بعضها سار في طريق الشعر دون أن يطرأ عليه تغيير يُذكر في الكتابة وبعضها لا، إيمان من النوع الثاني الذي واصل الكتابة برغبة حقيقية في تغيير جلدها وعدم التوقف عند أية مرحلة والوصول إلى طريقة تخصها في كتابة القصيدة مارة بطرائق مختلفة وبإيقاعات متراوحة ولكن دائما بنبرة مميزة حتى في ديوانها الأول القادم من شعرية تبدو بعيدة الآن لكنها كانت ذات إغراء قوي مسّ الجميع بشكل أو بآخر وقتها، وأظن أن إيمان في التسعينيات بديوانيها الهامين “ممر معتم يصلح لتعلم الرقص” و”المشي أطول وقت ممكن” غيرها في “جغرافيا بديلة” و”حتى أتخلى عن فكرة البيوت” وهذا لا تفسره فقط فكرة الحياة في مكان آخر والتعايش اليومي مع لغة وطريقة في النظر مختلفتين ولكن أيضا الرغبة في التعامل مع الشعر من داخله وخفض مستوى الغنائية والعاطفية لصالح قصيدة أكثر تركيبا بدون تشنج والدخول في مناطق جانبية ومعتمة، دون أن تتبدى هذه العتمة كثقل أو كمأساة بل، كأنها “خلاصة الروح” كما تقول إيمان في قصيدة لها أحبها كثيرا بعنوان (مقبرة سأحفرها):
“عائدة إلى البيت بطائرٍ ميتٍ في يدي، ومقبرة صغيرة سأحفرها تنتظرنا في الحديقة
لا دماء على ريشه المغسول، جناحان مفرودان
ونقطة ندى على منقارٍه ربما تكو ن خلاصة الروح
كأنه طار أياماً وهو ميّت بالفعل، تحدّد سقوطه أمام عينيّ الرب،
مائلاً وثقيلاً وأمام عينيّ
أنا التي تركت بلداً في مكانِ ما لأتمشّى في هذه الغابة
أحمل جثةً لم ينتبه لغيابها السرب…
مدريد