محمد العبادي
هو من أكثر الأفلام التي أثارت الاهتمام هذا العام، حصد الفيلم الكثير من التعليقات الإيجابية خصوصا في أوساط النقاد والمثقفين، وإن كنت أرى أن تقييمه “سينمائياً” قد يكون أقل مما يبدو لأول وهلة.
هو فيلم عن انهيار الذاكرة، عن خيانتها لك وعبثها بكل ما تملك، واقعك، ماضيك وذكرياتك، أحلامك. أنتوني هوبكنز في دور “أنتوني” الأب الشيخ يتمكن منه خرف الشيخوخة، ويعرض لنا الفيلم للحياة عبر نظرته وقد ذابت الحواجز بين الأحداث الحقيقية والأوهام.. نتابع أنتوني فنغرق في حيرته ومخاوفه وهو يفقد الثقة حتى في أبسط الأمور، حتى عن ابنته وطبيعة حياتها.. هل هي متزوجة أم مرتبطة.. بمن؟!.. هل هي في باريس أم لندن؟.. حتى شكلها يتغير وملامحها تختلط مع ملامح الممرضات والجليسات، يفقد تماما الإحساس بالمكان والأمان، فلا يستطيع أن يعرف هل هو في بيته أم في بيت ابنته، أم هي مصحة!!
ربما يكون السيناريو هو نقطة القوة الأكبر في هذا الفيلم، خصوصا حين ننظر له بشكل “أدبي”، يبدو السيناريو أقرب لتقنية “تيار الوعي” الأدبي الشهيرة مع الالتزام بـ”راو أول” في أغلب مناطق الفيلم.. ربما لهذا الشكل الأدبي المميز حصل الفيلم على هذا القدر الكبير من الإعجاب من النقاد والمثقفين، فهو فعلا فيلم مثالي بالنسبة للذائقة الثقافية.
أما على مستوى الصورة، فنقطة القوة الأولى هي الأداء التمثيلي، خاصة للمخضرم “أنتوني هوبكنز” في دور كُتب خصيصا من أجله، تمكن هوبكنز من عرض تفاصيل شخصية المصاب بالخرف بشكل مميز على مستوى الشكل الخارجي.. وبالطبع على مستوى عرض الحالة النفسية للشخصية.. وهي منطقة التشخيص التي يبرع فيها بالتأكيد.. كذلك أوليفيا كولمن برعت في شخصية الابنة خصوصا أن طبيعة الدور كانت تعتمد عليها لتبني أداءات مختلفة تبعا لاختلاف الحالة العقلية للأب.. أي أنها كانت تؤدي شخصية الابنة كما يراها الأب من منظوره المفكك.. وليست كما هي عليه في الحقيقة.
على مستوى تفاصيل الصورة الأخرى فرأيي أنها تأثرت سلبا بالطبيعة الأدبية للسيناريو والنص المسرحي الأصلي.. باستثناء المونتاج المميز لـ”يورجوس لامبرينوس” الذي أعطى للفيلم الانطباع المشتت لأفكار الأب.. عانى الفيلم من غياب التماسك والمبالغة في الحوارات وتفاصيل المشاهد.. فجاء الإيقاع العام للصورة أبطأ من اللازم.. وجاءت عدة مشاهد فارغة من المحتوى الحقيقي بحوارات غير بناءة، مع تسليمنا أن هذا الأداء المشتت كان متعمدا من المخرج “فلوريان زيلر” كونه ملائما لطبيعة قصته.. إلا أن النتيجة النهائية على الشاشة لم تكن مرضية سينمائيا.. حتى إن كانت مرضية “أدبيا”.