“الأماكن كلها مشتاقة لك”
وأنا
قبل أن تجسّ أجنحتك وتطير
شفت حياة رششناها بين تلك الجدران
ثمة دكة
خبأتُ ذات يوم تحت كليمها المفروش
جواب (استدعاء ولي الأمر)
وانشغلتُ بجارات يخبزن في غرفة الفرن
خلف أمي
وهن ينفضن عن صدورهن القائظة الدقيق والأسرار
ترى لماذا كلما اهتزت نخلة الموسيقى
تذكرت اللسعتين:
لسعة البشكور ولسعة العصا
وفي المدينة
حيث داستها قدماي أول مرة
سألتك عن تليفون العملة
أوقفتني ساعتها وقلت:
“يُنادى الوليّ من سرادقات العز كما نودي موسى”
وفيما أقف مشدوهاً قدام (عبدالرحيم عمرو) للموبيليا
أخذت بيدي لتحكي
عن خشبة كان “زرياب” يضعها في فم المغني،
وصليب ذي ثلاثة ألسنة يبكّ الدم والخل
ومجدلية تنتظر
الطريق موحش إذن،
فمن يقطع الرحلة معي؟
**
هنا
وضعتُ سبّابتي بين الغاشية والأعلى
بينما كنا نقرأ في المصحف لنشطف سماء الله بالأوراد
ثم تملكتني الحيرة
برهةً
..
_يا أبي
لم بنى أهل القرية لجدي مقاماً؟!
قلت لي:
…
أصبح جَدّك مقطوع الإبهام
يمشي عادةً خلف قطيع أغنامه
فائراً كالشدو، متصيداً كبئر
ويحمل بأربع أصابع في اليمنى ناياً
زعموا أنه عرف ألف امرأة وهو يسعى
أهدى كل واحدة منهن،
إسوارةً
وطائراً
ومُدية
حتى إذا دقت ساعة رحيله من بيت إحداهن
كان يغمس يده في الإناء وينضح
هـــــــــــــ
كـــــــ
ذ
ا
فيمتلئ المكان بوعول ذهبية
وقتها يهمس في أذن صاحبته الموعودة :
عندي سفر
اختاري واحداً فقط لتبيعيه في السوق،
استعيني بثمنه على ظروف العيش
ريثما أعود
وانحري الآخرين
لكنّ الطمع دخل قلوبهن
فتحولت الوعول بغتة إلى عبيد سود
أخذوا يضربون ظهور نسائه بالكرابيج
حتى سقط اللحم عن العظم
عدا جَدّتك
نفّذت وصيته فشافته مرة أخرى
بعمامة خضراء ووجه كأنه فلقة القمر
..
في جنازته
رأينا سحابة من طيور مُلَوَّنة تصدح أعلى
وألف جارية ـ تبارك الله فيما خلق ـ يتقدمن المشهد
قطعت كل واحدة منهن لسانها بمُدية
وحدفته للنهر
تزاحم الناس وقتئذ أمام القبر
فوجدوا النعش فارغاً!
اجتمعوا بعدها
يكفكفون دموعهم بأكمام الجلابيب الواسعة
ثم خلعوا من كافة بيوت القرية طوبةً
وبنوا له المقام
**
حبذا لو نصب الفتى النحيل الآن الشّرَك
وأدرك ضرورة الالتفات
وأن التناص ربما يضبط الطبخة
حبذا لو قال:
الحب
بضع وسبعون شعبة
أعلاها شهادة
وأدناها إماطة الأذى عن القلب
..
سلاماً لامرأة
علّمته إيلاف الأبجدية حين راقبها من فرجة بالباب
فرأى
كيف اختمر عجين بطنها
وتخّ نهداها بموسيقى وحشية
بينما الماء يقيس _فَرِحاً_ زوايا مثلثها المقلوب
سلاماً للتي قالت:
“التحيات لك يا ابن عُفاري
في الحوض ثمة حِنْطة حفظتها لقُبَّرتك
وظمأ جوارحي ذبيحة تقدمةٍ وضعتها على عتباتك
فـــانْخس أحصنة الماء السائبة تحت السُرَّة،
ادخلني
ما من شقفة في الروح إلا واشتهتك
ما من مفازة في الجسد إلا ولطّخت مداك بالفحيح”
سلاماً للتي قدحتْ الليمون والسُّكَّر
وطفقتْ تكشط لحاءها الغضّ
ثم قلّمتْ أظافرها
واغتسلتْ من الحمحمة الشهرية لأسماك بِركتها
سلاماً
للولد الذي جمّع ما اسّاقط منها
(الأظافر، الشعر، سائلها الأحمر وحاجات أخرى)
حتى حفر بيديه في ڤازة لم ينذرها يوماً للورد،
غرسها
و..
انتظر
(فلما ثبت واستعلى جاء من فرعها الأعلى وجاء من فرعها
الأدنى عالم الصــورة والمعنـــى فاعتصر صفــــوة عنصــرها
ومخضها حتى بدت زبدتها ثم غمسها وأحاط بالشجرة ….) *
وليُّ ضرير وشاعر
تسارّا:
ما ثم غير ديون
وحفرة واطئة
والبحــــــر ليــــــــس بمــــــــلآن
_____
*عن (شجرة الكون) لمحي الدين بن عربي بتصرف .
شاعر مصري، من ديوانه (العصافير في الانستجرام قاسية) ـ الفائز بجائزة محمد عفيفي مطر مؤخرًا