إسماعيل يس في استفتاء 2014

إسماعيل يس في استفتاء 2014
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام
محمد سيد عبد الرحيم لكل حاكم أبواقه كنا قد تحدثنا في مقال سابق عن الفيلم الدعائي (شارك) 2014م للمخرجة المتميزة ساندرا نشأت، وكيف أنَّها استخدمت قدراتها الفنية عبر زوايا التصوير وأحجام الكادرات وتغيير عدسات الكاميرا والمونتاج واختيار الأغاني لتوصيل حالة تحث وتوجه المشاهدين للتصويت بـ(نعم) في الاستفتاء على دستور 2014م، وأنَّ مَنْ سيقولون (لا) أو سيقاطعون الاستفتاء هم خونة ومخربين يريدون دمار وهلاك البلاد، وأيضًا في اعتبار المشير -وقتها الفريق الأول- عبد الفتاح السيسي هو المخلِّص القادر على نقل المواطنين من حالة الضنك إلى حالة الرغد! وقد استدعينا المخرجة الألمانية العظيمة ليني ريفشنتال (وهي أشهر مخرجة بتاريخ السينما)، وتحدثنا عن فيلميها التسجيليين الدعائيين؛ وهما: (انتصار الإرادة) 1935م، وفيلم (الأولمبيات) 1938م (بجزئيه مهرجان الشعوب ومهرجان الجمال). هذا التقليد الدعائي للحكام ليس بالجديد، فلكل عصر ولكل حاكم فنانوه الذي يحتمون به ويقومون بعمل دعاية له، خاصة بفن السينما الذي يحتاج أكثر من أي فن آخر إلى تمويل سخي. وبذلك يقوم الحاكم أو السلطة الحاكمة هنا بالإنتاج، وإذا لم تنتج السلطة لهذا الفنان كل أعماله فهي ملتزمة بأن تسهل له كل المعوقات التي قد تواجهه -وهي معوقات كثيرة- أثناء إخراج عمله للمشاهدين، من مواقع تصوير وتصريحات ورقابة ودعاية بالإعلام الحكومي والخاص الموالي للحكومة.. إلخ. ويحدث هذا المنوال منذ أيام الاحتلال الإنجليزي لمصر حتى الحكم الحالي. يقول الناقد إبراهيم العريس أنَّ سلطات الاحتلال البريطاني قد اختارت خلال الحرب العالمية الثانية محمود شكوكو كممثل كوميدي قادر على التأثير في الناس، واستخدموه -بالاتفاق معه- في تمويل تسليح جيش الحلفاء، وذلك عن طريق طرح تماثيل وصور ومشاهد من أفلامه واستبدالها بزجاجات لمد مصانع الحلفاء بها، ولقد نجحت الفكرة الاستعمارية بالفعل في إعادة تشغيل هذه المصانع، والتي مدت جيوش الحلفاء بما يلزمهما في حربها. ولم تكن هذه هي الواقعة الوحيدة التي استغل فيها الاحتلال الإنجليزي فنانيين مصريين لتحقيق أغراضه عبر الدعاية له ولأفكاره والوصول لأهدافه، بل توجد نماذج أخرى عدة، وقد سجلت السينما نفسها هذا الاستغلال -أو نستطيع أن نقول تبادل المصالح- في فيلم (بديعة مصابني) 1975م المأخوذ عن مذكرات الراقصة الشهيرة، والذي أخرجه المخرج الكبير حسن الإمام، حيث أشار الفيلم إلى اتفاق تم بين بديعة والاحتلال البريطاني على عمل دعاية للحلفاء والسخرية من دول المحور بإحدى عروضها.   الجيش والشعب يد واحدة يشير الناقد علي أبو شادي إلى أنَّ ثورة 1952م قد قامت بتأسيس شركة (النيل للسينما للإنتاج والتوزيع) برئاسة الضابط وجيه أباظة عام 1953م (أي بعد عام واحد فقط من قيام الضباط الأحرار بالثورة) وأصدرت بعام 1954م مرسومًا بإنشاء مصلحة الاستعلامات، واستحدث مراقبة الشؤون الفنية لإنتاج الأفلام الدعائية والقصيرة. ويقول إبراهيم العريس أنَّ الضباط الأحرار قد قاموا بنفس ما قام به الاحتلال البريطاني مع شكوكو بعد القيام بثورة 23 يوليو. فمثلما يقول ابن خلدون الحاكم الجديد دائمًا ما يستمد ممن قبله الأفكار والطرق التي يستطيع بها أن يوطد حكمه لفترة أطول، خاصة أنه شاهد وشارك ونفذ بالفعل عملية سقوط مَنْ قبله، وبالتالي فهو يضع يده على قلبه دائمًا ويتحسس خطواته حتى لا يقع بنفس الهوة التي وقع بها من قبله. وعليه، فقد رأت إدارة الشؤون المعنوية تطبيق مبدأ (الجيش والشعب يد واحدة لمواجهة الفساد والاحتلال)، ولقد اختارت بالفعل الممثل الكوميدي اسماعيل يس الذي كان نجمًا للشباك ببداية الخمسينيات، وتم بالفعل التعاقد معه ليقوم ببطولة عدة أفلام من انتاج وتوزيع الجيش (شركة النيل السابق ذكرها) إلى جانب مجموعة من نجوم الكوميديا وقتها، لجذب أكبر عدد من المشاهدين، من هؤلاء النجوم محمود المليجي وزينات صدقي وعبد المنعم إبراهيم وعبد الفتاح القصري ورياض القصبجي وعبد السلام النابلسي، ومن اخراج اثنين من أفضل وأشهر مخرجي الأفلام الكوميدية وقتها؛ وهما فطين عبد الوهاب وعيسى كرامة، ومن تأليف أبو السعود الإبياري وسيد بدير. ولقد نجحت هذه الأفلام نجاحًا مدويًا، حيث كان الجيش يعرضها في الشوارع والميادين والمدارس والاحتفالات والمناسبات الوطنية. ونجحت أيضًا في الدور الذي خصصته لها الشؤون المعنوية؛ وهو ربط الجيش بالجماهير. فلقد كان الفيلم يتم تصويره داخل معسكرات الجيش وثكناته ومطاراته وموانيه وسفنه بالفعل، وتحت قيادة وإشراف مجموعة من الضباط الحقيقيين الذين ظهر بعضهم في الأفلام. وامتدت هذه الظاهرة لإنتاج أفلام أخرى لإسماعيل يس؛ مثل: (إسماعيل يس في دمشق) بعد قرار اتحاد مصر وسوريا (الجمهورية العربية المتحدة) في عام 1958م وغيرها من الأفلام. وعلى الرغم من النجاح المدوي والإيرادات الخيالية التي جنتها هذه الأفلام والمثالية والمهنية التي قُدم بها الجيش والشرطة المصرية من استعداد وتطور وقوة وانضباط وتنظيم وقدرة على التعقب والوصول للمجرمين وحنكة ودهاء، وهو ما يتناقض بشكل كبير مع ما عاناه المصريين من جراء الشرطة المصرية قبل الثورة (القلم/ البوليس السياسي كمثال) وبعد الثورة في حقبة عبد الناصر، ويتناقض أيضًا مع هزيمة الجيش في نكسة 1967م، إلا إنَّ هذه الأفلام كانت شديدة السوء من الناحية الفنية، حيث كان يتم تنفيذها بسرعة وبلا تأني أو تنظيم أو رؤية فنية، فكانت تعتمد بالأساس على أداء إسماعيل يس وقدرته الخارقة على جذب الجمهور وإضحاكهم رغم أنَّه كان يكرر في أحيان كثيرة نفس الحركات واللزمات التي استخدمها للصعود منذ بداية مشواره الفني؛ ومنها على سبيل المثال الحركات المتكررة بفمه الواسع الشهير، وفكرة الانتباه المتأخر للمصائب التي أشار إليها أندريه بازان وهو يتناول طريقة أداء شارلي شابلن الفريدة.. إلخ. يقول المؤرخ السينمائي جاك الكسان أنَّ السبب الأساسي لاختفاء إسماعيل يس تمامًا من الشاشة الفضية هو هذه الأفلام التي اتسمت بالسذاجة الفنية والفكرية، خاصة حبكاتها البسيطة الطفولية، مما جعل الجمهور ينصرف عنها بعد فترة بسبب التكرار الممل الذي اتسمت به.   عود على بدء أنهي استعراضي للعلاقة بين (السلطة/ الجيش - الفن/ صناع السينما) بذكر فيلم (المصلحة) إخراج ساندرا نشأت (تم بدعم كبير من وزارة الداخلية)، والذي عُرض بعام 2012م؛ أي بعد عام واحد من القيام بثورة 25 يناير. الفيلم الذي جمع بين ثلاثة نجوم من ذوي الأجور العالية؛ وهم أحمد السقا وأحمد عز وحنان ترك، قد عرض صورة مثالية تتنافي تمامًا مع الصورة الذهنية التي لدى المجتمع المصري في هذا الوقت عن جهاز الشرطة، والتي أدت إلى قيام ثورة يناير في يوم عيدهم (25 يناير) احتجاجًا على ممارساتهم القذرة والوحشية، إذ نزل الملايين بالشوارع حتى يعبروا عن غضبهم من الشرطة حين أحرقوا الأقسام التي تمثل لهم نموذجًا للفساد وتعذيب وقتل الآلاف والعديد من الانتهاكات الأخرى غير المهنيَّة وغير الآدميَّة. وبعد، دعونا نعود إلى فيلم ساندرا نشأت الدعائي لنسأل سؤالًا مهمًّا؛ وهو: مَنْ الذي أنتج هذا الفيلم الذي تكلف الكثير؟ خاصة وأنَّ المخرجة قد انتقلت إلى عدة محافظات مصرية لتصويره، وأيضًا قد تم تنفيذه بحرفية كبيرة في كثير من مراحل إنتاجه؛ خاصة التصوير والمكساج والمونتاج الذي من الواضح أنَّه قد استغرق وقتًا طويلًا بسبب الاختيار الدقيق للقطات وتتابعها بالفيلم (المنتج النهائي). ولكن -وللمفارقة- حينما تم سؤال ساندرا في حوار لها مع قناة (سي إن إن) عن هوية منتجي الفيلم رفضت الإجابة على السؤال، رغم حساسية الموقف؛ خاصة أنَّه قد انتشرت شائعات كثيرة عن جهات الإنتاج، وصلت إلى درجة قول البعض أن منتجي الفيلم أجانب، وبررت ساندرا موقفها بأنَّ الممولين للعمل الفني لا يرغبون في الكشف عن هويتهم، وكأنَّه سر حربي!! دائمًا ما تحاول السلطة أن تستغل الفن/ السينما للدعاية لها، فتعرض على المشاهدين مشاهد وأهداف مضللة، مما يؤدي إلى تصديقهم واقتناعهم بهذه الخرافات التي تزنّ على آذانهم كالسحر، فيؤدي ذلك إلى صدمات لا يفيق منها الناس، بل وربما يرفضون تصديق الواقع حينما يصدمون به كنكسة 1967م كمثال. وأينما وُجد مهللون وجد حكام قادرون على استغلال الفن لأغراضهم التي لا تنتمي أو تصب بأهداف الفن، ولكنها تهدف دائمًا إلى التعمية لا التنوير، وللأسف مازلنا نقع بنفس الحفر التي وقعنا بها من قبل، ربما بسبب عدم تناولنا وتفحصنا لهذه الوقائع المتكررة بدقة. ولكن، ومثلما يقول كارل ماركس بكتابه الشهير (8 برومير لويس بونابرت) الذي يتناول شخصية الديكتاتور فــــ(الأحداث... في هذا العالم، والشخصيات التاريخية قد تتكرر، إذا صح التعبير، مرتين... حيث تجيء في المرة الأولى تراجيدية، وفي المرة الثانية تكون هزلية ليس إلا".     خاص الكتابة

مقالات من نفس القسم