اعتذار من أروى صالح لم يصل إلى صاحبه

أروى صالح
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

أمينة النقاش

فى السابع من شهر يونيو الماضى،  مرت الذكرى الثانية والعشرون لانتحار الكاتبة والمترجمة والمناضلة اليسارية أروى صالح (1951-1997).

تعرفت على أروى فى النصف الأول من سبعنيات القرن الماضى، حين أحبها وهام بها شقيقى الأصغر الفنان بهاء النقاش،  المونتير السينمائى واستاذ المونتاج بالمعهد العالى للسينما،  وأعلن لنا انه فى الطريق للزواج منها،  وطلب منا إخلاء غرفة فى منزل الأسرة بشكل مؤقت، لاتمام ذلك،  حتى يتسنى له الحصول على مسكن خاص به،  لكن أروى لم تكن تبدو متحمسة لذلك،  فكيف لها أن تفكر فى خطة لمستقبل شخصى،  وهى المناضلة الشيوعية التى تمتلك شغفا لا سماء لحدوده بتغيير العالم .

حين كانت أروى تزورنا فى منزل أبى الذى لايزال كائنا فى الدقى بميدان المساحة، نعرف أن السهرة ستمتد حتى الساعات الأولى من الفجر، نناقش ونختلف كثيرا ونتفق أحيانا ونضحك دائما . نلعن النكسة ومحاكمات قادة الطيران البائسة،  ونسخر من الفن غير الملتزم، ونتضامن مع حركة الطلبة الداعية للتغيير وإنفاذ القانون وإقرار قواعد المساءلة والمحاسبة . نتبادل باستخفاف شباب طائش،  النكات التى انتشرت بكثافة ليخفف بها الناس من جروح الهزيمة العميقة،  التى لم يكن بيت واحد فى انحاء الوطن، يخلو من آثارها،  بينما أبى يحذرنا من التمادى فى تداولها،  لنفس الأسباب التى دفعت الزعيم جمال عبد الناصر إلى طلبه فيما يشبه الرجاء فى خطاب عام، من جموع الشعب المصرى،  بالتوقف عن سرد ونشر النكت التى تسخر من أولادنا وابناءنا فى القوات المسلحة،  للدور الذى تلعبه فى تحطيم معنويات الجنود وهم يستعدون للمعركة التالية .

كانت أروى فتاة دقيقة الحجم، رقيقة الملامح وسيمة الروح، ذات وجه طفولى وصوت خفيض،  لكنه مفعم بالحماس الذى يبدو وكأنه ثقة بالنفس،  تمتلك حيوية عقلية ساهمت ثقافتها المتنوعة وذكاؤها اللماح فى شحذها وتجددها،  وأمدتها بحضور آخاذ،  مما جعلها دوما نجمة تلك السهرات بلا منازع . كان بهاء يشاكسها بقطع المناقشة فى القضايا السياسية التى لاتكف عن الحديث عنها،  وعن التبشير بثورة أتية لامحالة تعدل ميزان الكون المختل فى كل خرائط العالم، ليذكرها بالوضع الاجتماعى البورجوازى المميز لأسرتها، حيث تعيش فى كنف أب كان فيما أذكر،  وكيلا للوزارة فى زمن، كان مثل ذلك المنصب يضع صاحبه فى ساحة علية القوم، وليحدثها عن الموسيقى الكلاسيكية التى شغف بها، واستولى على جهاز الراديو الوحيد فى منزل أبى، لينام ويصحو على صوت البرنامج الموسيقى الذى كان يشبع ميوله الموسيقية،  منذ بدأ بثه فى صيف عام 1965،  غير عابئ باحتجاجاتنا ورغبتنا فى سماع نشرات الأخبار،  وأغانى عبد الحليم وأم كلثوم، وبرنامج لغتنا الجميلة لفاروق شوشة الذى كان منزلنا متيما به،  وغير ذلك من البرامج والأغانى والخطب الرئاسية،  مما كان يصفه لنا بهاء بالأشياء التافهة، لكى يبرر بتلك الحجة الطفولية الماكرة،  سطوه الليلى على الراديو الوحيد المتاح بالمنزل .

المشترك بين أروى و بهاء،  أنهما كانا شخصين حالمين،  مرهفا الشعور والوجدان يفتقدان للثقة بالنفس، و يتسمان بحساسية مفرطة رسختها تركيبة نفسية هشة،  سهلة الكسر عند أضعف ارتطام مع أحداث الحياة المتلاطمة، أو حتى مع أى أشتباك مع مباهجها،  إذ كانا يتوجسان من أى مفاجآت،  حتى لوكانت مفرحة .و بينما كانت أروى قائدة مرموقة فى حركة الطلبة فى السبعنيات،  وعضوا فى المكتب السياسى لحزب العمال الشيوعى، الذى كان يقوده نخبة من كبار المثقفين اليساريين، كان بهاء قد بدأ حياته المهنية بثقة وحقق نجاحا لابأس به،  قياسا للبدايات، وكان قد إنضم أثناء دراسته الثانوية إلى منظمة الشباب، وواظب على حضور دوراتها التدريبية وحلقاتها النقاشية،  وكان فخورا بالأعمال التى كانت توكل إلى مجموعتهم الشابة فى المنظمة،  ومنها ردم مستنقع لمياه الترع فى قرية ريفية بالبدرشين،  وتنظيف أحياء فى الجانب الشعبى من حى الدقى،  فى داير الناحية وما حولها،  والتوعية بتعليمات الدفاع المدنى وقت سماع صوت صفارات الإنذار، وهو ماكان محلا لسخرية أروى الدائمة منه، وتندرها مما كانت تراه فهمه المتواضع للسياسة، وفخره بأشياء لاتدعو للفخر، لكنه كان يتقبل تلك السخرية بسعة صدر وسماحة قلب عاشق ولهان . أما نحن اخوته،  فكنا راضين بفرحه وابتهاجه،  ولم نكن نلتفت لبعض التفاصيل فى قصتهما المشتركة،  التى لو فعلنا،  لكان ممكنا عند تجميع أجزائها المتناثرة،  ملاحظة أن بهاء لم يكن هو الشخص الذى تضعه أروى صالح فى مستوى أحلامها الشخصية،  وهى الغارقة “لشوشتها ” كمناضلة شيوعية، فى حلم مشروع أممى لتغيير العالم، لم تكن تنظر برضا،  لمن يقفون بثبات على أرض واقع محدد !

وكما دخلت أروى صالح حياتنا فجأة، اختفت فجأة من منزل الأسرة دون أن يكشف لنا بهاء سر هذا الاختفاء غير المتوقع . إلا أن آثار هذا الاختفاء انعكست على حياته الصحية والنفسية، ولم يعد بهاء النقاش الذى كان دائم الفرح بقصة غرامه،  هو نفسه بدون أروى صالح .

حين نجحتُ بعد جهد شاق،  فى إقناع بهاء بالحكى والفضفضة للتخفف من آلمه،  والمشاركة معه فى تحمله، ولتفسير الانفصال الذى تم بينهما، سعيا لبعث الثقة فى نفسه من جديد،  توقعت أن أسمع منه حكاية من حكايات خيانات العشاق،  التى نقرأها فى القصص الغرامية الشائعة، ونشاهدها فى الأفلام السينمائية الميلودرامية، فنضحك عليها من فرط سذاجتها وأحيانا ركاكتها . لكن حكايته التى رواها لى،  لم تكن من ذلك النوع المضحك،  فقد آلمتنى، وأسالت دموعه بغزارة،  وفتحت فى قلبه جرحا نازفا لم يندمل أبدا، وفشلت كل المحاولات التى قمت بها لدعمه وإخراجه من حالة اختلال التوازن التى غدت تحاصره وتشل عقله و تسمم روحه،  ويمدها بعوامل والبقاء والتمدد،  جرح غائر،  بات عصيا على تلمس الشفاء .

.وبرغم أنه كان شابا وسيما ورشيقا، بدأ يفقد وزنه بشكل مثير للقلق، وانتابته حالات اكتئاب متفاوتة الشدة واللين، و ثورات توتر وعصبية يفقد خلالها القدرة على السيطرة عليها،  وترك نفسه نهبا لعلاقات نسائية لا اختيار له فيها، أتسمت معظمها بطابع المغامرة والتخبط،  أكثر مما كانت تعبر عن مشاعر حب حقيقة،  قادته إحداها لأن يفقد حياته فى حادث سيارة عبثى، وهولم يبلغ الثلاثين من عمره فى صيف عام 1981.

كان المبنى الذى تصدر منه مجلة “اليسار” التى أسسها الراحل الكبير حسين عبد الرازق فى بدايات العقد التاسع من القرن الماضى، مواجها للمنزل التى تقطنه “أروى صالح ” فى ميدان الملكة زبيدة بمدينة الطلبة بالصحفيين .وكانت تلك المصادفة الجغرافية البحتة،  التى قاربت بين المكتب الذى كنت أعمل فيه آنذاك،  وبين المنزل الذى تقطنه، سببا فى لقائى الأول بأروى بعد سنوات الاختفاء والرحيل .

لم أشعر حيالها بأية مشاعر سلبية،  تبين لى لحظتها أننى مازلت أحتفظ لها بإعجاب بحيويتها الفكرية ونضارة عقلها ورقة حضورها .ارتمت أروى بفرح طفولى فى حضنى،  وجذبتى من يدى بإصرار للصعود معها إلى شقتها التى باتت تقطنها وحيدة بعد موت أبويها . وفى داخل الشقة،  أدركت دون كلام أو شرح أو تفسير،  حجم التعاسة التى غدت تخيم على حياتها،  والوحدة التى لم يستطع ثراء عقلها وثقافتها وذكائها أن تبعد مخالبها عن روحها،  والعمل التى ما أن تستقر فى أحد مكاتبه بحثا عن لقمة العيش،  حتى تغادره فصلا أو مللا من أجوائه ومن خوائه ولا جدواه .!

شقة قاتمة،  تحوى أثاثا يبدو متهالكا، برغم أنه كان يوما من النوع الفاخر،  وجدار مصمت يقسم الشقة نصفين بينها وبين شقيقها،  وكومة من بضع قطع أثاث بمدخل الشقة، قالت أنها تود بيعها لعدم الحاجة إليها،  والأغلب أن السبب كان هو الاحتياج المالى !

فى تلك الفترة تعاقدت “أروى صالح “مع كتاب الأهالى، وهو سلسلة كتب شهرية كانت تصدرها جريدة الأهالى الناطقة بلسان حزب التجمع أسسها ورأس تحريرها “صلاح عيسى ” ورفع شعارا لها هو” ثقافة الهدم والبناء “مفسرا بذلك هدف السلسلة، بأنه إذا كان منطق الحركة السياسية اليومية،  يحتمل المساومة، فإن جوهر دور اليسارعلى صعيد الوعى والانتماء،  هو الهدم والبناء،  ذلك أن الأمر هنا أمر تكوين،  وتأسيس، يتجاوز ضرورات الحاضر وقيوده، إلى آفاق المستقبل وأحلامه. ولعل هذا الفهم لدور اليسار المعرفى، هو ما شجع أروى ‘على الإقدام للتعاون مع السلسلة .وكان الكتاب التى اختارته لكى تترجمه هو من تأليف المفكر البريطانى الأشتراكى وقائد حزب العمال” تونى كليف “بعنوان ” النضال الطبقى وتحرر المرأة “.

ودون إرادتى،  وجدتنى طرفا فى المشكلة التى نشأت بين أروى وبين صلاح عيسى،  إذ أن الكتاب كان قد أوشك على الصدور بعنوان “نقد الحركة النسوانية” وهو ما كان محلا لاعتراض أروى،  التى تمسكت بالعنوان الأصلى للكتاب،  وفشلت كل المحاولات لإقناع صلاح بتعديله،  وكانت حجته فى ذلك أن الكتاب تم طبعه بالفعل، وأن العنوان الأصلى يتصف بالعمومية،  فيما العنوان الثانى اكثر جاذبية للقراءة من ناحية، وينطوى على المضمون الحقيقى لفصول الكتاب من ناحية أخرى، إذ يقدم المؤلف نقدا للحركة النسوية التى أخذت فى الانتشار فى أمريكا ودول أوروبا الغربية،  مع بدايات عقد الستينيات من القرن الماضى،  ويعقد مقارنة بين موقف الحركات الثورية والاشتراكية والنقابية من اضطهاد المراة وتحررها،  مرجعا ذلك إلى حركة التاريخ،  رافضا منطق الحركة النسوية الغربية،  التى تفسر تاريخ اضطهاد النساء وتحررهن بالصراع بين الرجل والمرأة.

قبلت أروى على مضض التسوية الممكنة لتلك الأزمة، بأن وضعت الجملة التالية فى صدر الكتاب وعلى غلافه الأخير :العنوان الأصلى للكتاب “النضال الطبقى وتحرر المرأة ” وتم تغييره بمعرفة هيئة التحرير. لكنى أعتقد أن الأزمة لم تمر بسلام بالنسبة لها،  بل عمقت من إحساس أروى بالأضطهاد،  وقدمت لها زادا جديدا للعزلة التى فرضتها على نفسها،  وفرضها عليها فى الوقت نفسه،  ما وصفته “بالحصار الفاشستى للمرأة العزباء” وهو الوضع التى غدت هى نفسها عليه !

بعد تلك الواقعة بسنوات قليلة أصدرت أروى كتابها البديع “المبتسرون.. دفاتر واحدة من جيل الحركة الطلابية ” حيث اوردت فيه شهادتها ورؤيتها الشخصية لجيل السبعنيات التى كانت تنتمى إليه،  ولجيل من اليساريين كانت تعمل بين صفوفهم .وفى الكتاب وصفت ذلك الجيل بأنه شلة معزولة عن الناس،  وهو جيل صفقت له مصر كلها،  وقبض ثمن وطنيته قبل أن يدفع ثمنها،  وافقده التدليل الرشد وصاروا زعماء بلا جمهور. وهو الجيل الذى ضاعت معالمه،  عندما تحول زمن عبد الناصر إلى ماض. وأوضحت أروى صالح أن شهادتها التى ينطوى عليها الكتاب هى كما قالت بالنص: نقلة نوعية فى الوعى بالتاريخ،  أذكرها كما هى،  لأقدم للأجيال التالية، تراثا يجب أن يجحدوه.

فتح عليها صدور الكتاب نار جهنم، من بعض منافسيها من ذلك الجيل،  الذى وصفته بالجالس على المقاهى وعاطل عن العمل، فامتهن الثورية والنضال، ومن غيرهم ممن كانوا يتحسسون البطحات على رؤوسهم!

حضرت أروى إلى مكتبى فى صحيفة الأهالى وتركت لى مظروفا به نسخة من الكتاب .شكل الكتاب بالنسبة لى مفاجأة لم اتوقعها . فغلاف الكتاب الخارجى ينطوى على لوحة للفنان ” عمرو هيبة “لفتى يجلس على طاولة مهموما،  وأمامه كوب لم يكمل احتساءه، تختلط ملامح وجهه بأسى ممزوج بدهشة،  وينظر بلوعة من نافذة على فتاة تحتضن كتابا وغير مبالية بنظرته إليها،  كانت ملامح الفتى تشبه تماما ملامح وجه بهاء النقاش.

وكانت المفاجأة الثانية أن أروى قد أهدت كتابها “إلى ذكرى ..الفتى بهاء النقاش ” .وتمثلت المفاجأة الثالثة فى خطاب موجه لى من منها،  وجدته فى ثنايا الكتاب،  ينطوى على اعتذار وتفسير لوجهة نظرها فى الأسباب التى قادت لقطع علاقتها مع بهاء النقاش وفيما يلى نص الخطاب :

العزيزة أمينة ..

وأنا بفكر في كلمات الإهداء اللي هاكتبهولك،  لقيت مش حاينفع أحطها على الكتاب،  لأني في الحقيقة محتاجة أكتب جواب،  لأني محتاجة أقدم اعتذار لما أصبح في مقدوري أقدمه،  ماكانش بهاء موجود عشان يتلقاه .. سامحيني يا أمينة إني أدخل في موضع أنا عارفه إنه مؤلم بالنسبة لك،  لكن تأكدي أني بقيت جديرة بمشاركتك الألم ده .. فيه شخصين في حياتي يا أمينة فقدهم علمني معنى الموت،  أمي وبهاء،  وبالنسبة لي موت بهاء كان معناه : أني لن أتمكن أبداً من تقديم إعتذاري له،  ومازلت أعيش بهذه الوجيعة .

أسمحي لي أخفف عن نفسي بإني أعتذر لك إنتي . لما سبت بهاء يا أمينة ماكنتش عارفه باسيبه ليه،  كل ما كنت أدركه إني عاجزه عن الحب ولا أدري لماذا،  وتكررت القصة دي بحذافيرها في كل علاقة لاحقة،  ولم يحل اللغز إلا بعد أن بلغت الثامنة والثلاثين،  حين استطعت أن أحب لأول مرة .. لم تكن المعجزة تخص الحبيب،  بالعكس،  في كل خطوة خطوتها في حياتي الشخصية كنت أدرك ـ صراحة أو ضمناً ـ أن بهاء كان أقرب إنسان إليَ،  ماكانتش معجزة،  إنما كان الجانب الهش في تكويني النفسي ـ إلى حد خطر ـ اللي بيبحث طول الوقت عن أمان استثنائي لا يستطيع أن يوفره إنسان في الواقع، لأن الثقب كان في الداخل وعميق جداً . الجانب ده كان قطع رحلة الضعف للنهاية ـ عبر بهدلة لا إنسانية في الحزب ـ حتى المرض والانتحار،  إلى أخره،  واتعلمت جوه الرحلة دي أصفح عن جروحي القديمة، واتقبل نفسي كما هي،  وإن الحل الفعلي الوحيد لثقب عدم الأمان القديم،  هي إني أتعلم كيف أعطي أنا نفسي،  فقط لما وصلت للنقطة دي عرفت أحب ( لكن في الحقيقة ماكانش بقي فيه ناس كتير يستاهلوا ) .. كان نفسي أقول لبهاء سامحني،  ولو أقول الكلمة ونمشي كل واحد في طريقه تاني،  بس يعرف إني قطعت رحلة عمري العصيبة ـ باحثة بالذات عن الحب بكل أشكاله ـ لكي أعرف مرة تلو الأخرى أنه كان رجلي،  ولعله مهما تألم،  ماكان يحلم بمثل هذا العقاب . أروى.

انتهت رسالة أروى التى تلقيتها فى إبريل عام 1996، بعد نحو خمسة عشر عاما من رحيل بهاء النقاش،  مفسرة للمرة الأولى أسباب الأنفصال بينهما . وفى كتابها ” المبتسرون” قدمت أروى نقدا لعلاقة المثقف بالمرأة فقالت :

تتعلم المرأة من القهر اللؤم،  ومن الإهانة الشراسة والكره،  ووتسلح بهم جميعا فى معركة البقاء للأشطر ..وإذ يعاملها المجتمع-الرجل -ككائن أحقر، عاجز عن النبل، يعلمها السفالة . تتعلم احتقار الأضعف، الأكثر خجلا،  وأقل اقتحامية ووقاحة،  الأقل قدرة على الإيذاء، الأكثر براءة،  تتعلم كيف ترى فى هذا الأخير،  وكيف تصنع منه فريسة.!

ولعلها فى المقطع السابق،  لم تكن تصف شئا، سوى طبيعة العلاقة التى ربطتها مع بهاء النقاش،  وباتت تحمل باعترافها ذنب فشلها،  ولم تستطع عبر تجاربها التعيسة والقاسية أن تتخفف منه،  وظل بدوره موضعا لألمها. وربما عمق حالة الاكتئاب المرضى الحاد التى أصيبت به،  ولم تستطع أن تنجو من براثنه . وبعد نحو عام من هذا الخطاب اعتلت أروى شرفة فى الدور العاشر لشقة لقريبة لها وسط القاهرة، والقت بنفسها،  لتسقط جثة هامدة فى السابع من يونيو 1997وهى بالكاد فى السادسة والأربعين من عمرها .

كانت فكرة الانتحار قد سيطرت عليها، حينما شهدت جميع الأحلام تتهاوى أمام عينيها :انهارت الشيوعية فى عقر دارها، بسقوط الاتحاد السوفيتى ومنظومة الدول الاشتراكية وسقطت كثير من الأقنعة عن الجيل الذى انتمت إليه،  وخذلها زيف شعاراته وضحالته الثقافية و المعرفية،  وزاد شعورها بالخيبة من فشل حياتها الشخصية-وهل من شقاء فى غير وحدة القلب كما تقول مى زيادة -، واعجزها الاكتئاب المرضى،  الذى لم يكن يحظى بأية فرصة حقيقية للعلاج، عن الخروج من الدوامة النفسية لليأس،  وأفقدها السكينة والقدرة على التصالح مع النفس،  ليخسر الوسط الثقافى والعام، كاتبة مثقفة و موهوبة من طراز رفيع،  ظلمها حظ عاثر، وواقع سياسى بائس مريض وفوضوى،  افتقد للرحمة،  وغابت عنه صحوة الضمير .!

مقالات من نفس القسم