية. رواية الربيع العربي الموؤد. قرأتها بشغف واقترحتها لعدد من الأصدقاء.
حذاء فلليني:
هذه هي الرواية الثانية التي أقرأها لوحيد. تفوق فيها وحيد على نفسه. رواية سردها يشبه نهراً هادراً ولغتها شعراً باهراً وموضوعها جديداً بالرغم من أن الانطباع الأولي يشي بأنه مطروق وقديم. هو ليس من أدب السجون كما يحلو للبعض توصيفها. إنها رواية العوالم الداخلية للضحية والجلاد معاً. بموازاة تشريح العالم الداخلي والصراع النفسي للضحية مطاع نجد تشريحاً دقيقاً لعالم الجلاد.
انتصرت إنسانية الروائي، انتصر حسه الفني في هذه الرواية البديعة وانتصر القراء أيضاً حين تلقفوا رواية دقيقة الصنعة، مثل حذاء فلليني.
لوحيد كل الحب
لقرائه كل التهنة بوجود وحيد في عالمهم
ولنا أن نغبط أنفسنا بصداقة مبدع من طينة الكبار. بل الكبار من طينته.