اكتشاف الحياة في “قبلات سينمائية” لإيريك فوتورينو

موقع الكتابة الثقافي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

سارة يوسف

1

"لا أعرف شيئا عن أصولي, ولدت في باريس من أم مجهولة وأب كان يصور البطلات, قبيل موته أسر لي أنني أدين بوجودي لقبلة سينمائية "بهذه  اللقطة الأولى يدخلنا بطل رواية قبلات سينمائية لإيريك فوتورينو لعالمه وكأنك بفيلم لهيتشكوك يجّذبك إلى قضيته لتتوه معه في حل لغزه، وهوفي ذلك يستعرض تفاصيل أفلام الموجة الجديدة بالسينما الفرنسية, يفتش بين نجماتها الأبديات عمن تكون أمه, متنقلا بين مخرج وآخر, ومن نجمة لأخرى, عله يجدها ترى من منهن هي "انوك ايميه,جين مورو, أنا كارينا, كاترين دينيف, رومى شنايدر، مارلين جوبير, وأخريات".

صحيح أنه كم تمنى جدا أن تكون أمه أودري هيبورن، إذ كانت حسب قوله "ستمثل أما رائعة".

2

“..ولأن والده مدير تصوير عمله الأساسي الإضاءة والألوان فهو يأخذك لعالم لا تعرفه, وللغة لا يدركها كثيرون ليبرز أهمية دوره في صناعة نجمة من لا شيء، إذ كيف يصنع من وجه فاتر ذي بشرة مجعدة ببعض من إضاءة امرأة جميلة, وهو مع ذلك لم يعشق إلا الأبيض والأسود، وكم كان غضبه شديداً حين علم أن ابنه قبل أن يلون شفاه مارلين مونرو بالأحمر الفاقع  في إعلان بإحدى دور السينما يلصق بشوارع الشانزليزيه !!!

3

أما الابن المحامي  الموهوب  والذي مات ، فيترك قاعات المحاكم  ليهيم على وجهه بشوارع مدينته يلتمس خطى والده, فيذهب لشقته, يبحث في متعلقاته عن أي خيط يرد إليه أمه وفي رحلته هذه أخذه الحنين لدور سينما تعرض أفلاما قديمة, هناك شعر بوجودها, لم يكن بالقاعة الصغيرة غيرهما وجين مورو بفيلم العشيقان, تعرفا وتقابلا وبدأت الحكاية “مايليس”.

4

مايليس  النحيلة مترجمة باليونسكو, محبة لأفلام الموجة الجديدة, متزوجة جداً على حد وصفها, وحزينة ومتحفظة وجميلة . يذكر أنها تشبه النساء في لوحات رامبرانت من لسن بحاجة للإضاءة فهن مصدرها لذا أبهرته واستشعر أنها هدية أبيه بعد الرحيل, ربما لأنها قديمة, محبة للماضي أو مختبئة به كما أخبرته “نعم, الكتب القديمة تحمينى “.

5

في البداية أربكه الحب الجديد، إذ تقتحمه مايليس ويرحلان معا لفيلم قديم رومانسي ليلتقيا ببيته أو بيتها لا يهم، وفي اليوم التالي تختفي لعدة أيام ليعود هو لأبيه وصوره وأفلامه يقلب في رحلته وطيف مايليس يرافقه، هل تكون هي جزءاً من حل اللغز ؟ربما لأن الموت كان قضيتها الاولى فليس غريبا ان تكون محبة لفرجيينيا وولف.

6

في ملل الانتظار وجد ملاحظة “بين المصباح واليد هناك خيط”، وبما أنه عشق وتألم فقرر الابتعاد وكلما أوشك أن يشفى عادت إليه وبقوة .فعاد إلى أبيه يلتمس أمه، إذ كان يتخيله وكأنهما يمارسان لعبة سحرية وينادي عليه “أنت تقترب “حتى وجد بكرة لفيلم بعنوان “شومان لون 67” امرأة شابة بشعر قصير  وولد صغير في الكادر على البحر والكاميرا مسلطة على تفاصيلها هي فحسب والمشهد يتكرر ..أخذه منظرها لسبب لا يعرفه, بحث عن أي معنى لها حتى وجد أن  شومان لون بها مصحة عقلية سيذهب اليها بعد أيام ويسأل عن السيدة المجهولة ولا يجد إلا حطاما إذ احترق المكان بيد امرأة مجنونة كان يزورها رجل أما هى فكانت محبة للسينما.

8

عاد أدراجه بعدما أوشك على حل اللغز , وعندها فحسب أحس بالارتياح يكفيه أنه لم يعد يبحث عن شيء, أما أمه فلا يهم ان كانت نجمة سينمائية او حتى مجرد حالمة بالسينما، أما عن مايليس والتي ستعود إليه للبقاء ابدا وجد نفسه فجأة يتحرر منها بكل سلاسة ودعة تاركا إياها في عالم الأبيض والأسود ليعود هو لعالمه ولعمله بعدما اكتشف أن بحثه عن أمه كان بحثاً عن الذات، وأن مايليس لم تكن سوى طيف أمه المفقودة وان ابيه ترك له زادا من حبيبات كثر يختار منهن من يحب, ولاضير الآن أن يرتاد السينما لمشاهدة كوميديا لوودي آلان بقاعات تضج بالناس والحياة وبصحبة احداهن التي قد تكون فيما بعد حبيبة أو لا.

ملحوظة: ربما أجمل وأبسط ما في الرواية هو انها تضع بين  ايدينا فجأة شريطا لا ينتهى من أيام حلوة بالسينما الفرنسية بكل نجومها من كان أمام الكاميرا أو وراءها …فلهم كل المحبة والسلام .

مقالات من نفس القسم